على إثر الثورة الجماهيرية المباركة التي عرفتها تونس الخضراء والتي أدت إلى فرار الدكتاتور بن علي ومتابعته دوليا من طرف الشرطة الدولية ومتابعة كل دويه ودوي زوجته، قال الرئيس ساركوزي: " أن تحكم الدكتاتورية بلدا ما خير من أن يحكمه الإسلاميون". إن الإسلام الذي نعرفه ولا نعرف غيره وهو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه يوحد البشرية ولا يمزقها، ويدعو للسلم والتعاون على ابر والتقوى وينهى عن التعاون على الاثم والعدوان، ويستوعب جميع الخيارات والاختلافات والألوان، وبالتالي عندما يكون هو نفسه إسلام هذه الجماعات الإسلامية، لا إسلام التطرف والعنف والإرهاب، فلا خوف منها لأن دينها الإسلامي يفرض عليها احترام جميع الخيارات يسارية كانت أو يمينية أو حتى بعثية أو علمانية. فالناس أحرار في اختيار عقائدهم ( لا إكراه في الدين) ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وما يمكن أن يقدمه الإسلاميون من آراء وأفكار لتفعيل تنمية المجتمعات ما هي إلا اجتهادات خاصة ترتكز على مرجعيتهم الإسلامية التي لهم كل الحق في اتخاذها مرجعا تماما كما أن الحق كل الحق للآخرين في انتقاء واختيار مرجعياتهم الخاصة. وهذا التنوع والاختلاف في المرجعيات هو عامل قوة في اتخاذ القرارات الصائبة الصالحة كجواب لإشكالات واقع ومعاناة المجتمع. ولكن غالبا ما يتم إقصاء الإسلاميين، ليس اعتبارا على أنهم يحملون فكرا شموليا ويقولون بالحاكمية لله وبالتالي لا وجود لصوت غير صوت الله في المجتمع. لأنه من اللا عقل أن يتنكروا للديمقراطية والتداول للسلطة اللذين جاءا بهم لكرسي تسيير أمور البلاد. بل اعتبارا على أنهم سيقدمون أنموذجا عادلا لمجتمعاتهم مما سيكشف بين الخائن لوطنه وأمته و بين من يحبها ويبدل الغالي والنفيس من أجل تحقيق سيادتها وتحقيق اكتفائها الغذائي حتى لا تبقى أبد الدهر تمد يد الذل لدول الاستكبار العالمي. كما سيكشف عن فشل الذين ظلوا يتقلدون مراسيم السلطة والحكم في البلاد منذ خروج الاستعمار دون أن يسدوا لهذا الوطن جوعا أو يرفعوا له شأنا. فوجود الحكم في تركيا بيد الإسلاميين لم يمنع أبدا الأحزاب العلمانية بأن تدلي بآرائها وتقترح برامجها، ولم يحدث أن شهد علماني برلماني واحد بأن إقصاء تمت ممارسته عليه أو أن هؤلاء الإسلاميين يقولون بأن الحل هو الإسلام عندما يكون الحل هو أي كيفية مشروعة في وضع برامج وتحديد استراتيجيات تجعل البلد رائدا وسيدا وثريا حتى ولو كانت البرامج مقترحة في إطار مرامي ومقاصد إسلامية. ولن يقوم الإسلاميون في تركيا بخرق الدستور وقطع الطريق على العلمانيين حتى لا يعودوا للحكم مرة أخرى. بل يراهنون على ما قدموه للشعب التركي من قفزات تنموية اقتصادية كبرى أبهرت العالم، ويراهنون على ما صارت عليه تركيا في المحافل الدولية من شأن واسم وسمعة ومكانة. وهذا ما لم يحققه العلمانيون. وبالتالي فصناديق الاقتراع حتما لن تخون إلا من خان شعبه وتلاعب بأمواله وعمل على تفقيره وتجويعه. ولعل النتائج المبهرة التي جعلت تركيا تلقب بالمعجزة الاقتصادية والتي كان من ورائها الإسلاميون هو من يجعل أمثال ساركوزي يخاف حكم الإسلاميين لأنه يخاف على اليمينيين في العالم من أن لا يبقى لهم صيت ولا ذكر فيموت هو بموتهم ولا علاقة للأمر بالإرهاب. وأما عن حزب العدالة والتنمية المغربي فلا يستطيع حزب واحد ولا شخصية حزبية مغربية واحدة تستطيع أن تقول عنه أنه حزب يحمل فكرا شموليا أو يعمل على الإقصاء وعدم الإصغاء أو لا يحترم الفكر المغاير وجميع الفرقاء؟ إن حزب العدالة والتنمية المغربي الإسلامي لا ينازع في حبه لوطنه، ولا ينافس في أي مبادرة تعود بالنفع العميم على وحدة الوطن واسترجاع الأقاليم المستعمرة..فجميع الأحزاب تشهد على أنه أضاف للمشهد السياسي المغربي خطابا نوعيا وفهما سياسيا متجددا، ورغم أنه بمعنى من المعاني يعتبر حزبا جديدا إلا أنه يتصرف كحزب له خبرة سياسية وتراكمات جعلته يستوعب المشهد السياسي الوطني جيدا ويستوعب المشهد السياسي العربي والدولي ..ولذلك أثرى المشهد السياسي بأفكار جديدة نوعية خلاقة وقام بإدارة لجان برلمانية بحرفية وفاعلية مشهودة..وما قدمه للقضية الوطنية الأولى وهي الصحراء المغربية لم تقم به باقي الأحزاب التقليدية القديمة، لقد قام بتحركات على صعيد دولي بأمواله الخاصة وليس إيعازا من أحد بقدر ما هو الشعور الوطني المسؤول، فذهب يخاطب الأحزاب والجمعيات والملتقيات والشباب وخاطب حتى الأحزاب السياسية الجزائرية دفاعا عن مغربية الصحراء وتبيانا لما يدل عليه التاريخ السياسي والجغرافي من أن الصحراء مغربية دون منازع. ولو سئل جميع السياسيين المغاربة إن كان حزب العدالة والتنمية يؤمن بالديموقراطية كخيار استراتيجي مبدئي أم أنه يتخذه خيارا تكتيكيا مرحليا من أجل عملية القفز والسيطرة وبالتالي الحكم الشمولي والإقصاء، لما قال واحد منهم بما يخرج حزب العدالة والتنمية من دائرة الإيمان بالديموقراطية كخيار استراتيجي والإيمان بالتداول والتنوع والحق في الاختلاف. وأعتقد أن ساركوزي لو كان مغربيا أو تركيا لما قال: حكم الدكتاتور ولا حكم الإسلاميين. لقال مرحبا بحكم الإسلاميين، إن كانوا على شاكلة حزبي العدالة والتنمية التركي والمغربي. إن كلمة الرئيس الفرنسي ساركوزي تمليها مجموعة اعتبارات منها هذه الهالة الضخمة أو هذه الحرب الأمريكية المفتعلة ضد الإسلاميين في كل أنحاء العالم مقياسا على ما يسمى بالقاعدة. خصوصا إذا علمنا أن القاعدة لحد الآن لغز يكذب من ظن أنه قد فهمه مع وجود من يقول بأنها صناعة أمريكية خالصة تزيد من هيمنة أمريكا على كل العالم وآباره النفطية، لذلك عملت على تشييد قواعد عسكرية في كل مضيق وفي كل خليج وفي كل بحر أو يابسة وربما سيأتي يوم نسمع فيه أن لأمريكا قاعدة عسكرية في كل دولة فتكون هذه القاعدة هي نفسها اللجام والحزام الذي يشد هذه الدولة حتى لا تتحرك أو تعبث بذيلها يوما ما. كما أنها صارت هي المدرب العالمي الذي يدرب كل جنود وشرطة العالم على أساليب التصدي للإرهاب. فأمريكا منذ وجودها فهي دائما تتصف بصفتين إما صفة ممارسة الإرهاب وإما صفة دعم من يمارس الإرهاب. فهي عندما لا ترهب تؤيد وتدعم من يرهب الشعوب ومعذبي الأرض. ولا يوجد في الوجود إرهاب أكبر من إرهاب أمريكا الذي تمارسه في فلسطين ولبنان وأفغانستان والعراق والسودان. وهي من غرست كل طواغيت العرب ومدتهم بكل الدعم ليمارسوا الإرهاب والتجويع على شعوبهم. ومن غيرها ولى على تونس الحبيبة تونس الخضراء الدكتاتور بن علي ومن ولى ورعى الدكتاتور المصري حسني مبارك بل وقامت بصناعته حتى صار خاتما سلسا وعبدا طائعا في خدمة أمريكا وبالتالي راعيا وحاميا لإسرائيل وأمن إسرائيل. وربما لا يعلم السيد ساركوزي بأن في جارتنا الجزائر لو شاءت الأقدار ولم يقع انقلاب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولم تحكمها الدكتاتوريات العسكرية المجرمة، لعشنا نحن المغاربة في رغد ننعم بوحدة وطننا من أقصى الشمال إلى الحدود الموريتانية. ولكان هناك مغرب عربي كبير موحد يتعاون اقتصاديا وثقافيا وفنيا وفي كل المجالات، ولما كانت هناك تأشرة بين الشعوب الشقيقة، وما استقبال الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله للشيخ عباسي مدني الجزائري والشيخ راشد الغنوشي التونسي إلا دليلا على علم الراحل الحسن الثاني بأن التعايش مع الإسلاميين في المغرب العربي أفضل بكثير من التعايش الأليم الذي نعيشه مع الدكتاتوريات العسكرية الجزائرية والدكتاتور بن علي العلماني. لأن التوجه الإسلامي الذي كاد يتمكن في الجزائروتونس لا يتعارض إطلاقا مع وجود البيعة الشرعية في المغرب لأمير المؤمنين. ثم ألم ينل أكبر الحرج بفرار الدكتاتور بن علي فرنسا نفسها؟ ألم تجد فرنسا نفسها في موقف لا تحسد عليه؟ ففي الأمس القريب كانت تشيد بحكم ابن علي وتدعمه دعما لا مشروطا، وتعتبره أنموذجا للدولة الحديثة الديمقراطية التي ترعى حقوق الإنسان وعندما اتضح المستور وانكسرت جميع شعارات فرنسا في تونس ذبل وجهها في كل المحافل الدولية، وشعرت المعارضة اليسارية بالخجل تجاه هذا العار. ولعل الأمر بدأ يتضح عندما يرفض ساركوزي حكم الإسلاميين، ويفضل عليه حكم الدكتاتوريات وسفك الدماء وتفقير الشعوب، واتضح أكثر عندما عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل اليو على النظام الدكتاتوري في تونس يد المساعدة في مكافحة ما أسمته بالشغب وقمع المتظاهرين. وهذا يكشف بوضوح أن فرنسا لم تكن في يوم من الأيام تراعي مصلحة الشعوب لا في الماضي يوم تزعمت الحركة الامبريالية التي قامت على سفك الدماء ولا اليوم الذي تثبت فيه أنها لازالت على عهدها القديم تعشق مص دماء الأبرياء. وبالتالي فحكم الإسلاميين لن يكون لصالح فرنسا لأن جميع إسلاميي العالم ضد سفك الدماء ومصها من طرف خفافيش الظلام مثل فرنسا ورئيسها دراكولا. إن هذا التخوف من حكم الإسلاميين لن يكون له أي سند واقعي ما لم تمنح الفرصة للإسلاميين ويفتح لهم المجال كسائر إخوانهم في باقي الأحزاب ذوي التوجهات الأخرى لكي يسهموا في تسيير شؤون البلاد العربية المسلمة. خصوصا وأن دساتير العالم كلها لا يوجد فيها أي بند يبني أحكاما على توجسات وتكهنات وبالتالي لا يوجد ما يمنع الإسلاميين ليحضوا بفرصة ليثبتوا كذب وخرافة ما يقوله الرئيس الفرنسي ساركوزي.