لماذا يستهوينا نحن العرب وخصوصا الإعلاميين منا سقوط الناس في أفعال الرذيلة؟كلما وقع إنسان في خطإ أو زلة أو معصية إلا وتسارعت الأنباء وتنافس الناقلون أيهم أسرع في نقل الخبر، وأيهم ينقله على أوسع نطاق..وخصوصا عندما يتعلق الأمر برجل تعليم وكأنه ملاك طاهر وغير متوقع أنه من الممكن أن يخطئ أو يوجد في أماكن غير لائقة..فالناس لا يمنحون لرجل العليم أي عذر وبالتالي لن يرحموا فيه إلا ولا ذمة. في حين الله تعالى يقول: ( وخلق الإنسان ضعيفا) والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء..وإذا كان الرجل يأتي بقدميه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معترفا بوقوعه في الفاحشة ورغم ذلك لا يشهر به رسول الله عليه السلام بل يأمره بأن يستتر وأن يتوب إلى الله تعالى وألا يعود لفعلته تلك.. وقصة الغامدية أشهر من نار على علم ..وختام قصتها أبكت الصحابة الكرام ولم تجعلهم في تشفي أو ضحك ونشر المقالات وتوزيع البيانات. لا يوجد إنسان واحد، مهما بلغ من الصلاح والإيمان، يستطيع أن يأمن على نفسه من السقوط والوقوع في براثن الخطإ و الرذيلة..فإذا كان مثل هذا الأمر وقع للذين عاشروا وعاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعومل معهم بما ينبغي، حتى لا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. وصدق القائل: " لا تبدي الشماتة في أخيك فإن الله قادر أن يشفيه ويبتليك" فالإعلام تعامل مؤخرا مع بعض الخاطئين..كأن أصحابه أي أصحاب هذا الإعلام قد حسموا الأمر في أن هؤلاء من أهل جهنم..والذين تحدثوا في المنابر عن الحادثة تحدثوا بأسلوب يوحي إلينا كأنهم في منأى عن الوقوع وأنهم أطهار وهم من أهل الجنة. ونسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها..." فكل الذين كانوا يعرفون أن صدام حسين كان سفاحا طاغية جبارا عنيدا وأراقوا مدادا كثيرا حول جرائمه انتصر عليهم جميعا في الأخير لأن الله تعالى ختم له بالحسنى وثبته بالشهادة لتكون آخر كلمة يقولها. فصار كل مسلم فوق الأرض يتمنى أن يموت على هذه الطريقة وهذه الخاتمة الحسنة. فالإنسان، كل إنسان، معرض للوقوع في الرذيلة أو أن يجد نفسه على غير هدى من الله ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالخواتيم، وعلمنا عليه السلام أن نكثر من دعاء اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وأن يثبتنا على الدين، وما هذا الدعاء إلا دليل على إمكانية تحول الإنسان من الطاعة إلى المعصية، أو أن يتعثر في الطريق ويقع في زلات وأخطاء..وكل بني آدم خطاء، وذلك طبيعي لكثرة المغريات والفتن التي قال فيها رسول الله عليه السلام تعرض على قلب المؤمن كالحصير عودا عودا. ولو دعا الإسلام إلى التشهير بالناس وفضح عوراتهم لما أمرنا بالنصيحة والتوجيه والتذكير، وما جعل الدين كله النصيحة. ومن المفارقات العجيبة في االتركيبة العقلية السائدة هي أننا نركز على السلبيات والمعاصي والفضائح وننشرها على أكبر نطاق..ويحلو للألسن أن تلوكها وتسعد بترويجها وهي عملة رائجة بين الناس لأنها تستهويهم بشكل عجيب. في حين لا نعير اهتماما بل أدنى اهتمام لهذا الإنسان نفسه عندما يقدم معروفا أو يبدع فكرا أو يخرج أفواجا من المتفوقين.. كثيرة هي الجرائد التي بعثنا لها إعلانات انعقاد مؤتمرات وملتقيات كبيرة في التنمية البشرية وما يفيد الأمة والبلاد ويرفع من وعي العباد. ولكنها لم تنشر شيئا من هذا.. ولكن لمجرد أن يصلها خبر فضيحة أو تشويه سمعة حتى تسعى بأقصى سرعة لتحضى بالسبق الصحفي في تفشي الفاحشة بين الناس. وهذا يذكرنا بما وقع في مصر قبل سنتين حيث واجه أحد القضاة تهمة بتورطه في جريمة شنيعة..فلم تصبر المنابر الإعلامية حتى بادرت و نشرت صورة القاضي في صفحاتها الأولى وبعنوان غليظ يشوه سمعة القاضي. وبعد مدة عندما جرت التحقيقات في القضية وقالت العدالة كلمتها الأخيرة استنادا إلى أدلة وقرائن، ظهرت براءة القاضي الشريف من كل ما نسب إليه. فماذا نتوقع أن تفعل وسائل الإعلام يا ترى؟ هل ستنشر خبر البراءة في الصفحة الأولى وببنط غليظ تماما كما نشرت التشويه بالصفحة الأولى. إنها لم تفعل لا هذا ولا ذاك.. حيث اكتفت بنشر الخبر في زاوية مظلمة صغيرة مدسوسة داخل أعمدة ومربعات وصور وسط أوراق الجريدة يكاد لا يراها أحد ولا يطلع عليها قارئ.. إن قانون الجذب يلعب دوره الحاسم في التواطئ مع هذه العقليات التي تحسن التركيز على السلبيات في المجتمع وتبحث في أخلاق الناس وكأنها إلاه من دون الله..وبحرصها على الأخبار السيئة وتركيزها على الفاحشة فإنها تجلب إليها الفاحشة من كل حذب وصوب..ولذلك قد تخصصت في فضح العورات ونشر الجرائم والصور العارية الفاضحة..وبالتالي خلت صفحاتها من كل ما هو طاهر وجميل ومفيد في الناس وفي الوطن. [/align]