قبل يوم من خروج شباب فلسطين بثورتهم لإنهاء الانقسام كتبنا مقالا تحت عنوان (ثورة شباب فلسطين بين التهوين والتهويل) وحذرنا من محاولة الأحزاب ركوب موجة الحراك الشبابي ،وفي نفس الوقت نوهنا إلى انه ليس مطلوب من الشباب أن ينهوا الانقسام في اليوم الموالي ولكن المهم أن يبلغوا رسالتهم ويشكلوا حالة ضاغطة ويكشفوا من مع المصالحة حقيقة ومن مع استمرار الانقسام ،وقد حدث ما توقعنا. خرج الشباب يوم الثلاثاء الماضي في الضفة والقطاع وفي الشتات وبعضهم بات قبل يوم في ساحة الجندي المجهول في غزة ،وقد جرت المسيرة (الثورة ) في الضفة بسلاسة ورأينا قادة حماس مع بقية الفصائل يتصدرون المسيرة التي لم يرفع فيها سوى علم فلسطين وعند المساء قرر الشباب الاعتصام في دوار المنارة دون أن يمنعهم أو يقمعهم احد ،مع تسرب أخبار عن محاولات من مناصري حركة فتح للتشويش على متظاهرين رفعوا شعارات منددة بالتنسيق الأمني وباتفاقات أوسلو. أما في غزة فقد سارت الأمور بشكل مغاير ،فقد استنفرت حكومة وحركة حماس كل شبابها وعناصرها وأجهزتها الأمنية وكأنها مقبلة على معركة، انتشرت عناصرها المسلحة والمدنية في ساحة الجندي ومداخلها منذ الصباح الباكر واستفردت بالمنصة الرئيسية التي يجتمع حولها الإعلاميون رافعة أعلامها الحزبية،وقد توالى على منصة الخطابة قيادات حمساوية تكلموا بما يتعارض مع مبادرة الشباب وشعار إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة،الأمر الذي دفع الشباب للتوجه للساحة وهناك وجدوا الأجهزة الأمنية أمامهم ومنعتهم من الاعتصام فحولوا وجهتهم إلى الكتيبة وبعد ساعات قليلة باتت ساحة الكتيبة مكتظة بأضعاف من تبقى في ساحة الجندي تحت راية حركة حماس،الأمر الذي أثار حركة حماس وحكومتها بالرغم من أن الشباب لم يرفعوا إلا علم فلسطين ولم يرددوا إلا شعار إنهاء الانقسام .في حوالي الساعة السابعة قامت أجهزة امن حماس ورجال بلباس مدني مسلحون بهراوات وقضبان حديدية وأسلحة حادة بمهاجمة الجمهور بشراسة متلفظين بألفاظ نابية موجهة للشابات والنساء المعتصمات،وكانت النتيجة إحراق خيم المعتصمين وإصابات بالكسر والطعن للعديد من الشباب.
ملاحظاتنا على ما جرى: 1. مئات الآلاف الذين خرجوا عبروا عن موقف ورأي غالبية الشعب الذي يريد إنهاء الانقسام وهؤلاء مثلوا الشعب تمثيلا حقيقيا وعبروا عن شرعية تسمو على شرعية صناديق الانتخابات التي أصبحت ملغاة .وكان الحشد في ساحة الكتيبة الذي ضم جميع الأحزاب والفصائل والفعاليات الشبابية والنقابية والمدنية والشباب والأطفال والشيوخ ،تعبيرا حقيقيا عن الوحدة الوطنية . 2. التزمت كل الأحزاب والفصائل بما طالب به الشباب من التزام بشعار إنهاء الانقسام فقط وبرفع العلم الفلسطيني دون غيره،إلا حركة حماس التي حاولت حرف حراك الشباب عن وجهته رافعة علم حماس وكنوع من التضليل ألصقت حركة حماس علم فلسطين بعلم حماس وفي هذا إهانة لفلسطين وعلمها،فحركة حماس مجرد حزب كبقية الأحزاب وفلسطين تسموا على كل الأحزاب وعلم فلسطين فوق كل الأعلام . إن أرادت حماس تجسيد الوحدة من خلال علم مشترك فعليها أن تلصق علم فتح مع علم حماس لان المشكلة بين حماس وفتح وليس بين حماس وفلسطين، اللهم إلا إذا كانت حماس ترى أن مشكلتها مع فلسطين. 3. لم يكن الإعلام موضوعيا في نقل ما حدث،فبالإضافة لتصرف قناة الجزيرة التي عودتنا على أن تصاب كاميراتها بحول أو عور عندما يتعلق الأمر بفلسطين ،حيث لم تغطي ما جرى في الكتيبة واكتفت بتسجيل ما جرى في الجندي،فإن مراسل ال B.B.C في غزة لم يملك الشجاعة الكافية ليقول الحقيقية عندما ذكر (بأن الاتفاق كان بين الفصائل على ألا يُرفع إلا علم فلسطين ولكن في التجمع رُفعت أعلام كل الفصائل) وهو يعلم والكل كان شاهدا أن حركة حماس وحدها خرقت الاتفاق ورفعت علمها ولم يرتفع أي علم فصائلي إلا علم حماس،وبالتالي كان عليه أن يكون شجاعا وموضوعيا ويقول بان حركة حماس وحدها خرقت الاتفاق ورفعت علمها. 4. لا ندري ما كان يُضير حركة حماس وحكومتها لو تركت الشباب يبيتون ليلتهم في ساحة الكتيبة وخصوصا أنهم كانوا يتهيئون لأنشطة فنية مثل الدبكة والرسم والأهازيج الشعبية معتقدين ببراءة أنهم مثل شباب مصر وبقية شباب العالم يمكنهم التعبير عن مشاعرهم الإنسانية والوطنية بحرية. وفي سياق الحديث عن البراءة سألني احد الشباب قبل يوم من خروجهم ماذا نفعل لو قدمت لنا أجهزة الأمن الحمساوية وجبات طعام أو علب عصائر ومياه هل نأخذها أم لا؟ فقلت له لو فعلوا ذلك فهذه بادرة طيبة على تفهمهم وتقبلهم لحركتكم ولا داع لرفضها،ولكن كان ما كان، حيث قدموا لهم وجبات ساخنة علقت على أجسادهم ورسخت في عقولهم لن ينسوها طوال حياتهم. 5. بالرغم من قمع الشباب في ساحة الكتيبة وما بعد ذلك من استدعاء واعتقالات واعتداءات وصلت لحرم جامعة الأزهر وجامعة القدس المفتوحة،فإن ثورة شباب 15 آذار حققت إنجازا مهما في جولتها الأولى،وعلى الشباب أن يفتخروا بما حققوا حيث استنهضوا حالة ثورية شعبية كانت نائمة او ميتة واثبتوا أن الشباب قوة محركة تستطيع أن تغير الأوضاع وتحرج الحكومات والسلطات . 6. على الشباب أن يفتخروا بأن الجولة الأولى من ثورتهم حركت ملف المصالحة الراكد حتى وإن كان حراكا تحت إحراج وضغط ثورة الشباب،فالسيد إسماعيل هنية وجه دعوة للالتقاء مع الرئيس أبو مازن في أي مكان وكان رد الرئيس سريعا، أنا مستعد لزيارة غزة غدا.إن جرت الأمور اعتمادا على حسابات حسن النية وجرى اللقاء فالفضل سيكون لثورة الشباب. وفي جميع الحالات على الشباب أن يكونوا مستعدين لجولات أخرى من الحراك والثورة لان الشعب الفلسطيني بات أكثر مراهنة عليهم ،ونعتقد أن الأمور بعد 15 آذار لن تكون كما كانت قبله. 16/03/2011