حراك غير مسبوق لشباب فلسطين وكأن روحا جديدة دبت في أجسادهم وعقولهم فوُلِدوا مجددا مكتشفين ذاتهم بعد طول غياب وتغييب. ثورة الشباب باتت حديث الساعة في كل بيت وعلى مواقع الفيس بوك وفي الصحافة وفي سيارات الأجرة وفي الجامعات وفي الأسواق والشارع الخ ،بات الجميع في كل فلسطين وفي الشتات يتحدث عن ثورة شباب فلسطين وعن 15 آذار .المجموعات الشبابية المؤتلفة في تحالف 15 آذار تتحرك بسرعة وبحذر وبقلق وبخوف أحيانا استعدادا لليوم المشهود،الاتهامات والأقاويل تكثر من حولهم،والتهديدات والابتزازات والإغراءات تتناوشهم من كل الجهات،ومحاولة ضرب وحدتهم لا تتوقف.القراءة السطحية لتحرك شباب فلسطين ستربطه تلقائيا بثورتي الشباب في تونس ومصر لتزامن الحدثين،لا شك أن هناك تأثر وتأثير بين كل التحركات الشبابية الثورية في العالم العربي،ولكن شباب فلسطين في ثورتهم يستحضرون تاريخهم من خلال استحضار تجربة آبائهم وأجدادهم عندما كانوا شبابا،فالذين فجروا الثورة الفلسطينية منتصف الستينيات كانوا من الشباب،والذين فجروا الانتفاضة الأولى 1978 كانوا من الشباب ،والذين فجروا وكانوا وقود ثورة الأقصى 2000 كانوا من الشباب،وغالبية الشهداء الذين يواريهم الثرى في مقابر شهداء فلسطين في الوطن والشتات من الشباب أيضا،وغالبية المعتقلين في سجون الاحتلال كانوا من الشباب عند اعتقالهم،وغالبية الجرحى والجرحى من الشباب الخ.إذن شباب فلسطين لا يقلدون أحدا بل يستحضرون تاريخا ويؤكدون حقيقة وهي أن غالبية الشعب المتضرر من الانقسام والذي يريد إنهائه مكون من الشباب.ولذا ليس غريبا أن يتحركوا اليوم بعدما وصلت الحالة الوطنية إلى الحضيض حيث مشروع السلام الفلسطيني وصل لطريق مسدود وحيث المقاومة المسلحة باتت ذكرى وشعارا ،وليس غريبا أن يطالب الشباب بحقهم في حرية التحرك وفي إسماع صوتهم للعالم وللقيادات الحزبية التي حجرت عليهم طويلا ،وخصوصا أن تحركهم أو ثورتهم اليوم غير موجهة لأحد ولا يهدفون من ورائها مناصب أو مواقع ولا يريدون إسقاط حكومات أو سلطات ،بل يريدون أن يشعروا بإنسانيتهم ووطنيتهم وان يكون لهم دور في إخراج الحالة السياسية من أزمتها وان يشاركوا في صناعة المستقبل،مستقبلهم ومستقبل الشعب.ولكن سيكون الأمر غريبا لو استمر شباب فلسطين على سلبيتهم بعد كل ما يجري في العالم العربي من حولهم.شباب فلسطين ينتفضون اليوم على سياسة استعمالهم كأدوات وأنابيب اختبار للأحزاب ولمقاولي المنظمات الأهلية ذات الأجندة الخارجية . في موازاة التحرك المشروع للشباب تتحرك قوى كانت سببا في الانقسام أو تعتاش على الانقسام لإجهاض ثورة الشباب خوفا على مواقعهم ومراكزهم ومصالحهم،وعلى رأس هؤلاء تأتي الأحزاب التي اكتشفت أخيرا بان هناك شبابا يمثلون غالبية الشعب ،وان هؤلاء ليسوا فقط ملصقي شعارات على الجدران وطالبي كوبونة او وظيفة أو مشاريع شهادة تستحضرهم الأحزاب متى شاءت أن تُسَوق نفسها كحركات مقاومة الخ، بل قوة ديناميكية وفاعلة ومؤثرة وعاقلة يمكنها أن تشارك في صناعة القرار وتستطيع تحريك الشارع بل وإسقاط أنظمة وحكومات إن احتاج الأمر.ليس خطأ أن تتحرك الأحزاب وإن كان تحركها متأخرا ،لاستنهاض أطرها الشبابية،وليس خطأ أن ترفع الأحزاب الشعار الذي رفعه الشباب "الشعب يريد إنهاء الانقسام " ولكن الخطأ والخطيئة أن تحاول هذه الأحزاب ركوب الموجة وحرف حراك الشباب عن هدفه بأن تموقع الأحزاب نفسها- وخصوصا فتح وحماس- كضحايا الانقسام ،وكأن الشعب هو الذي صنع الانقسام وبالتالي تطلب الأحزاب من الشعب بان ينهي انقسامه،وهذا يذكرنا بخروج القذافي على رأس مظاهرات تطالب بالتغيير وبالقضاء على الفساد!. ويبدو أن قادة أحزابنا تحولوا إلى قذافيين جدد ونتمنى ألا يتعاملوا مع الشعب معاملة القذافي مع ثورة شعبه .بارك الله في الشباب وثورتهم أيما كانت نتيجتها.ولكن يجب تحرير ثورة الشباب من الحدين الخطيرين،من التهوين ومن التهويل.يجب عدم التهوين من تحرك الشباب سواء سميناه ثورة أو انتفاضة أو خروج أو قومة الخ،الشباب قوة لا ياستهان بها سواء من حيث العدد أو من حيث العقلية المتفتحة والقدرة على التواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة أو من حيث الاستعداد للتضحية.يجب عدم التهوين من ثورة الشباب أو تحقيرها واتهامها بالعمالة لهذه الجهة أو تلك ،ويجب عدم التهوين منها بالاعتقاد أن ركوب موجة الثورة يوم 15 آذار أو قمعها سينهي ثورة الشباب ويعودوا لبيوتهم صاغرين مستسلمين،قمع ثورة الشباب وإجهاضها وأهانة الشباب سيدفعهم لانتهاج وسائل أخرى يعبرون من خلالها عن غضبهم وحقدهم على واقع يهين كرامتهم ويصادر مستقبلهم .ولكن في نفس الوقت يجب عدم التهويل من ثورة الشباب رحمة بالشباب ورحمة بالحالة الوطنية بكاملها حيث إسرائيل تتربص وتتمنى حدوث فتنة فلسطينية داخلية تلهي الفلسطينيين عن هدفهم الرئيس وهو مواجهة الاحتلال.الشباب لا يريدون إسقاط حكومات وأنظمة ولا إسقاط فتح وحماس،بل تبليغ صوتهم وتشكيل حالة ضاغطة على الحزبين الكبيرين وعلى الحكومتين والسلطتين لوضع حد للانقسام وتعجيل المصالحة الوطنية حتى تعود الحالة الفلسطينية للحالة الطبيعية ،حالة شعب خاضع للاحتلال ويجب ان يكون موحدا في مواجهة الاحتلال .الشباب سيخرجون للشارع مطالبين بإنهاء الانقسام وهي رسالة موجهة لحركتي فتح وحماس المسئولتين بدرجة كبيرة عن الانقسام والقادرتين على إنهائه بالشكل الذي ترتئيانه خدمة للمصلحة الوطنية وبعيدا عن المحاصصة وخصوصا بعيدا عن مصالحة إدارة الانقسام.يجب عدم التهوين من ثورة الشباب لأن ثورتهم ستكون الفتيل الذي قد يفجر الحالة السياسية والأمنية إن لم يتم الاستجابة لمطالبهم أو تفهمها على اقل تقدير،خروج الشباب يعني خروج أهاليهم أي خروج كل الشعب،وآنذاك لن تنفع لا أجهزة أمنية ولا إغراءات مالية في إرجاعهم إلى بيوتهم. وفي هذا السياق على الشباب الحذر من الدعوات التي تريد دفعهم ليكونوا أدوات في تأجيج الفتنة القائمة ،كدفعهم لرفع شعارات إسقاط حكومة حماس في غزة أو إسقاط السلطة في الضفة..شمولية وعمومية ووحدة التحرك والشعارات في كامل الوطن وفي الشتات هو ضمان نجاح ثورة الشباب.كما يجب على الشباب الحذر من الاستعدادات الكبيرة التي تبذلها السلطتان في غزة والضفة لركوب موجة الثورة حيث سيحشد الطرفان شبابهم وأتباعهم بل وأجهزتهم الأمنية بملابس مدنية للخروج يوم الثلاثاء بحيث يوجهوا الأحداث على الأرض ليحولوا الثورة لمجرد مسيرة كبيرة يقودها الحزب الحاكم في كل منطقة تنتهي بنهاية اليوم .وأخيرا نقول للشباب ،لا تخافوا من الفشل لأنكم أنجزتم الكثير الآن وقبل أن تبدأ الثورة،فتحريككم للشباب واستنهاضكم لروح الثورة يعتبرا إنجازا تُشكرون عليه،أما ما ستؤول إليه الأمور يوم 15 آذار وما بعد فاتركوه للشعب وما يريد،فإما أن ينتهي الانقسام وإما أن تنكشف أكثر حقيقة القوى المسئولة عن الانقسام.ليس بالضرورة أن ثورتكم ستنهي الانقسام في اليوم الموالي للثورة ،ولكن ثورتكم ستحيي الأمل بالنفوس بأن الشعب الفلسطيني ما زال على العهد ،عهد النضال والثورة ضد الاحتلال وضد كل من يصمت على واقع الاحتلال، والانقسام يشكل مصلحة إستراتيجية للاحتلال.إن لم تتجاوب الأحزاب لثورة الشباب وتنهي الانقسام فسيكون يوم 15 آذار بداية انتفاضة شعبية ثالثة على الحكومتين والسلطتين وعلى الاحتلال.14/03/2011[/align]