الازمة السياسية التي يمر بها العراق منذ انتخابات اذار الماضي والى اليوم احد اسبابها الرئيسية كانت التدخلات الاقليمية التي انحازت لهذا الطرف او ذاك وفقا لمصالحها ومنعت القوى السياسية العراقية من التوافق فيما بينها على صيفة من صيغ ادارة بلدهم ، والتي كانت تبغي من ورائها ان يكون لها يد في الشأن العراقي وحتى بعد تشكيل حكومتها لامرار مصالحها واجنداتها للضغط على العراق من اجل عدم استعادتها لقوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية كون هذه الدول الاقليمية قد احتلت مكانة مهمة في الشأن الاقليمي بعد انحسار قوة العراق في المنطقة خلال العقدين الماضيين . ان الدعوة السعودية التي اطلقها الملك عبدالله ،بدعوة الاطراف العراقية الى الرياض بعد عيد الاضحى لن تؤدي الى حل للازمة والتي شارفت على الحسم حسب ما تتناقله الوكالات والانباء ،لان مثل دعوة كهذه ستعيد الاوضاع الى المربع الاول حتى وان كانت النيات سليمة وصادقة وستسبب بتعميق الخلافات اكثر من ذي قبل لان شوطا كبيرا قد قطعت حتى الان وان اية مشاورات او مفاوضات جديدة في الرياض او غيرها من العواصمالاقليمية لن تؤدي الى نتيجة حاسمة كون اكثرية القوى العراقية قد حسمت امرها او هي في الطريق الى حسمها عدا القائمة العراقية والتي اوصلتها الاوضاع الراهنة الى قناعة ايضا بانها لن تتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة استنادا الى قرار المحكمة العليا ، ان ما يجري ويطرح في المحافل السياسية عن تحالف جديد تحت لواء العراقية يضم المجلس الاعلى غير وارد وفق حسابات القائمة العراقية لان المجلس الاعلى كغيرها من القوائم الاخرى تخضع لحسابات لن تقبل على نفسها بالمغامرة على قاعدتها الجماهيرية والشعبية التي بدأت تصرفات قادتها تثير شكوكا لدى قواعدها الشعبية ،وبعد ان اشارت اصابع اليها كونها التي سببت في تأخير تشكيل الحكومة والخروج من المأزق ،وكما اشارت الانباء عن وجود تراجع في مواقفها لصالح التحالف الوطني التي لم تعلن لحد اليوم بالخروج منها . اكثرية القوائم والكتل المتقاربة مع بعضها تتحفظ على الدعوة السعودية تحت مبررات انهم يريدون ان يكون الحل من داخل العراق وليس خارجها ويراهنون على مبادرة السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان التي اطلقها وبدا بها وتتحاور الان الكتل السياسية لانهاء الخلافات التي تعتري تشكيل الحكومة والتي اشرفت على الانتهاء منها قريبا كما توحي تسربات الاخبار ،وسيبقى موقف القائمة العراقية مثيرا للنقاش بعد ان فقدت حظوظها في منصب رئاسة الحكومة وكذلك منصب رئاسة الجمهورية التي تصر ائتلاف الكتل الكردستانية على ان يكون من حصتها ،وتجاريها التحالف الوطني وقوى اخرى .عدا ذلك فالقوى الشعبية العراقية ايضا بدأت بالضغط على الاطراف السياسية للتوصل الى نتائج تنهي هذه الازمة التي سببت الكثير من المشاكل الامنية وتوقف العديد من المشاريع الخدمية للمواطنين ،وادخلت البلاد في دوامة من الفوضى واستشراء الفساد وازدياد العصابات الاجرامية ،ووفرت ارضية خصبة للارهاب لتزيد من عملياتها الاجرامية بحق المواطنين ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ولم تسلم منها حتى دور العبادة كما حدث في كنيسة السيدة النجاة في بغداد واودت بحياة العشرات من المواطنين الابرياء الذين كانوا يؤدون مراسيم صلاة الاحد .اضافة الى الاستياء الذي عم الشارع العراقي من القوى السياسية والساسة الذين اثبتت الشهور المنصرمة بانهم لا يعيرون لمصلحة البلد والشعب الاهتمام المطلوب ،بل ان جل اهتمامهم انصبت على السلطة وكراسي الحكم والمناصب السيادية . هذا الوضع المعقد الذي افرزته نتائج انتخابات اذار المنصرم والتدخلات في الوضع العراقي من كل جانب اوصلت الامور الى قناعة بان الدعوات ووساطات الخارج لن تجدي نفعا ،وافرغت ايضا الدعوة السعودية من امكانية اخراج العراق من المأزق الذي تعيشه لذا لم تنل الاهتمام البالغ والكبير من لدن الساسة العراقيين والشعب العراقي ايضا .وان سلسلة العمليات الارهابية التي اجتاحت بغداد مساء الثلاثاء هي رسالة واضحة للقوى السياسية التي اقتربت من حسم الامور باتجاه تكليف المالكي لتشكيل الحكومة العراقية بعد ان حسمت اكثرية القوائم امرها بالموافقة على مرشح التحالف الوطني وان الحكومة الجديدة وتشكيلها بات قاب قوسين او ادنى سواء شاركت العراقية ام رفضت ،وهي كذلك كرد على رفض المبادرة السعودية كما تشير الاحداث والتي تزامنت مع رفض الكتل الذهاب الى الخارج لحل الازمة التي اوشكت ان تحل داخليا . ليست المبادرة السعودية وحدها فقط بل ان اية مبادرة تاتي من الخارج لن تكتب لها النجاح ،لو لم يكن هناك ثقة متبادلة بين الكتل السياسية العراقية نفسها فاذا توفرت هذه الثقة فان الامور ستسير باتجاه الحل داخليا ولا حاجة هناك لمبادرات خارجية وعربية لان هذه المبادرات لن تتمكن من توليد الثقة بين هذه القوى .وان مواقف كل القوى السياسية بوجوب مشاركة القائمة العراقية في الحكومة المقبلة تنطلق من وجوب تشكيل حكومة مشاركة وطنية لان القائمة العراقية ان استبعدت من الحكومة وحتى لو تحولت الى معارضة قوية فان المشاكل ستبرز بكثافة امام الحكومة المقبلة كونها قائمة تضم نسبة كبيرة من الشعب وخاصة المكون السني ان شئنا ان نطلق عليه .وهي ايضا تعاني من اختلافات كبيرة في وجهات نظر القوائم المؤتلفة فيها ازاء الاوضاع السائدة في العراق .وان عدم حصول تلك القوائم على استحقاقاتها الانتخابية قد تثير جدلا قويا بينها مما قد يعرض العراقية الى تصدعات وقد يؤدى الى تفتيتها مستقبلا ،كون بعض هذه القوى لديها رؤى تحبذ الاشتراك في اية حكومة ستشكل في هذه المرحلة ،عكس ما تراه قوائم اخرى التي تريد ان تحتل مراكز مهمة وسيادية او يكون لها اليد الطولي في صنع القرار العراقي مستقبلا وهذا من حقها ايضا كونها كانت القائمة التي حازت على اعلى المقاعد البرلمانية في الانتخابات الاخيرة .ولكن توجهاتها في العديد من القضايا قد جعلتها في محل شكوك بنظر بعض الكتل الاخرى التي رات في حال استلامها السلطة باجراءات قد تعيد العراق الى اوضاع كانت سائدة قبل الاحتلال والى التوجه الى النيل من بعض القوى والساسة الذين تولوا السلطة بعد 2003 ،رغم ان العديد من شخصيات القائمة العراقية كانت مشاركة ايضا في سلطة ما بعد الاحتلال ايضا.