نداء الوطن كعادتها عندما لبت النداء نداء المسيرة الخضراء في اتجاه أقاليمنا الصحراوية..ها هي الجماهير المغربية الغفيرة اليوم تلبي النداء من جديد، نداء الوطن. لقد مضى ربع قرن على المسيرة الخضراء السلمية في اتجاه الصحراء لإجلاء الإسبان.. وها هي اليوم مسيرات غفيرة كثيرة تهب من كل مدن المملكة في اتجاه واحد ..في اتجاه أكبر مدن المملكة حيث المسيرة الكبرى المسيرة الأم الموعد المحدد لالتقاء المغاربة نساء ورجالا وشيبا وشبابا أحزابا ونقابات ومجتمع مدني آتين من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب، ولو كانت هناك جهة خامسة لجاؤوا منها ليعبروا عن حب الوطن. إن هدف مسيرة الأمس لا يختلف كثيرا عن هدف مسيرة اليوم. إذ أن الهدف تحول من هدف ضد دولة إلى هدف ضد حزب في هذه الدولة إنه الحزب الشعبي الاسباني اليميني المتطرف المعروف بمواقفه الراديكالية العنصرية التي تستهدف وحدة المغاربة والتي هي عبارة عن حملة انتخابوية غريبة لتكون له موقع قدم في الساحة السياسية الإسبانية على حساب شرف وعزة وأنفة المغاربة. انطلاقة موفقة مع بداية الساعة الخامسة مساء ليوم 27 فبراير 2010 بدأت الجماهير الوجدية تتقاطر على ساحة 18 مارس قرب محطة القطار طامعة في أن تحضى بمكان سواء في حافلة أو في قطار..وكلها شوق لتصل إلى الدارالبيضاء لتعبر عن حبها لهذا الوطن وتدافع عن حماه ضد كل عنصري غدار يريد تمزيق المغاربة واستئصالهم عن جزء من أرضهم وأرض أجدادهم..أو ينتزع حبة من رمل من رمال مات من أجلها مئات المغاربة الأحرار ولازال يزأر من أجلها مئات في سجون الاحتلال في مخيمات تندوف الهمجية. الوطن غال يستحق منا أكثر من مجرد حضورنا للمسيرة الوطنية، إننا على استعداد أن نهبه كل ما يطلب نحن على استعداد أن نموت من أجله ومن اجل أن يبقى عزيزا كريما يقول أحدهم. ويقول آخر: لو طلب منا أن نذهب إلى مخيمات تندوف لتحرير إخواننا لما ترددنا..لم تختلف كل التصريحات الشعبية الجماهيرية عن مثل هذه المعاني المليئة بحب الوطن ومشحونة بالاستعداد التام للموت من أجله. لقد تلاقت الجموع التي حجت إلى هذه الساحة زرافات..زرافات ولم تستطع صبرا حتى بدأ الكثير في رفع الشعارات المنددة بكل أعداء وحدتنا الترابية على رأسهم الحزب الشعبي الإسباني المتطرف. وعبر أحدهم بأن مسيرة الدارالبيضاء ستكون تاريخية بكل معنى الكلمة وتاريخية حتى في بعدها التنديدي بتصريحات الحزب الشعبي لأنها ستؤرخ لعنصريته وهمجيته وستؤرخ لكل الأجيال القادمة عداءه المتجدر للمغرب والمغاربة. كما ستسجل أنه ليس في مصلحة لا إسبانيا ولا المغرب أن يقع شرخ في علاقاتهما لكونهما جارين تاريخيين وحليفين استراتيجيين سواء في الصيد البحري أو مكافحة الهجرة السرية أو التبادل التجاري وفي ميادين أخرى. لقد انطلقت من مدينة وجدة عشر حافلات شعبية وطائرتان وقطار والكثير من الحافلات الصغيرة التي تحمل بين الثمانية والاثني عشر راكبا فضلا عن السيارات الخاصة التي أبى أصحابها أن تفوتهم مثل هذه الفرصة للتعبير عن وطنيتهم وحبهم لبلادهم، وبقي الكثير ممن لم يجد وسيلة يحمل عليها فعاد لبيته باكيا متألما متأسفا عن عدم استطاعته التعبير العملي عن حبه لهذا الوطن. في حمى رجال الدرك لقد انطلقت المجموعة الأولى في خمس حافلات متتابعة كقافلة تحت قيادة سيارة خاصة بالدرك الملكي وهي تتقدم الموكب و تطلق إشارات ضوئية زرقاء حتى يفسح الطريق لهذا الموكب الشعبي العظيم..وقد كان معنا دركيان بالحافلة التي كنا نركبها بزي مدني حيث قام أحدهم بالتنسيق مع السائق والركوب بجانبه لتفادي أي مشكلة قد تعترضنا أثناء المسير..والثاني كان كأحدنا يركب وسطنا دون أن يكون متخفيا أو مندسا بل له إشارة على كتفه مكشوفة للجميع مكتوب عليها حرفي ( د.م) وتعني الدرك الملكي..وكان في اتصال دائم مع قيادة الدرك الملكي يخبرهم بتفاصيل الرحلة وكنا نسمع جميع الحوارات الدائرة والتقارير التي كان يرفعها للقيادة..فعلمنا أن القيادة الدركية هي التي كانت توجه جميع الحافلات الآتية من كل المدن المغربية إلى أمكنتها الخاصة استعدادا وتنظيما لانطلاقة منظمة وحتى لا تتكدس في مكان واحد فيقع نوع من الاصطدام أو الفوضى. وعندما وصلنا إلى ساحة طريق مديونة على مقربة من تلاقي شارع أبي شعيب الدكالي وشارع محمد السادس، رأينا الدركيين المرافقين لنا وهما يبحثان عن موكب جرادة حتى يطمئنا على وصوله بأمان وأنه في المكان المناسب والمخصص لمواكب الجهة الشرقية. لقد كان الدركيون أصحاب السيارة المرافقة، عند كل محطة استراحة حريصين كل الحرص على أن ننتظر باقي الحافلات المتأخرة حتى يسير الموكب بكل حافلاته موحدا وراء قيادة واحدة هي قيادة أمنية من الدرك الملكي. وكانت حافلتنا تتوقف كثيرا نظرا لعطب في مضخة المازوت ومن الذي أثار إعجابنا هو بقاء سيارة الدرك الملكي معنا أثناء كل توقف اضطراري لإصلاح الحافلة مما نم على المسؤولية الكبيرة التي تحلوا بها كما أنهم في تعاملهم معنا كانوا أكثر لباقة وتواصلا ومرحا بشكل لم نألفه من قبلا. أمواج بشرية جاءت من كل فج عميق ما شعرنا به ونحن نرى الأمواج البشرية تتدافع من كل حدب وصوب وتتراص في صفوف منظمة لتأخذ مكانها ضمن المسيرة وراء لافتاتها التي تدل عليها، وحاملة لصور جلالة الملك محمد السادس وأعلام الوطن والبعض جاء محملا بنعوش مغطاة بالعلم الوطني تدل على شهداء الوطن الذين سقطوا بأيدي المرتزقة أيادي الجزائر المجرمة.. هو كأننا في مدينة لا تسمى الدارالبيضاء بل تسمى المغرب..وكان شعورا جميلا أن نشعر بأن كل مدينة من مدن المغرب لها تمثيلية هنا وقد لبت نداء الوطن لتعبر عن حبها ودفاعها عن حماه وعن شرفه وكرامته التي امتهنت في سوق نخاسة البرلمان الأوربي من طرف حزب أقل ما يقال عنه أنه حفيد الديكتاتور فرانكو. وما يثير الانتباه هو أن رجال الأمن بهواتفهم الكثيرة وتواجدهم المكثف كانوا هم من يقوم بتنظيم المسيرة..وقد علقت الكثير من اللافتات على الجدران تشير إلى أنه مكان انطلاق المسيرة..ولكن ما أن وصلنا إلى سوق مرجان عند مفترق العديد من الشوارع حتى بدت لنا مسيرات شعبية جماهيرية غفيرة تسد منافذ كل شارع، وتقف طويلا حتى يدركها الوقت الأنسب الذي يسمح لها بأن تلتحق بالمسيرة التي كانت تتنظم ببطء شديد على مسار شارع محمد السادس نظرا لكثرة المجموعات والوفود. حزب الوطن: الحزب الوحيد إن اختلاف المشارب السياسية والتوجهات الحزبية قد اختفى نهائيا فصارت الكلمة الأولى والأخيرة للوطن والوحدة الوطنية،أحيانا كنا نرى أن البعض من الناس إذا ابتعد عن رفاقه وحزبه أو جمعيته لم يجد حرجا في الدخول ضمن أي مجموعة ليردد معها شعاراتها أو يسهم في حمل لافتاتها. نظرا لأن العمل الحزبي والأطياف السياسية قد ذابت في بوثقة واحدة اسمها الوطن، وما عاد هناك شيء اسمع أنا أو حزب فلان أو علان..بل لم يكن هناك إلا الوطن..وحده مهيمنا على الجميع كما أن الجميع قد طأطأ رأسه للوطن وتنكر كلية للتوجهات والانتماءات وكأننا نعيش زمن الحزب الوحيد والأوحد..وقد كان كذلك إنه حزب الوطن. إن المنظمين، وعيا منهم باحتمال جهل الكثير من المغاربة للشعارات المتفق عليها، قد قاموا بطبع العديد من الشعارات في أوراق وسلموها للمواطنين ومن هذه الشعارات نجد: بالروح بالدم نفديك يا وطن، الحرية في العيون وتندوف كلها سجون، الحزب الشعبي يا ملعون..الصحراء في العيون...اسمع..اسمع يا عالم..المغرب بلاد السلام... فكل الشعارات كان لسان حالها يقول: من أجلك دائما..من أجلك أبدا..أيها الوطن. ولكن كانت هناك شعارات من نوع خاص كان يرددها بعض الشباب وهي شعارات معبرة كأنها تقول نحن برغم كل المشاكل الاجتماعية التي نعيشها وبرغم البطالة التي تخنقنا فنحن على استعداد لنموت من أجل الوطن ومن هذه الشعارات هناك شعار يقول: " لا خدمة..لا ردمة..فالصحرا نموتوا تمة" وهو ما يدل على أن هذا الظرف هو ظرف نحتاج فيه لكل صوت مغربي حر أبي متوحد شعبا وحكومة للتصدي لعداوة الأعداء والدفاع عن حمى الوطن. ولكن هذا لن ينسينا بأن من أجمل الردود على الأعداء هو أن نلتفت لمعاناة هذا الشعب الأبي الذي سافر أميالا وتحدى البرد ووعثاء السفر من أجل الوطن. وإذا كان الشعب المغربي في الشمال يعاني من سوء توزيع الثروات ومن العيش تحت عتبة الفقر ومن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وقلة الأجور، فكيف سيكون مصير أخيه الشعب الصحراوي في الجنوب عندما يطبق الحكم الذاتي. لأن الذين يقومون بتسيير البلاد اليوم هم من سيقومون بتسييرها أثناء تطبيق الحكم الذاتي. ولو سمعت الجزائر وسمع البوليساريو وسمع الحزب الشعبي الإسباني أصوات المغاربة وهم يزمجرون كالرعد ويهتفون بكل قواهم منددين بكل من مس وحدتهم وتعدى على حماهم وهم يصرخون صراخ المستعد للموت من أجل الوطن ويهتفون بالروح والدم من أجل الوطن لفروا جميعا فزعا من هذا التيار الجارف الذي عبر عن أتم استعداده ليموت دون شرف وكرامة ووحدة هذا الوطن. مواطنون إسبان شاركوا في المسيرة الناس معادن وليسوا من طينة واحدة، فيهم العنصري والحقود وفيهم العاقل والموضوعي الذي لا يعمل على اغتيال العقل أو تزييف الحقائق لأغراض انتخابوية معينة. فكثير من المواطنين الإسبان كانوا قريبين منا وقد حملوا شعارات بلغتهم تندد بموقف الحزب الشعبي الإسباني وصرحوا بأن الصحراء مغربية وأنهم يفتخرون بكونهم هنا في المغرب وسيظلون هنا مهما كانت مواقف بعض الإسبان مخزية وعارية من الموضوعية والصحة. في ضيافة السيد الوالي في طريق عودتنا لمدينة وجدة، ونحن نزمع على الوقوف من أجل تناول العشاء، إذا بسيارة الدرك الملكي تقف لتخبرنا بأن العشاء سيكون بمدينة فاس وعلى حساب السيد والي جهة فاس بولمان ترحيبا وتكريما وفرحا بالمغاربة الأشاوس الذي لبوا النداء من جهة الشرق وباقي المدن التي تمر من مدينة فاس. وباستقبال فاق كل حفاوة وبتعامل راق فاق كل تصور تم الترحيب بنا من طرف الدرك الملكي في خيام صغيرة تقي الركاب من المطر..وبعدما طلب منا العدد المرافق من المشاركين تسلمنا الوجبات كاملة وزيادة دون أدنى تعقيد أو تشكيك. ولا أنكر أن الأمر تم استحسانه من طرف المرافقين وفرحوا بهذه الخطوة الرائعة والالتفاتة الجيدة من طرف السيد والي جهة فاس بولمان. هل المسيرة كافية في التصدي للأعداء؟ لقد قمت بتوجيه هذا السؤال للعديد من المواطنين من مختلف مشاربهم الثقافية والسياسية. وكانت الإجابات مختلفة. إذ هناك من يعتبر هذه المسيرة مجرد نشاط شعبي لا يقدم ولا يؤخر ولن تجعل الحزب الشعبي الإسباني يعدل عن مواقفه العدائية تجاه المغرب ولن تدفع به للتراجع عما صرح به للتأثير على قرار البرلمان الأوربي. ولكن أكثر الآراء اعتبرت أن هذه المسيرة أشبه بالمسيرة الخضراء حيث الكم الجماهيري الشعبي يلعب دوره في بعث رسالة لكل من يهمه الأمر في كل المحافل الدولية على رأسها الحزب الشعبي الإسباني والجزائر وربيبتها البوليساريو. وهذه الرسالة مؤداها أن الأمر لا يتعلق بملك أو حكومة أو برلمان أو أحزاب بل الأمر كله يتجذر في عروق كل الشعب المغربي بكل مؤسساته وهياكله وإداراته ومجتمعه المدني مما يجعل أي تصريح عدائي هو في حقيقته موجه ضد شعب بأكمله ملتحم مع حكومته وملكه ومؤسساته. كما أن الكثير من الجهات تعتمد أحيانا في تصريحاتها على خلخلة الرأي العام الداخلي والتأثير عليه والعمل على تمزيقه وتشتيت مواقفه..وفي هذا السياق يمكن فهم التحليق خارج السرب الذي وقعت فيه البرلمانية التقدمية كجمولة بنت أبي وهو تصريح يمثل القشة التي يمكن أن يتشبث بها الأعداء، على الأقل، لنفي الإجماع الوطني. مما يؤكد أهمية توحيد المواقف ويعزز أهمية الخروج في مسيرة وطنية تجمع جميع الأطياف وكل التوجهات يحضرها العرب والأمازيغ كما يحضرها اليميني واليساري والإسلامي وجميع مكونات المجتمع المدني بشتى تلاوينه واختلاف تخصصاته. كما أن هناك آراء ذهبت بعيدا في جوابها عن السؤال. إذ صارت تطالب بسياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع، وهو ما معناه المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية التي تشمل العديد من المدن الجزائرية حاليا، عندما يتعلق الأمر بالجزائر. والمطالبة بتحرير سبتة ومليلية عندما يتعلق الأمر بالمواقف العدائية الإسبانية. وكما يوضح أحدهم إن العمل والضغط على إسبانيا لتحرير سبتة ومليلية كرد على الموقف الهمجي للحزب الشعبي الإسباني سيجعله يفقد شعبيته وبالتالي لن يحقق أهدافه التي يريد تحقيقها من خلال المواقف العدائية للوحدة الترابية المغربية.