بعد أن فتح الإسلام بلادنا وحررها من احتلال الخواجات الذي دام أكثر من 1000 عاما . وقام بتوحيدنا وصهرنا معا ، وأعاد إنتاجنا أمة عربية إسلامية واحدة . عشنا حوالى أربعة قرون ، فى أمان بعيدا عن خطر الخواجات وغزواتهم وشرورهم . ولكنهم للأسف لم يتركونا فى حالنا ، ولم يعترفوا أبدا بأن هذه أرضنا نحن . ففى عام 1095 ، قام خواجة من البر الثاني هو البابا أربان الثاني بالدعوة الى مؤتمر حاشد فى مدينة كليرمونت بجنوب فرنسا ، ، حضره جمع غفير من الأساقفة ورجال الدين والأمراء والإقطاعيين وألقى فيهم خطبة عصماء ، خلاصتها أن الرب يريد تحرير ارض السيد المسيح وقبره فى فلسطين من الكفار . فما كان من المحتشدين ، إلا أن هتفوا وراءه : " الرب يريدها ، الرب يريدها " وهى الصيحة التى أصبحت فيما بعد هى الشعار الرسمي للحملات الصليبية . ثم انصرف الحاضرين كل الى حال سبيله ، ليعد نفسه للحملة المقدسة . وفى 1096 انطلقت الحملة الصليبية الأولى وقامت باغتصاب أول إمارة إسلامية , هى إمارة الرها على الحدود الحالية بين العراق وتركيا ، ثم اغتصبت أنطاكية عام 1098، ثم اغتصبت القدس عام 1099 وكان ذلك يوم 15 يوليو . مكث الخواجات الفرنجة الصليبيون ، فى أراضينا ما يقرب من مائتي عام : من 1096 حتى 1291 م . وحققوا انتصارات سهلة فى البداية بسبب حالة الانقسام والتفتت التى سادت أمتنا فى ذلك الوقت ، بين الدولة العباسية فى العراق والفاطمية فى مصر , وعشرات الإمارات المتصارعة المتنافسة على امتداد ارض الوطن . و تحت تأثير الصدمة ، بدأت حركة المقاومة العربية الإسلامية تتبلور شيئا فشيئا ، فنجح الجيل الأول منها بقيادة عماد الدين زنكي فى توحيد الموصل وحلب وحماة وحمص ، ليتمكن من تحرير إمارة الرها عاما 1144 م . ثم نجح الجيل الثاني بقيادة نور الدين محمود فى ضم دمشق أيضا الى دولة الوحدة الجديدة عام 1154 م ، لتتوحد الجبهة الشمالية تحت قيادته كحائط صد منيع ضد الصليبيين . ثم جاء الجيل الثالث بقيادة صلاح الدين الايوبى ، الذي استكمل عملية التوحيد بضم مصر وسوريا والعراق ، مما مكنه من توجيه ضربة قاصمة لجيوش العدو فى معركة حطين فى 4 يوليو عام 1187 ، ثم تحرير القدس واستردادها ، فى 27 سبتمبر من عام نفس العام . بعد حوالي 90 عاما من الأسر . وكانت هذه هى الضربة الرئيسة التي كسرت شوكة المشروع الصليبي ، ولتتوالى بعد ذلك معارك التحرير : • فيحرر الظاهر بيبرس قيسارية وأرسوف وصفد ويافا وأنطاكية فى الأعوام 1265 1268 م • ويحرر المنصور قلاوون اللاذقية وطرابلس وبيروت وجبلة فى الأعوام 1285 1289م • وأخيرا ينجح الأشرف خليل بن المنصور عام 1291 ، فى تحرير عكا بعد أسر دام 103 سنة ، وكانت هى الإمارة الصليبية الأخيرة . • وتتطهر بلادنا تماما من آخر خواجة . * * * مصر و الخواجات : قبل أن نغادر حكاية الحروب الصليبية ، يجب أن نتوقف عند حكايتهم مع مصر . ففي عام 1248 جمع الخواجة لويس التاسع ملك فرنسا ، مستشاريه ورجال بلاطه ، وسألهم عن أسباب تعثر الحملات الصليبية في الشرق رغم مرور أكثر من 150 عاما على بدايتها . وبعد البحث والدراسة والتشاور ، توصلوا إلى أن " مصر هي السبب " : فهي الصخرة التي كانت تتكسر عليها دائما موجات التوسع الصليبية ، وهى التي قادت تحرير القدس مرتين ، مرة عام 1187 بقيادة صلاح الدين والمرة الثانية عام 1244 بقيادة الصالح نجم الدين أيوب . كما توصلوا إلى أن الحملات الصليبية الأولى ارتكبت خطأً استراتيجيا كبيرا ، هو اقتحامها للمنطقة من الشرق لتكتشف بعد استيلائها على معظم ساحل الشام ، أن العقدة الرئيسية فى مصر ، وإنها الحصن الأكثر مناعة . فما كان من لويس التاسع بعد أن استمع إلى مستشاريه ، إلا أن نظم حملة جديدة موجهة مباشرة إلى مصر ، مصححا بذلك الخطأ الذي وقعت فيه الحملات السابقة . وكانت هذه هي الحملة السابعة . وبالفعل ، وصل إلى سواحل دمياط عام 1249 م وبعد عدة شهور من المعارك ، هُزِمَ هزيمة قاسية ، وتم أسره في دار ابن لقمان ، وافتدى نفسه بمال كثير ، وعند خروجه من مصر أصدر تصريحه الشهير أن الشرق قد ضاع الى الأبد ، وانه لم يعد من الممكن الاستيلاء على هذه البلاد ، فلقد أصبحت ملكا للعرب والمسلمين . وبعدها حاول لويس أن يقوم بمغامرة جديدة في تونس ، وكانت حملة ضعيفة سميت بالحملة الثامنة ، ومات هناك . * * * انتهت حكايتنا الثانية مع الخواجات ، ويمكننا أن نبلور أهم دروسها في الآتي : 1) لم يكف الخواجات أبدا عن الطمع فى أوطاننا ، والتربص بها . 2) مثلت الحروب الصليبية اختبارا حقيقيا لاختصاصنا بهذه الأرض ، وهو الاختبار الذى نجحنا فيه بجدارة ، وخرجنا منه والعالم أجمع يعلم ان هذه الديار لنا . 3) تأكد للمرة الثانية أن استقلالنا يكمن فى وحدتنا ، فالانتصارات الأولى للحملات الصليبية نجحت بسبب الانقسام والتشرذم العربي والاسلامى ، ولم ننتصر عليهم إلا بعد أن توحدنا . وهو نفس درس التاريخ الذي تعلمناه من حكايتنا الأولى قبل الميلاد ، وقبل الفتح الاسلامى . 4) تعلم الخواجات حقيقة هامة ستظهر آثارها في العصر الحديث ، وهى أن كسر شوكة مصر وفصلها عن الأمة هو الطريق الوحيد لإخضاع كل منهما . * * * * *