رحل المستبد، ولكن هل رحل الاستبداد؟ سؤال يفرض نفسه ونحن نطوي بكل فرح وابتهاج صفحة سوداء من تاريخ تونس المجيد. دفع الشعب التونسي الثمن باهضا من أجل أشواق الحرية، 100 شهيد وعشرات الجرحى ومئات الأسر المكلومة. رحل المخلوع ورحل ذووه وكانت الجماهير في الموعد، حملت رسالة واضحة المعالم والأفق منذ انطلاقة الشرارة الأولى "خبز وماء بن علي لا" ورفعت السقوف على وقع خطوات الشهداء ودمائهم الزكية. ولكن الثورة لم تنته، ولعل أصعب مراحلها تحط رحالها الآن...أسئلة كثيرة تفرض نفسها على ضوء ما وقع في الساعات الأخيرة بعد هروب المخلوع : إن المناداة اليوم من قبل أغلب أطراف المعارضة بحكومة ائتلاف أو إنقاذ وطني في نفس المشهد السياسي ونفس الإطار العام يطرح سؤالا خطيرا، هل يمكن العمل مع أناس كانوا ولا يزالون أطرافا مهمة داحل النظام السابق أو العمل تحت رايتهم، من يضمن لهذه الجماهير أن لا يقع الالتفاف على مكاسبها و إفراغ نضالاتها، من يضمن أن لا يعود الرئيس المخلوع ومشهد تغيير السلطة يؤكد عبر خطاب الوزير الأول محمد الغنوشي أن تواجده وقتي، خاصة وأن البند 56 من الدستور وقع الاعتماد عليه عوض 57 لتعويض الرئيس المخلوع. هل حكومة الإنقاذ الوطني المنادى بها هي حكومة إنقاذ النظام الأسبق أم إنقاذ للبلاد والعباد. لا نريد هرولة من قبل المعارضة نحو توزيع الحقائب وكأن تونس فريسة لإستهلاك المحلي ولكن احتراما لأرواح الشهداء وتقديرا لنضالات شعب كريم. لا نريد من هذه المعارضة إقصاء أو تهميشا حتى لا تعيد علينا عهد استبداد جديد ولو بلباس ديمقراطي مشبوه. إن أقلامنا لن تجف وحراكنا لن ينته فالمنظومة القيمية التي نحملها ونستند عليها تدفعنا إلى الصبر والعمل وقول الحق كما فعلناه منذ عقود رغم الاستبداد وما لحق بنا من أذى. إن الكرة في ملعب الجماهير، فهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة ودرجة وعيها قد فاجأ الجميع، هي التي حددت انطلاقة الشرارة الأولى للثروة وهي التي حملتها وهي التي تحدد نهايتها وكيفية هبوطها الهادئ والسليم. إن على الجماهير أن تعلم أن إطارها الوحيد وملجأها الوحيد هو الشارع انطلقت منه، وبللت ترابه بدمائها الزكية وعليها أن لا تغادره حتى تنه ثروتها ولا يقع الالتفاف عليها. على الجماهير أن تعي أن مستقبلها بيدها وأن الثمن الذي دفعته كان باهضا ولا يمكن لأحد أن ينزعه منها قرارها. وعلى النخبة الصادقة والواعية أن تثني الركب وتلتحم بشعبها ولا تلقي عليه التحية والدروس من عليائها، ولكن أن تتعلم، وتكون في مستوى مطالبه وتضحياته، وأن تستجيب لسقوفها المرتفعة وتشوف أفراده للحرية ومنازل العدل. 14 جانفي 2011 المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي