لم يكن الكلام والكتابة والحوار والحديث عن التغيير مفاجأة غير متوقعة فى الآونة الأخيرة فهو كلام وحديث وحوار منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولكنه كان هامساً وغير معلن ربما بسبب الخوف أو انتظار أن يأتى الوضع الحالى أو الاستقرار بالرخاء والرفاهية ، ولكن عندما تبين أن الانتظار والاستقرار لم يأتيا بما هو متوقع من التحول إلى مصاف الدول التى انتقلت من التخلف إلى التقدم والذى مللنا من ذكرها ... فقد كان الصوت العالى المطالب بالتغيير من قبل العديد من كل الناس على اختلاف مستوياتهم وانتمائتهم ، وبالتالى لا اختلاف على التغيير بين الجميع من هم فى جانب الحكم ومن هم فى غير جانبه . إلا أن الفرق الوحيد بين الجانبين هو أن التغيير من وجهة نظر من هم فى الحكم يعنى تغييراً فى الطرق والأساليب والأدوات ، وليس تغييراً لا فى النظام الأساسى ولا فى القيادات ... أما التغيير من وجهة نظر الجانب الآخر فهو أن يكون التغيير فى النظام الأساسى والقيادات ، وهو ما يستلزم تغييراً فى قواعد الاختيار بما يسمح بتوسيع البدائل والفرص وتداول السلطة . لذلك فالأمر محدد ومحصور تماماً بين وجهتى نظر الأولى وتمثل الحكم ، والثانية للجانب الآخر المعارضة. من فى الحكم يرون ِأن تغيير النظام الأساسى ( الدستور ) والقيادات ، وقواعد الاختيار بما يسمح بتداول السلطة لن يؤدى إلى تحقيق الهدف من التغيير الذى هو التحول النوعى للانتقال إلى مصاف الدول التى كنا نسبقها منذ ثلاثة عقود وأصبحت تسبقنا بعشرة عقود إن لم يكن أكثر ، لأن جوهر المشاكل اقتصادى وليس سياسى... ومن هم فى المعارضة يرون أنه لا تغيير نحو الأفضل ولا حدوث للتحول النوعى للوقوف فى مصاف الدول التى أحدثت التحول إلا بإصلاح سياسى يقوم على وضع نظام أساسى جديد ( دستور ) أو على الأقل تغيير القواعد التى تسمح بتوسيع قاعدة الاختيار وتعدد البدائل وبما يتيح تداول السلطة . وإلى هنا كل الأمور واضحة تماماً ، ولزيادة الإيضاح فوجهة النظر الأولى ، وهى أن المشكلة فى الطرق والأساليب والأدوات وصعوبة إيجاد المناسب منها لثقافة الناس ، وليست لا فى النظام ولا فى القيادات ، وبالطبع هذه هى وجهة نظر من فى الحكم .. ووجهة النظر الثانية هى أن المشكلة فى أن النظام الأساسى وقواعد وسياسات الحكم التى تؤدى إلى الجمود وافتقاد الإبداع الاجتماعى نتيجة بقاء القيادات لعقود طويلة فى مناصبها دون تجديد أو تداول للسلطة . ---------------------------------------------------------------- التعاليق : 1 - الكاتب : بلحسن محمد صباح الخير, أولا و قبل كل شيء شكرا جزيلا لكاتب المقال خصوصا على هذه المبادرة القيمة التي تتيح فتح النقاش حول ما ورد بداخلها من معلومات و افكار و توصيات خصوصا بهذه البوابة الكريمة. إنها بادرة حسنة لتفعيل التغيير في العقليات و في الممارسة خدمة للبلاد و للعباد، أنا شخصيا لا أرى وجود علاقة مباشرة بين الجمود و فقدان الإبداع ببقاء القيادات لعقود طويلة... بل أرى العكس: أرى أن عدم الرضي و "لفقصة" و "لغدايد" و الأرق و الحزن و الكآبة من حين إلى حين هو الذي يولد و يطور مستوى الإبداع الحقيقي و يمهد للتغيير الجدي النافع و مع الوقت تبرز كفاءات جديدة و زعامات حقيقية قادرة أن تأخذ بزمام الأمور في تدبير الشأن العام و أن تترجم الخطابات الملكية السامية إلى برامج عمل قابلة للتنفيذ بأهداف محددة و واضحة و باليات التنفيذ مناسبة و بالإخلاص في العمل بعيدا عن الظلم و التبذير و "الرشوة الضارة الموجعة" . سأحاول أن أكون أكثر وضوحا مركزا على جانب واحد فقط: "الرشوة الضارة الموجعة" أريدها كلمة واحدة حتى أكون دقيقا في التعبير نظرا لكون الرشوة متفشية في جميع دول العالم بما في ذلك الدول المتقدمة حيث أوضحت الدراسات بأنها لم تكن يوما من الأيام حاجزا أمام تحقيق التقدم الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي. أنا مقتنع بضرورية محاربة "الرشوة الضارة الموجعة" التي تولد الإحباط إلى درجة الخوف من سكتة قلبية قاتلة . أما "الرشوة العادية" فيجب اعتبارها مكون اساسي في المجتمع يدخل في خانة التضامن الاجتماعي... أقف عند هذا الحد و مرحبا بانتقاداتكم البناءة و الغير بناءة..