في الوقت الذي لم تتحدث أية جهة رسمية أو إعلامية -داخل أوخارج الجزائر- عن إجراء اتصالات هاتفية لقصر المرادية في الجزائر بكل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك قبيل سقوط نظاميهما، فإن وكالة الأنباء الرسمية في ليبيا تحدثت عن اتصال هاتفي بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ونظيره الليبي، وهو الإتصال الذي اكتفت الوكالة المذكورة بالتأكيد على أنه استغرق حوالي ساعة، دون مزيد من المعطيات حول مضمون الإتصال. أمر جعل العديد من الأوساط السياسية والإعلامية تحاول استجلاء حقيقة ما يمكن أن يدور من حديث بين رئيس بلد يعرف حراكاً سياسياً غير مسبوق قد يعصف به وب42 سنة من حكمه، وبين رئيس بلد جار يراقب الوضع عن كثب ويرى بعض المراقبين أن تعاطي الجزائر مع ما يحدث في المنطقة، يعود بالأساس إلى الهاجس الأمني، خاصة بعد تسريب معلومات عن اجراء اتصالات هاتفية بين ما يسمى ب"قيادات في القاعدة" وأفراد ليبيين، وهو ما يجعل الجانب الجزائري يرفع من قوة الحيطة والحذر. خاصة وأن بعض-المتتبعين- لا يخفون نية بعض الأطراف الخارجية والإقليمية في الدفع باتجاه صنع خريطةوواقع جديدين بالمنطقة، يجعل من ليبيا دولة مقسمة إلى دويلات تتنازعها وتقودها القبائل الكبرى بالمحيط. ولعل في واقع ووضع كهذا تتوفر جميع مقومات وشروط تحقيق حلم الطوارق في تأسيس تأسيس دويلة خاصة بهم في عمق الصحراء. في ظل واقع محتمل كهذا، يرى بعض المتتبعين، أن تدخل الولاياتالمتحدة أصبح يتوفر على حظوظ قوية من أجل إنشاء قواعد عسكرية، تحت غطاء "مكافحة الأإرهاب".وهذا ما جعل بعض الأوساط الإعلامية تعتبر أن الزيارة الأخيرة ل"وليام بيرنز" مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، تدخل ضمن هذا المنظور. ويضاف إلى المستجدات الحالية، الوضع القديم للتواجد القوي لما بات يعرف باسم" القاعدة في المغرب الاسلامي"، وهو معطى يساعد في تبرير التواجد الأمريكي بالمنطقة، وتخشى الجزائر من هذا التنظيم الذي اتخذ من أرضها منطلقاً له عبر شتات ما كان يسمى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" لزرع بؤر توتر في إطار حدود مرسومة تتوزع في المنطقة المغاربية، بالإضافة إلى الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي، وما يترتب عن ذلك من خطر زلزال أمني. في سياق متصل، هناك أيضا ما يُثار بشأن خطة ماكرة تقضي بجمع شتات قبائل "الطوارق" و"البرابيش" و"السنغاي" في منطقة الساحل والتمكين لها عبر إنشاء كيان يمنحها حق الوجود كدولة، وهو سيناريو فجر زوبعة غير معلنة قبل ست سنوات، حينما أقدم القذافي في سابقة غريبة تزامنت آنذاك مع إعلان نفسه "ملكا لملوك إفريقيا"، على الإقرار ب"حق" الطوارق المنتشرين في إقليم كيدال شمال مالي، بالالتئام ضمن دولة خاصة بهم. ويشكل تواجد حقول النفط، على أطراف الصحراء الكبرى عاملاً إضافياً فرض على صناع القرار في الجزائر حراكاً أكبر، لأن تحول الصحراء إلى معترك أمني مهزوز، سيلقي بظلاله غير المأمونة على المحرك ألساسي للإقتصاد في الجزائر الذي يقوم ب98 بالمئة على ما تدره المحروقات. ويشير محللون إلى أن التخوف الجزائري الأكبر يتصل برغبة واشنطن تجسيد مشروعها القديم المسمى "قيادة القوات الأميركية في أفريقيا" (الأفريكوم) والمقصود هنا هي القواعد الأميركية الجديدة التي تنوي الإدارة الأميركية إنشاؤها في القارة الأفريقية في إطار ما تسميه "الحرب على الإرهاب"، ضمن مشروع يستهدف 53 دولة افريقية، وهو ما يصطدم برفض تام تبديه الجزائر لأي تواجد للمارينز أو أي قوات أجنبية فوق أراضيها أو في الصحراء الكبرى، مهما كانت المبررات. هذه الخلفية تدفع السلطات الجزائرية للتحلي بيقظة أكبر لقطع الطريق أمام أي مناورات، حيث لا يستبعد أن يستغل الغرب مطالب الشعب الليبي بالإصلاح لتقسيم البلد واستغلال ثرواته، وهنا باستطاعة الجزائر أن تلعب دورا إيجابيا في هذا الأزمة من خلال الوساطة الدبلوماسية بين أطراف النزاع داخل ليبيا من أجل تجنب الأسوأ . وسبق للدكتور إلياس بوكراع مسؤول المركز الافريقي للدراسات حول الإرهاب، أن أكد مؤخرا على أن الخطر الأكبر يكمن في تخطيط الغرب لتنفيذ تقسيمات كولونيالية متجددة تطال منطقة الساحل ومن ورائها القارة السمراء، وهو ما يفسر سعي دول غربية لإيجاد مسوغ لتدخلها عسكريا على سبيل التموقع والتحكم في الثروات الكثيرة، وجعل المنطقة معسكرا واسعا للجهاديين على نسق النموذج الأفغاني، مع العمل على تحويلها إلى مرتع للجريمة المنظمة، وتركها مسرحا دائما لمواجهات وحروب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية، واستمرار الوضع على ما هو عليه، سيفرز لوبيات مافيوية تقضي على توازنات القوى الحية في بلدان المنطقة.