شباب الثورة الفلسطينية لا يقلدون ثورات غيرهم بل يصححون مسار ثورة شعبهم ،وبالتالي ليس صحيحا أن دعوة الشباب الفلسطيني للثورة لإنهاء الانقسام دوافعها التقليد والمحاكاة للثورات العربية التي اندلعت في تونس ومصر وليبيا واليمن ولا مبرر لها مستمد من واقع الشعب الفلسطيني. قد تتفق الحالة الفلسطينية مع غيرها من حيث ريادة الشباب لفكرة الثورة ومن حيث استعمال مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية لنشر الدعوة للثورة ومن حيث شروط ودوافع الثورة المرتبطة بمستوى المعيشة والعدالة الاجتماعية ،التي هي في الحالة الفلسطينية متواجدة أكثر بكثير من أية دولة عربية إلا أن الخصوصية تأتي من حيث أن الوضع الطبيعي الذي يجب أن يكون عليه الشعب الفلسطيني هو الثورة ما دام الاحتلال جاثما على أرضنا وأجسادنا ومُهينا لكرامتنا ومُدنسا لمقدساتنا،وأن وجود حكومتين وسلطتين ومؤسسات سياسية رسمية وأجهزة أمنية و(ديمقراطية) الخ وضع غير الطبيعي وخارج سياق مرحلة التحرر الوطني التي يفترض أنها الوضع الطبيعي وانحراف عنها.إذن الثورة الفلسطينية القادمة والتي عنوانها إنهاء الانقسام ليست تقليدا لأحد بل استنهاض لثورة مغدورة ،ثورة غدرها بعض أهلها قبل أن يجهضها الاحتلال،الثورة القادمة التي سيكون طليعتها الشباب ومن خلفهم كل فئات الشعب تصحيح لوضع خاطئ وإعادة للأمور إلى نصابها،شعب خاضع للاحتلال عليه مواجهة الاحتلال موحدا .ثورة إنهاء الانقسام ثورة ضد الاحتلال تبدأ بإزالة العقبات التي تَحُوٌل بين الشعب وحقه في مقارعة الاحتلال، والانقسام أهم هذه العوائق. قد يطرح البعض لماذا التركيز على إنها الانقسام وجعله عنوانا للثورة الفلسطينية؟ الجواب ببساطة أن إنهاء الانقسام هو مفتاح عودة الشعب الفلسطيني لهويته وكينونته الوطنية اللتان مزقهما الانقسام ،وإنهاء الانقسام مفتاح عودة القضية لماهيتها وأصولها كحركة تحرر وطني ، وإنهاء الانقسام هو المدخل لمواجهة الاحتلال سلما أو مقاومة ،فأي جهد لمقاومة الاحتلال سياسيا كان أو عسكريا في ظل الانقسام سيكون مصيره الفشل أو تكريس حالة الانقسام .الانقسام أخرج القضية الفلسطينية عن سياقها الطبيعي ،دمر المشروع الوطني ،دمر مشروع السلام الفلسطيني ،دمر مشروع المقاومة وأنهاه،فَصَل بين الشعب في غزة والشعب في الضفة وصَدَرَ الانقسام للخارج إلى فلسطينيي الشتات ،عزز الأحقاد بين أبناء الشعب ،شوه صورتنا في الخارج،مكن إسرائيل من العمل على استكمال مشروعها الاستيطاني ألتهويدي بشكل سريع ومريح،نَشرَ الفقر والبطالة والإحباط واليأس عند الشعب،وبصورة عامة فإن الانقسام صيَّر الشعب الفلسطيني في حالة غير مسبوقة من الإذلال والتيه السياسي ،وبالتالي فإن كل من ساعد على وجود حالة الانقسام أو يدافع عنها أو يقف ضد من يطالب بإنهائها يصطف إلى جانب العدو الصهيوني.لقد منح الشعب الفلسطيني للفصائل وخصوصا فتح وحماس الوقت الكافي لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ،صبر عليهم لسنوات :من حوارات لحوارات ومن أوراق مصالحة لأخرى ومن وسيط لوسيط، والنتيجة مزيد من الانقسام والدمار، والحزبان الكبيران ،حماس وفتح يجلس كل منهما على كرسي سلطة معتقدا انه مَل *** الدنيا وما عليها، ولسان حالهما يقول فليذهب الشعب إلى الجحيم .ما كنا نتمنى أن تكون الثورة طريقا لإنهاء الانقسام لأننا نعرف محاذير ثورة أو انتفاضة في مواجهة حكومة فلسطينية سواء كانت حكومة غزة أم حكومة رام الله وفي مواجهة شرائح من الشعب – حتى وإن كانت قليلة العدد -مستفيدة من الانقسام ،وفي ظل وجود الاحتلال العدو الأوحد والوحيد للشعب ،ونعرف جيدا أن إسرائيل تترقب مثل هكذا ثورة ليس لأنها تريد إنهاء الانقسام بل لأنها تريد أن ننشغل يبعضنا بعضا وهي ستعمل على صب الزيت على نار الثورة لتزيدها اشتعالا ،ولكن ما العمل؟ إلى متى سيبقى الفلسطينيون سادة الثورة والجهاد في حالة خنوع وانتظار للمجهول ؟إلى متى سنبقى ننتظر المنقذ الخارجي؟إلى متى سنبقى نراهن على أحزاب وحركات تماهت مع الانقسام وباتت تتعيش من ورائه؟.أما بالنسبة لإسرائيل فنحن متأكدين بأن الشعب الفلسطيني وطليعته الشبابية لن يسمحوا لها بحرف ثورتهم أو التأثير على مسارها بل سيجعلونها ثورة سلمية حضارية بهدف محدد وواضح وهو إنهاء الانقسام تمهيدا لإنهاء الاحتلال.في الأسبوع الماضي أرسلت رسالتي الأولى للشباب،وقد لامني بعض الأصدقاء قائلا كيف تراهن على مشروع ثورة فاشلة ؟وما أدراك بأن الشباب سينفذون ما وعدوا به من قيامهم بالثورة أو مجرد الخروج إلى الشارع ؟وإن خرجوا للشارع فما الذي يضمن أنهم سيحققون هدفهم بإنهاء الانقسام ؟. في رسالتي الثانية هذه للشباب أقول بأننا كفلسطينيين لسنا حديثي عهد بالثورة ،كما انه لا توجد ثورة مضمونة النتائج منذ بدايتها ،قد لا يخرج الناس بمئات الآلاف ولكنهم سيخرجون ولو بالعشرات وسيبلغون رسالتهم –الفصائل التي تستطيع إخراج الناس بعشرات بل بمئات الآلاف تخليدا لذكرى انطلاقتها تستطيع إخراج نفس الأعداد لإنهاء الانقسام إن كانت معنية بالفعل بإنهائه -،وفي رسالتي هذه أقول أيضا للشباب الذي يهيئون أنفسهم للثورة أن لا تتراجعوا أو تخافوا ،فأنتم لا تقلوا عن الشباب الأبطال الذين كسروا حاجز الخوف في مصر وتونس وغيرهما من البلدان، فأنتم وُلِدتم من رَحم أمهات ماجدات أنجبن الشهيد والجريح والأسير والمعتقل،وانتم أصحاب القضية لأنكم تناضلون من اجل المستقبل، مستقبلكم، أما نحن الكهول فأبناء الماضي،ولا تتركوا مستقبلكم لمن لم يكن أمينا على حاضركم ويحاول أن يصادر مستقبلكم وحلمكم الوطني بالحرية والاستقلال والحياة الكريمة. 21/02/2011[/align]