يقترب الوالي «الهمام»، الذي حط بولاية وجدة، من إتمام سنته الأولى على رأس هذه الجهة المهمة والمنسية من المغرب التي اسمها الجهة الشرقية. ويبدو أن قضاء الوالي «الهمام» لكل هذه الأشهر على رأس ولاية وجدة لم يفلح في تحريك الأوراش التي تركها الوالي السابق الإبراهيمي، والتي توقفت جميعها بعد ذهابه إلى «مستودع الملابس» في وزارة الداخلية لكي «يرطاب» له رأسه «القاسح». وعكس الوالي السابق الإبراهيمي، فالوالي الحالي «الهمام» يسمع كلام أولياء نعمته ويطبقه بحذافيره، وليس مثل الوالي الإبراهيمي الذي «طار» من منصبه بعدما رفض «النزول» عند طلب رئيس الجهة، علي بلحاج، وإعطاء موافقة الولاية على إسناد صفقة بمليار و200 مليون إلى مكتب الدراسات المحظوظ «فاليانس» لصاحبه محسن الجازولي، لإعداد دراسة حول استراتيجية التنمية للجهة الشرقية، بدون اللجوء إلى طلبات عروض تشارك فيها مكاتب الدراسات الأخرى. وعندما رفض الوالي الإبراهيمي، كممثل لسلطة الوصاية، «تمتيع» هذا المكتب بهذه الصفقة، وجد نفسه في أول مناسبة مدعوا إلى الالتحاق بوزارة الداخلية في الرباط، لكي يأخذ مكانه مسير سابق لباطوار الدارالبيضاء ولسوق الجملة فيها، كل إنجازاته أنه سيَّر شركة نسيج للألبسة الفاخرة وانتهى بها إلى الإفلاس وبعمالها إلى الطرد الجماعي. فقد دفع الإبراهيمي ثمن خصامه الصامت مع الهمة منذ كان هذا الأخير في الداخلية. فالرجلان معا لم يكونا «يشمان» بعضهما البعض من زمان. وبمجرد وصول «الهمام» إلى ولاية وجدة، تم التأشير على الصفقة، وأصبحت تأتي شابتان من مقر مكتب الدراسات في الدارالبيضاء إلى وجدة ثلاث مرات في الأسبوع. وفي كل مرة تأتي الشابتان، تكتري لهما الولاية سيارة فورد بألف وخمسمائة درهم لليوم الواحد، أسوة بعلي بلحاج، رئيس الجهة، الذي خصص لنفسه سيارة «سطروين C6» بخمسة وسبعين مليون سنتيم يستعملها في المرات النادرة التي يأتي فيها إلى وجدة، بعدما «تعفف» عن ركوب سيارة بوجو 407 التي اشتراها الإبراهيمي، بسبب عدم لياقتها بمقامه. فالرجل كان يقدم نفسه إلى أعيان وجدة والمنطقة الشرقية كموفد من الرباط لكي يأخذ منصب رئيس الجهة معتليا كرسي الجرار، خصوصا عندما أوشك موعد الانتخابات على الاقتراب وليس في حقيبة بلحاج سوى أربعة أصوات، بسبب المنافسة الشرسة التي كان يقوم بها مرشح من الناظور. وفي ليلة الاقتراع، نزلت «بركة» السلطات العمومية على بلحاج، بعدما زار «أصحاب الوقت» منافسيه وذكروا كل واحد منهم بمستحقات مديرية الضرائب عليه. وهكذا، قفزت أصوات المرشح الحداثي الديمقراطي علي بلحاج من أربعة أصوات إلى 61 صوتا أحرزها بين 85 صوتا، وتحول بذلك إلى رئيس للجهة الشرقية بأقاليمها السبعة، الدريوش والناظوروبركان وتاوريرت ووجدة وفكيك وجرادة، انطلاقا من فيلته في الرباط، وإقاماته في فرنسا التي يتردد عليها أسبوعيا بحكم جنسيته الفرنسية. ويبدو أن حزب الأصالة والمعاصرة نفسه، الذي اعتمد على بلحاج في الأول لكي يرافق الوالي «الهمام» في خطواته الأولى بالولاية حتى تطير منه دهشة الوافد الجديد، قد فهم أن بلحاج ليس لديه ما يفيد به الجهة الشرقية ولا حزب الأصالة والمعاصرة الذي أذاب فيه «رابطة حرياته» ذات «ربطة زغبية»، ولذلك سحب منه مهمة المنسق الجهوي للحزب وأسندها إلى محامية، ربما بانتظار تحويلها إلى والية كما صنع مع محامية متخصصة في ملفات العقار في مراكش اسمها فاطمة الزهراء المنصوري. فيبدو أن كل ما يلمسه هذا الحزب بعصاه السحرية يتحول إلى ذهب. لكن، وكما يقول المثل، ليس كل ما يلمع ذهب. وربما بدأ الحزب يبحث عن مد جسوره بعالم «الروحانيات» بعدما فهم أن «تروحين» بعض عقوله المدبرة لن يؤدي به إلا إلى المزيد من الصداع والتصدع. وهكذا اختار الحزب تعيين منسق إقليمي جديد في مدينة بركان، بعد تعيين المنسقة الجهوية، ليس شخصا آخر سوى ابن عامل بركان البودشيشي، وهو بالمناسبة مقاول كبير من مقاولي المنطقة. لكن علي بلحاج لم يخرج بخفي حنين من وراء مساهمته في «شريان الصداع» لخصمه اللدود الوالي الإبراهيمي. فبمجرد ما تم تنصيب الوالي الجديد «الهمام»، حصل علي بلحاج على تواقيع هذا الأخير بالموافقة على بيعه أرضا مساحتها 30 هكتارا بمدخل مدينة بركان، وهي التواقيع التي كانت يد الوالي الإبراهيمي ثقيلة في إنجازها. «واللي تقالت على الوالي الإبراهيمي تخفاف على الوالي الهمام» الذي يجيد «البوسان» وعناق كل من يصادفه في طريقه. وإذا كان هناك مستفيدون من «تقلاع» جذور الوالي الإبراهيمي من المنطقة الشرقية وغرس وال جديد لا تجربة سابقة له غير تفليس الشركات، فهناك أيضا خاسرون، وعلى رأسهم الثري «علال بولويز»، النائب البرلماني السابق ورئيس الغرفة التجارية في وجدة. ومن غرائب الصدف أن «بولويز» كان معارضا شرسا لعلي بلحاج، لكنه في «الرمش» أصبح مساندا له. ولم يكتف بالمساندة بل التحق به وركب معه الجرار واقتسم معه عضوية مجلس الجهة. وبما أن «بولويز» محترف كبير في الترحال السياسي منذ 1977، تاريخ دخوله إلى البرلمان، فإنه لم يجد صعوبة في التأقلم مع «إكراهات» الحزب الجديد. لكن الصعوبة الوحيدة التي واجهها الثري «بولويز» هي ارتفاع فاتورة دعمه لحزب الأصالة والمعاصرة في الجهة الشرقية، خصوصا وأنه أصبح يرى نفسه قد تحول من مقاول إلى «طريطور» مهمته الوحيدة هي التكفل بتنظيم حفلات «الزرود» لضيوف ومناضلي الأصالة والمعاصرة في المنطقة الشرقية. وربما اعتقد «بولويز» أن سخاءه مع مناضلي وأطر الأصالة والمعاصرة سيمكنه من كسب عطف مؤسس الحزب، فؤاد عالي الهمة، إلى درجة تعشمه في هذا الأخير قيامه، عن طريق وسطائه، بتدخل لصالح ابنه الموثق «عادل بولويز»، المعتقل في سجن سلا على خلفية ملف شبكة الموثقين الشهير برفقة الموثق سعد الحرايشي، رئيس الغرفة الكبرى للماسونيين المغاربة. وبين جهة يقودها رئيس غائب طوال الوقت، وولاية يقودها وافد جديد لا تريد الدهشة أن تطير منه، وبين مجلس بلدي يتراكل داخله الاستقلاليون بقيادة عمر احجيرة، أخ وزير الإسكان، والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، تبقى الجهة الشرقية هي الضحية الأولى لهذا المشهد الحزبي الباعث على الشفقة. فمجلس الجهة الشرقية انتقلت ميزانيته من 6 ملايير سنتيم في العهد السابق إلى صفر حاليا. ولو أن مجلس الحسابات يقوم بزيارة خاطفة لمراجعة مالية الجهة، لكان عثر على فواتير تعويضات لكراء سيارات «كات كات توارغ» تابعة لشركة مقرها يوجد في الدارالبيضاء لمدة عشرة أيام بمبلغ 3500 درهم في اليوم، لفائدة سيدات لا علاقة لهن بمجلس الجهة، قمن بأسفار إلى وجدةومراكش على حساب الجهة. «فلوس اللبن يديهم زعطوط». أهمية مدينة وجدة وحساسيتها تكمن في كونها مدينة حدودية، أي أنها توجد على حدود التماس مع الجزائر، الدولة التي تحاول بكل الطرق والوسائل تخريب الاقتصاد الوطني بواسطة تهريب كل أنواع الموبقات عبر الحدود الشرقية. لهذا، فارتفاع نسبة البطالة في المنطقة الشرقية بسبب تعثر المشاريع الكبرى في الجهة، وارتفاع نسبة الفقر والتهميش والركود الاقتصادي، لا يساعدان سوى على توفير الأجواء المثالية لانتعاش شبكات التهريب. في أسواق وجدة اليوم، يباع البنزين المهرب من الجزائر والأدوية المهربة من الجزائر والدقيق المهرب من الجزائر والحديد المهرب من الجزائر. المدينة بكاملها تتنفس التهريب. وفي مقابل هذا، ماذا يصنع مجلس الجهة والمجلس البلدي والولاية؟ إنهم منشغلون بتصفية حساباتهم السياسية العالقة، وتقسيم أراضي الجهة بين الفلاحين والمقاولين النافذين. عندما نرجع إلى تاريخ عائلة علي بلحاج، جزائرية الأصل، نكتشف أن والده سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أرسله إلى السجن، بعدما اشتكى إليه من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، والذي بدوره اشتكت إليه معمرة فرنسية حاول بلحاج الأب «مغربة» أراضيها بدون علمها. التاريخ يعيد نفسه اليوم في المنطقة الشرقية، لكن بشكل آخر. فأراضي كثيرة في وجدة، والمنطقة الشرقية عموما، تسيل لعاب منعشين عقاريين وفلاحين كبار لا يرون فيها سوى امتداد طبيعي لضيعاتهم وأوراش بنائهم الممتدة. وهذه الأحلام «التوسعية» لبعض أثرياء «الغفلة» تسير في خط معاكس للتوجيهات الملكية التي أحاطت هذه الجهة بعناية خاصة لإخراجها من العزلة والتهميش والركود الاقتصادي الذي تسبب فيه قرار الجيران بإغلاق بوابة «جوج بغال». فمتى يفهم هؤلاء جميعهم أن المنطقة الشرقية يمكن أن تتحول إلى رافعة للاقتصاد الوطني في حالة واحدة فقط، وهي عندما سيتم إسناد الأمور إلى أهلها؟