6/19/2010 من المعروف أن التعذيب أمر شائع بين رجال الأمن والشرطة في مصر، وانتقل الشيوع إلى القتل والسحل والتمثيل بحثث الضحايا، نفد صبر المصريين وأضحى التصرف غير مقبول والتحمل غير مُجْدٍ. تأهبوا للتصدي ومقاومة جرائم الأمن والشرطة وكان آخرها جريمة اقترفها اثنان منهم. قُتل فيها الشاب خالد سعيد بالضرب والسحل على مرأى ومسمع من الناس والمارة، بحي سيدي جابر بالإسكندرية، وحين أسلم خالد الروح حُشرت في حلقه لفافة مخدرات (بانجو). تغطية على الجريمة، وادعاء بتعاطيه المخدرات. وبدا الادعاء متسقا مع متطلبات قانون الطوارئ في شكله الجديد، وحصر تطبيقه على قضايا الإرهاب والمخدرات، وما أسهل أن تكون إرهابيا أو متعاطيا أو جالبا للمخدرات في منطق شياطين الأمن والشرطة. والقاصي والداني يعرف أن أي مكتب لضابط أو أمين شرطة ومقر أو مخفر لا يخلو من مواد وأدوات تلفيق التهم.. مخدرات وأسلحة بيضاء ونارية ومسروقات وساقطات، كثيرا ما تكون في حوزتهم أثناء المداهمات العشوائية وغير العشوائية. والمصريون يعرفون هذه المعلومات، التي يشيعها رجال الأمن أنفسهم إمعانا في الترويع وبث الرعب في النفوس، على أساس أن الأصل هو تلفيق التهم طول الوقت. وفي أي مكان. القتل تحت التعذيب شاع في عهد حسني مبارك واعتادت عليه أجهزة الشرطة منذ الصدام مع الجماعات الدينية في التسعينات. كانت تعليماته هي 'الضرب في المليان' أي اضرب واقتل فورا، فلا وقت للتحري أو تطبيق القانون، ومن أجل ذلك رُفع الدستور من الخدمة، وحل محله قانون الطوارئ، ولم يجرب حسني مبارك أن يعيش يوما واحدا بدونه. وفي عهده سقط الفرق بين البريء والمذنب، فالكل لديه سواء. وصار خروج المواطن من مركز الشرطة سليما من قبيل المعجزة، وبمثابة ولادة جديدة. وشاعت بين الناس عبارة 'داخل قسم الشرطة مفقود والخارج منه مولود'. وتحت ضغط المنظمات الدولية الحقوقية أمر النائب العام يوم الثلاثاء الماضي بإخراج جثة الضحية من القبر وإعادة تشريحها من جديد للوقوف على الأسباب الحقيقية للقتل. والشاب خالد ليس أول الضحايا ولن يكون آخرهم. إذن ما هي الجريمة التي استوجبت قتله وسحله والتمثيل بجثته دون تحقيق أو محاكمة؟ لم تقع الجريمة دفاعا عن النفس مثلا من قبل الشرطة، ولا كانت نتيجة مشاجرة أفضت إلى موت أحد المتشاجرين، وكانت حسب إجماع الشهود، عقابا للشاب بسبب اعتراضه على معاملة الشرطي المهينة له. عوقب بالسب والضرب وأقصى درجات العنف وإهدار الكرامة والإذلال. لم تسعفه توسلاته ولا محاولات الأهل ولا الأصدقاء والمارة إنقاذه وتخليصه من براثن تلك الوحوش الآدمية. وتكسرت جمجمته وتحطمت عظام رأسه. وبعد عشرين دقيقة من العدوان المتواصل أسلم الروح، فأُخِذ إلى قسم الشرطة، وأعيدت جثته لتلقى أمام المقهى الذي كان يجلس فيه. وما هي إلا برهة حتى صدر بيان من وزارة الداخلية للتغطية على الجريمة، معلنا دون تحقيق أو تحر أن موت خالد سعيد حدث نتيجة تعاطيه لفافة مخدرة. وأن الوفاة جاءت نتيجة (اسفكسيا) الخنق لانسداد القصبة الهوائية باللفافة المُبتلعة. لغة احتراف نظرا لتوالي اقتراف الجرائم والاعتياد عليها. وأضاف التقرير أن الضحية كان مطلوبا لتنفيذ أحكام بالحبس في قضيتي سرقة، وفي أخرى لحيازته سلاحا أبيض،والادعاء بأنه سبق وضبط في أربع قضايا سرقات وحيازة سلاح. وهكذا تغطى وتطمس جرائم الشرطة والأمن. وحتى لو كان ذلك صحيحا، وهو ما نفاه إجماع الشهود. لماذا كل ذلك الإمعان في القتل والسحل والتمثيل بالجثة؟ ولا يجب أن يتصور أحد أن الحادث تم بعيدا عن السياق المعتاد في حوادث أخرى شبيهة ومتكررة. حدث نفس الشيء لمواطن اسمه صابر عبد السميع، في نهاية العقد السادس من العمر. عُذب وسُحل وقُتل في قسم أول مدينة نصر بالقاهرة. وجريمته أنه اعترض على إزالة كشك صغير يملكه. يكسب منه رزقه، ويساعده في تدبير أمور حياته وحياة أسرته وأولاده، ويعينه على تغطية نفقات علاجه من الأمراض المستوطنة في جسده. (انظر صحيفة الشروق المصرية عدد الأربعاء الماضي). والتعذيب أو السحل لم يعد كافيا كوسائل معتمدة لدى أجهزة الأمن والشرطة، فما زال سكان منطقة العمرانية بالجيزة يعيشون مأساة ما حدث لواحد منهم. دفع حياته ثمنا لرفضه ابتزاز الشرطة، ولما لم يدفع ما طلبوه من إتاوة ما كان منهم إلا أن حضروا إلى مسكنه، وكانوا أربعة، انهالوا عليه ضربا، وبعد أن أصابوه إصابات بالغة وأفقدوه الوعي ألقوا به من الدور الرابع. فسقط صريعا ولفظ أنفاسه في الحال. هذا الإجرام الرسمي لا يستثني أحدا. طال الجميع، في القاهرة والإسكندرية والبحيرة والمنصورة والفيوم وكفر الشيخ والمحلة الكبرىوسيناء وباقي المدن والمحافظات. عُذب الفلاحون ومات بعض من رفضوا ترك الأرض للاقطاع العائد بحماية قوات الأمن والشرطة. سُحل القضاة وتم الاعتداء عليهم. انتهكت الأعراض في يوم الأربعاء الأسود في 25 أيار/مايو 2005. ذلك الشيطان المتخفي في زي الشرطة والأمن وجد في خدمته قانون طوارئ يكفل له الحماية والعصمة. ومن جهة أخرى لم يعد القتل والتعذيب والسحل والاختطاف قاصرا على جهاز أمن الدولة. أصبح مشاعا ومنتشرا بين أجهزة وزارة الداخلية الأخرى، وأضحى سبيلا للثروات الطائلة، وطريقا لاعتلاء عروش امبراطوريات مالية بنيت بالابتزاز وتجارة المخدرات والأعراض والتجارة مع شركات صهيونية، وملكية وسائل النقل الخفيف، فامبراطورية 'عفاريت الأسفلت'، امبراطورية ملاك الميكروباصات. وأغلبهم ضباط أمن وأمناء شرطة. يسخرون لإدارتها البلطجية وأرباب السوابق وعتاة المجرمين، وبسطوتهم احتلت مصر المكان الأعلى في عدد ضحايا حوادث الطرق والسيارات في العالم، ومنذ شهور عاش سكان حي المهندسين الراقي صدمة زلزلت الحي. يذكرون وكيل وزارة الثقافة الأسبق، الذي دهسه ميكروباص، بناء على أمر صاحبه للسائق، لمجرد أنه لم يقبل احتجاج وكيل الوزارة على ما جرى لسيارته التي صدمها الميكروباص، ونفذ السائق أمر سيده وسوى جثة الضحية بالأرض أمام أعين الركاب والمارة!!. لا يخلو بيت في مصر من ضحية أو أكثر من ضحايا أجهزة الأمن. ولا بد لهذا الكابوس أن ينزاح، وحان وقت ارتفاع صوت الضحايا وذويهم، وهم يُقَدرون بمئات الآلاف، ولا بد من مخرج لوقف القتل المستمر والمنظم للأبرياء. وأصبحت الحاجة ماسة لتأسيس هيئة تتولى حصر الضحايا والتعرف على حجمهم بالضبط، وتساعدهم على التنظيم وبلورة مطالبهم والخروج إلى الشارع احتجاجا على ما أصابهم وما أصاب ذويهم، وهذه بداية صحيحة تكشف للرأي العام حجم المصائب والأضرار التي لحقت بالناس، والسكوت عن الجريمة هو جريمة في حد ذاته. ويُكوّن الضحايا أنفسهم هذه الهيئة. بما يملكون من إمكانيات وخبرات في كافة المجالات، وتضع الهيئة خطة قانونية واجتماعية وإنسانية للمواجهة، ويبدأ حصرهم بمن ألقي القبض عليهم وحبسهم عشوائيا من الطرق العامة وفي داخل الأقسام والمراكز، ومعهم من تعرضوا لانتزاع الأقوال والاعترافات تحت وطأة التعذيب البدني والنفسي، وحصر ذوي القتلى الذين راحوا ضحايا شهوة القتل والسادية العامة الشائعة بين أجهزة الأمن والشرطة. على أن تضم القائمة الذين تعرضوا للترويع من النساء والأطفال والكهول، وكل من أخذ رهينة، خاصة الزوجات والفتيات والأطفال ضغطا على ذويهم للاستسلام أو لانتزاع الاعترافات تحت التهديد، وكذلك من تعرض للاعتقال المفتوح دون سند من القانون، ومن صدرت ضدهم أحكام واستمر اعتقالهم بعد قضاء مدد العقوبة. وكل من انتهك عرضه.. رجلا كان أو إمرأة.. داخل مراكز وأقسام الشرطة وفي الطرق العامة، وسجلات الفضائيات والنشطاء تحوي كثيرا من تلك الحالات. ويجب أن يشمل الحصر كل قاض تم سحله واعتدي عليه وأُهدرت كرامته ونكل به. وكل من منع من السفر دون وجه حق، ومن تم وضع اسمه على قوائم ترقب الوصول، ويذوق الأمرين في المطارات ومنافذ الحدود. وكل بريء لفقت له تهمة. وكذلك ضحايا تزوير الانتخابات، ومن اعتُدي عليه من قبل الشرطة أو منعه الأمن من الإدلاء بصوته أو من لم يُمكّن من الوصول إلى لجان التصويت. وكذا كل من خضع للابتزاز وفرضت عليه الإتاوات من قبل الضباط وأمناء الشرطة، وكل من سطا منهم على المال العام والخاص، والقصص في هذا المجال لا تصدق. ومن ساهم في ملاحقة النقابيين.. عمالا ومهندسين وتجاريين وصيادلة وأطباء وأكاديميين وقضاة.. وكل من زور تقريرا وزيف معلومة لذلك الغرض. ومن دست عليه مخدرات أو أسلحة بيضاء ونارية زورا وبهتانا. ولا يجب نسيان ضحايا سيناء، القتلى والمصابين والهاربين، ومن هدمت منازلهم ومساكنهم وأتلفت مزارعهم. وضحايا الرشاوى المالية والعينية المقررة على أصحاب المتاجر والمطاعم والمزارع ووسائل النقل الخفيف والثقيل. وضحايا شرطة المرور والنقل والمرافق والكهرباء والاتصالات. وكل من ساند البلطجة ومافيا السياسة والمال. وحصر كل رجل شرطة أذل مواطنا ومكن الاقطاع العائد من النيل من الفلاحين، ووفر الحماية للمحتكرين والرأسماليين ومساعدتهم في طرد العمال وتبديد الأصول المالية والاقتصادية للمجتمع، وضحايا الاضرابات والاعتصامات، خاصة ضحايا وشهداء المحلة الكبرى، الذين سقطوا في 6 نيسان/ابريل 2008. ولا يجب إغفال كم الضحايا العرب، فلسطينيين ولبنانيين وأردنيين، وضحايا اللاجئين السودانيين الجنوبيين الذين قتلوا بالماء المغلي في أكبر ميادين حي المهندسين عند الفجر من سنوات. وفوق كل هذا وذاك لا يجب التغاضي عن المتعاملين من الشرطة ورجال الأمن مع الدولة الصهيونية، ولا الذين شاركوا منهم في حصار غزة واعتدوا على كرامة الساعين لكسر الحصار وتقديم المساعدة للمحاصرين، وبعد اتمام الحصر فسوف نجد قائمة من اكثر قوائم التاريخ سواد. وبعدها يتم الاستماع لشهادات الضحايا وذويهم، وعن نفسي أعلن استعدادي لتقديم أقصى ما استطيع لاتمام هذا الحصر والإدلاء بشهادتي عما عايشت وشاهدت وفيه كثير مما يمكن أن يقال ويفيد المتصدين لهذه المسؤولية. إنها ساعة للعمل لوقف الموت المجاني الذي يتعرض له المصريون، بتعليمات حسني مبارك ومشاركة عائلته ومعهم حبيب العادلي، الذي لم تشهد مصر عصرا أسوأ من عصره، ومعه مساعدوه. وهذا نداء إلى من يهمه الأمر للتعجيل بهذه المبادرة، من أجل تفادي ما هو قادم ومتوقع من هول. فلم يبق أمام المصريين إلا الثأر والمواجهة المباشرة، وهذا يجر على البلاد والمواطنين ويلات ورزايا لا يعلمها إلا الله. إن ضحايا الأمن والشرطة وقانون الطوارئ فاقوا ضحايا حروب مصر العسكرية مع الدولة الصهيونية. ومن الضروري وقف المذبحة المستمرة على مدى ثلاثين عاما وهذه مسؤوليتنا جميعا. ' كاتب من مصر يقيم في لندن