إلى المدعو حفيظ المسكاوي : مصطفى بنحمزة عالم من علمائنا ونجم من نجومنا بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد نشرت الجريدة الإلكترونية هسبريس ليوم 19 ديسمبر 2010 مقالا للمدعو حفيظ المسكاوي بعنوان "عندما يخجل المسلمون من علمائهم" يتناول فيه مجموعة من الأمور لا زمام لها ولا خطام ، حيث يصعب على القارئ أن يضع مقال المدعو المسكاوي في إطار معين أو تحت باب علمي واضح ، فمرة يتكلم عن حال العلماء والفقهاء وطريقة معاشهم ، ومرة يتناول تعاملهم مع الدين ، ومرة يتكلم عن الحضارة الغربية ، وكثير من الأمور التي لو أفردها بالكتابة لكانت أحسن بشرط أن يجيد الدراسة والمناقشة ، ومن ثم يحلل الأفكار طبقا لما وصل إليه تحليله المبني على القواعد العلمية الرصينة المتداول بها بين أهل النقد والتدقيق ، أما مقاله هذا فلا يرقى لأن يكون مثار جدل ونقاش على أن يكون موضع حوار ، فهو مجرد ظن وحكم على الغالب ورؤية للأوضاع الدينية بمنظار مائل ميل صاحب المقال في صورته المنشورة ، فكان على صاحب المقال أن يكون مستقيما وواضحا في مطارحته لا أن يؤثر اعوجاج صورته على فكره وطريقة كتابته ، لكن الظاهر أن الصورة أثرت على صاحبها في الكتابة . وأنا لن أتناول في هذا التصحيح ما طرحه المدعو المسكاوي ففي مقاله الكثير الذي يحتاج إلى تصويب ، وإنما أتناول قضية تخصني أشار إليها الكاتب في مقاله ، وهي تعديه على عالم من علمائنا ونجم من نجومنا ، فهو شيخنا ونحن أعلم بشيخنا منك يا سيد مسكاوي ، أما حكمك عليه بأنه يحسب على العلماء وليس منهم فهذا تعدٍ باطل واتهام زائف وجهل بالواقع ، فهل تعرف أنت بنحمزة حتى تخرجه من العلماء ؟ أم من خلال هذا الفديو فقط والذي فهمته خطأ بدون شك ؟ وما قيمتك أنت في ميزان العلم حتى تخرج من تشاء وتدخل من تشاء في نطاق العلم ؟ فعلى حد علمي لا نعرف لك مؤلفا أو كتيبا أو محاضرة ، والمجهول حاله في العلم لا يسمع لقوله ولا يعتد لحكمه ، على أننا نقول بأنك بحياتك كلها لا تُوَازَنُ بعام واحد من حياة الشيخ المبارك بنحمزة . ثم الفديو الذي احتججت به وجعلته دليلك لتخرجه من أهل العلم وتجعله موظفا حكوميا فهو دليل على أنك غريب عن العلم وأهله ، فالمسألة التي تكلم فيها الشيخ المبارك بنحمزة معلومة عند العلماء بل ثبتت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالمسألة التي أنكرتها عليه هي قوله "ليس من حق الجاهل أن يخطئ العلماء أو ينتقدهم بل إنه يهينهم إن قال لهم أنتم مصيبون" فلا نرى هنا وجها لأنكارك عليه ، بل هذه مسألة معروفة وقاعدة في العلم مشهورة ، ولو كنت من أهل العلم لفطنت لذلك أو لو بذلت في طلب العلم عاما أو عامين لما ظهر لك وجه الإنكار في المسألة ، والمعروف في كل بيداغوجيات التعليم أن الجاهل من حقه أن يتعلم لا أن يخطئ ويصوّب على جاهل مثله فضلا على عالم من العلماء ، أي ليس من الأدب أن يقول الجاهل للجاهل : أصبت . فضلا أن يقولها لعالم ، لأن قول الجاهل للعالم في مسألة من المسائل العلمية "أصبت" هو إهانة لذلك العالم بل إهانة للعلم لأنه في حقيقته لا يخرج عن أمرين : إما يكون تصويبه كذبا ، لأنه لا يعلم المسألة المتكلم فيها بحكم جهله بها وعدم معرفة الصحيح والسقيم فيها فيكون تصويبه وتخطيؤه كذبا ، والأمر الثاني أن يكون تصويبه نفاقا للعالم ، وقد تعجب الصحابة لتصديق جبريل أثناء سؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حينما قالوا "فعجبنا له يسأله ويصدقه" لأنهم ظنوه أولا جاهلا يريد أن يتعلم فتعجبوا من تصديق الجاهل لعالم في مسألة يجهلها ويسأل عنها ، قال الإمام النووي في شرحه على مسلم حول هذا اللفظ المذكور [ قوله ( فعجبنا له يسأله ويصدقه ) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل ] ( 1/171 ) بل إنه من آداب المتعلم مع العالم إذا سمع من معلمه مسألة يعلمها أو يحفظها أن يصغي إليها إصغاء من لا يعلمها ، والآية التي احتججت بها في إنكارك لا وجه للاحتجاج بها ، لأن الملائكة لم يقولوا ( لم تصب يارب فقد جعلت في الأرض من يفسد فيها ) فما وجه احتجاجك في الآية . وقول الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ليس استفسارا يا سيد مسكاوي وإنما هو جواب عن قول الله لهم ( إني جاعل في الأرض خليفة ) فالتقدير فقالوا على وزن قوله ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا ) وفصّل الجواب ولم يعطف بالفاء أو الواو جريا به على طريقة متبعة في القرآن في حكاية المحاورات وهي طريقة عربية أصيلة ، والاستفهام المحكي عن كلام الملائكة محمول على حقيقته مضمن معنى التعجب والاستبعاد من أن تتعلق الحكمة بذلك فدلالة الاستفهام على ذلك هنا بطريق الكناية مع تطلب ما يزيل إنكارهم واستبعادهم فلذلك تعين بفاء الاستفهام على حقيقته خلافا لمن توهم الاستفهام هنا لمجرد التعجب ، والذي أقدم الملائكة على هذا السؤال أنهم علموا أن الله لما أخبرهم أراد منهم إظهار علمهم تجاه هذا الخبر لأنهم مفطورون على الصدق والنزاهة من كل مؤاربة فلما نشأ ذلك في نفوسهم أفصحت عنه دلالة تدل عليه يعلمها الله تعالى من أحوالهم لا سيما إذا كان من تمام الاستشارة أن يبدي المستشار ما يراه نصحا وفي الحديث "المستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم" يعني إذا تكلم فعليه أداء أمانة النصيحة ، أو كما قال الشيخ بن عاشور في تفسيره . ثم هذه المسألة لا تُجْعَلُ دليلا لعدم النقد أو إلغاء العقل وإنما الاستفسار والسؤال من أبواب العلم بل به يدرك العلم ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) أما تصويب الجاهل للعالم فهذا أمر لا يعرفه المنطق ولا يقره العقل .