شنت الطائرات الحربية الأمريكية، بدون طيار، ثلاث غارات جوية منفصلة بالصواريخ، على مقار لمقاتلين إسلاميين في منطقة "خيبر" القبلية الباكستانية. واستهدفت الهجمات التي وقعت الجمعة 17/12/2010 ثلاث قرى في وادييْ (تيراه ولاكاي) وأدت إلى سقوط 54 بين قتيل وجريح بينهم قائدين بارزين في المنطقة. وهي المرة الأولى التي يقع فيها مثل هذا العدد الكبير من الضحايا في مثل هذه الهجمات التي تشنها طائرات تدار آليا عن بعد، واستهدفت بشكل أساسي هذه المرة اجتماعًا كان يعقده عددا كبيرا من قادة "عسكر الإسلام" ضمن مجلس شورى الجماعة الإسلامية السنية المسلحة، التي يعد "خيبر" معقلها الرئيسي، والذي اعتادت أن تشن منه هجمات مؤثرة ضد إمدادات القوات الأمريكية. استهدفت الغارات الأمريكية أهدافاً تقع في منطقة نادرا ما تشهد مثل هذه الهجمات، ما يشير إلى توسيع القوات الأمريكية لعملياتها الجوية داخل عمق الأراضي الباكستانية رغم ما يقال عن المعارضة المعلنة من قبل "إسلام أباد" لمثل هذه الممارسات التي تستهدف في أغلبها مواطنين باكستانيين. ممر خيبر الإستراتيجي ويعد إقليم "خيبر" أحد الأقاليم السبعة التي تشكل منطقة "القبائل" الباكستانية المحاذية للحدود مع أفغانستان، وهو في الوقت ذاته الممر الرئيس لإمدادات قوات الاحتلال في هذا البلد، حيث ينتشر أكثر من 121 ألف جندي أجنبي أغلبهم من الأمريكان. وتمر عبره ما يقرب من 75 في المائة من إمدادات النفط ، والأغذية ، والمعدات العسكرية ، المتوجهة إلى تلك القوات في أفغانستان. ويعتقد أن تلك المناطق القبلية تشكل القاعدة الخلفية لحركة طالبان الأفغانية، والموالين لها، وهي في الوقت نفسه ملاذ آمن للمقاتلين الأجانب في تنظيم "القاعدة" الذين يحظون بدعم رجال القبائل وحركة طالبان باكستان. وكان واضحا أن الهجوم الأمريكي يهدف إلى القضاء على مجموعة "عسكر الإسلام"، أو على الأقل شل حركتها، أو الحد من نشاطها، من خلال توجيه ضربات موجعة لمناطقها من الجو، بسبب دورها المتمثل في إعاقة قوافل الإمدادات الأمريكية التي تمر عبر "خيبر"، وتسهيل هجمات حركة طالبان للهدف ذاته. إذ أنها تمثل أقوى المجموعات الإسلامية المسلحة في الممر الإستراتيجي وتنسب إليها أغلب الهجمات التي استهدفت الشاحنات التي تمر خلاله. و"عسكر الإسلام" مجموعة أصولية محلية، توصف بأنها "مرتبطة" بحركة طالبان لكنها تنشط بشكل مستقل عنها، ويترأسها الزعيم القبلي (مانغال باغ). وتنتمي عسكر الإسلام إلى الجماعات "الديوبندية" المسلمة المنسوبة إلى جامعة ديوبند - دار العلوم في الهند، وهي مدرسة فكرية عميقة الجذور، أسسها مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية عام 1857م فنمت حتى أصبحت أكبر المعاهد الدينية العربية للأحناف هناك. وقد لعبت الديوبندية دوراً هاماً في نشر الثقافة الإسلامية في الهند وخارجها، وانتشرت المدارس الشرعية التابعة لها في أقطار عديدة من الهند وباكستان.. وكان من أهدافها المحافظة على التعاليم الإسلامية، ونشر الإسلام، ومقاومة المذاهب الهدَّامة، ومحاربة الثقافة الأجنبية، والاهتمام بنشر اللغة العربية باعتبارها أداة فهم الشريعة، إلا أنه يؤخذ عليها التصوف في السلوك. ومن أبرز أعلامها المفكر الإسلامي المعروف الشيخ أبو الحسن الندوي. وخلافا لهجماتها ضد الأمريكان، لم يثبت أن عسكر الإسلام شنت هجمات داخل أفغانستان أو على مدن باكستانية خارج منطقة الشمال الغربي (منطقة القبائل)، إلا أن وسائل الإعلام الحكومية تتهمها بالضلوع في الكثير من أعمال خطف الرهائن مقابل الحصول على فدية. كما يتردد أن المجموعة المسلحة تخوض معارك ضد خصومها بهدف إحكام السيطرة على خيبر أبرزهم جماعة "أنصار الإسلام" الموجودة في الإقليم ذاته. ومما ينسب إلى المجموعة الإسلامية تنفيذ الأحكام الشرعية في منطقة خيبر بحق الجناة كرجم الزناة وجلد شاربي الخمر من قبل نفسها. وبشكل عام، يوجد ما لا يقل عن تسع جماعات إسلامية رئيسية في شمال باكستانوإقليم البنجاب. ومعظم الجماعات المسلحة التي تقاتل قوات الاحتلال الأمريكية والجيش الباكستاني تعمل في المنطقة القبلية التابعة للإدارة الاتحادية وفي إقليم خيبر بختون خوا المجاور هي جماعات منشقة عن حركة طالبان الباكستانية، ولديها درجات متفاوتة من الولاء لقادة حركة طالبان الأفغانية، لاسيما الملا محمد عمر، ولكنها تشترك جميعاً في الهدف العام المتمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في باكستان وطرد القوات الأمريكية من المنطقة. الجيش الباكستاني في المواجهة وكانت القوات المسلحة الباكستانية قد خاضت عدة عمليات عسكرية، في السابق، للقضاء على "عسكر الإسلام"، لكنها لم تحقق سوى نجاح محدود. ولم تتمكن من اعتقال أي من مسؤوليها، ووقع زعيمها في التاسع من تموز (يوليو) الماضي اتفاق سلام مع السلطات المحلية. ففي أوائل مارس 2008 شنت القوات الباكستانية حملة عسكرية على مواقع للحركة في خيبر لم تلق أي مقاومة تذكر فنسفت نحو عشرة مواقع واعتقلت أكثر من 30 وضبطت أسلحة ومتفجرات. وفي سبتمبر من نفس العام 2008 رد عشرات المقاتلين من عسكر الإسلام بالسيطرة على مبنى حكومي في "بيشاور" كبرى مدن شمال غرب باكستان، وأخذوا بضعة حراس أمنيين رهائن. إلا أنهم انسحبوا وأفرجوا عن الرهائن إثر تدخل زعماء قبائل خيبر للتفاوض. ووصف الهجوم بأنه رمزي حيث كانت الحركة تريد "إيصال رسالة مفادها أنهم قادرون على مهاجمة مبنى حكومي. وفي سبتمبر 2009 دمرت القوات الحكومية مقرا للحركة في "بارا" كبرى مدن إقليم خيبر بعد أن هاجمته بالمروحيات كما استهدف القصف الجوى مخابىء للمقاتلين. وخلال ذلك حذر زعيم الحركة أنه سيعلن إستراتيجية جديدة إذا لم يتم وقف العملية العسكرية التي استمرت 4 أيام. وطالب باغ الحكومة بوقفها بوصفها "غير قانونية". مهددا بأن رجاله سيسمحون لعناصر طالبان من مناطق أخرى بدخول "بارا" إذا لم يتم وقف العملية العسكرية. وانتهى الهجوم بانسحاب الجيش بعد العثور على مخابىء أسلحة وتدمير عدد من المنازل لكن بدون أن يتمكن من اعتقال زعيم المجموعة (منغال باغ) أو أحد من مسؤوليها. وأواخر نوفمبر 2009 قتل الجيش الباكستاني 18 مقاتلا في هجوم على قرية (غورجوري) على بعد 12 كلم شمال غرب بارا، فيما اعتقل ستة آخرون إضافة إلى تدمير 12 من مركباتهم، في العملية التي شارك فيها المئات من القوات النظامية وشبه العسكرية مدعومين بمروحيات ومدفعية. وفي إبريل 2010 أعلن الجيش الباكستاني انه قتل 25 مسلحاً على الأقل بينما فقد ستة من جنوده في هجوم شنه المقاتلون على أحد معسكراته وهم مدججين بأسلحة هجومية وقاذفات صواريخ. وفي أكتوبر 2010 قتل ما لا يقل عن 42 مقاتلا من عسكر الإسلام اثر ضربة جوية قام بها الجيش كما تم تدمير اثنين من مخابئهم. وتجيء هذه العمليات المرفوضة في الشارع الباكستاني كنتيجة لمطالب متكررة من قبل مسؤولي الإدارة الأمريكية للجيش الباكستاني بأن يكثف من تحركاته لمواجهة الجماعات الإسلامية الذين كبدوا القوات الأجنبية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات خلال تلك المواجهات الدائرة. فقد طالب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الحكومة الباكستانية ببذل المزيد من الجهد للتخلّص مما وصفهم ب "المتطرفين" الموجودين على أراضيها، بينما قال كاميرون مونتر، السفير الأمريكي في باكستان إنه يتمنى انتقال جيش باكستان إلى وزيرستان الشمالية لمحاربة "المتطرّفين" غدًا. وقد كثفت وحدات وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" والقوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان إلى حد كبير من هجمات طائراتها بدون طيار على المناطق القبلية الباكستانية، وهي الهجمات التي يتمّ تنفيذها بكثافة منذ تولّي الرئيس باراك أوباما، عن طريق طائرات يتمّ التحكّم بها عن بُعد عبر طيارٍ آلي. لكنها تلقى معارضة متزايدة من قبل الباكستانيين الذين يقولون إن أشخاصاً أبرياء يقتلون فيها. وبحسب إحصائية أعدتها شبكة "سي إن إن" فإن الغارات الأخيرة ترفع هذا النوع من الغارات إلى 106 منذ بداية العام الجاري 2010، مقارنةً ب52 غارة شنتها تلك الطائرات طوال العام الماضي. -- /