* ذات عبارة قالها دافنتشي: "افتحوا عيونكم أيها البشر... " أي " اقرءوا" في حالة تحرير هذه المقولة.. إننا حين نقرأ فإن آفاقاً عريضة ومتعددة وأبعاداً جديدة تنفتح أمامنا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموقف واستعداد القارئ المسبقين. إنها تخضع لتوجهاته الاجتماعية والإيديولوجية والثقافية وهو شاء أم أبى، فإن له أكثر من خيار. ففضلاً عن تأهيله المعرفي هناك قضايا أخرى تبرز أمامه مثل القضايا اللغوية, وقضايا النظرية الأدبية على سبيل المثال، والتي لا مناص ولا منأى له من التعرض لها، الأمر الذي يجعل من القراءة فعلاً مسؤولاً والتزاماً وليس مجرد استهلاك سلبي. * إن قراءة النص على تعدد أشكاله ليست مجرد تلك العلاقة الثنائية القائمة بين النص وقارئه فقط. - القارئ منتج يقوم بإنتاج للمعنى، أو بمعنى أعمق يقوم باستجلاب أو استحضار المعنى الكامن خارج إطار النص. - إن القراءة بحد ذاتها تشكل نوعاً من النشاط الفيزيائي والمعنوي في نفس الوقت، كما أنها تشكل فعل التزام مؤقت.. وإذا كان النص مفروضاً من قبل التزام قبلي، فإن القراءة في هذه الحالة تشكل نوعاً من توطيد أو تبرير أو تعميق هذا الالتزام. وهي قبل كل شيء عملية تبادل بين القارئ والمؤلف، سيان تعلق الأمر بقصة أو رواية أو قصيدة. إن القارئ هو من يخرج النص من الظل، ليبعث فيه النور والحياة وبالمقابل فإن المؤلف أو النص يسلّم أسراره للقارئ. كل هذا يتعلق بطبيعة القراءة نتيجة وجود نوعين منها، كما يقول رولان بارت : "تهتم الأولى بشكل النص وتتجاهل ألاعيب اللغة.. أما الثانية، فهي قراءة تمارس بمثابرة وحدّة". هناك إذن قراءة لمجرد الاستهلاك: قراءة استهلاكية وأخرى مسؤولة، تعيد ترتيب النص وتنظيمه قراءة طموحة تحترم تفاصيله، الأولى تفرض نفسها على أي نص كان أما الثانية فهي تهتم بدرجة الثقة التي يتوجب عليها إقامتها مع النص. وتنشأ قضية الثقة هذه من طبيعة العلاقة القائمة بين المؤلف "الكاتب" وبين المتلقي للنص على اعتبار أن هذين الأخيرين يشكلان إحدى وظائف السرد والكتابة وما أن يتصل قطبا الاتصال هذين ببعضهما بعضاً حتى تتحقق الوظيفة الافهامية لعملية الاتصال، عند ذلك فقط يمكننا القول أننا قد توصلنا إلى أولى مراحل الثقة المتبادلة بين النص وبين الكاتب.. وتسبق هذه المرحلة مرحلة أخرى هي مرحلة الاقتراب أي قبول القارئ للنص وسندعوها بمرحلة القراءة الخارجية أو قراءة الدال التي يتم خلالها قياس المسافة الفاصلة بين القارئ وبين النص. يبدو أن حل هذه المشكلة لا يقودنا بالضرورة إلى فهم النص, لأنه يتوجب علينا قبل ذلك المرور بالشق الثاني للقراءة، قراءة المدلول وقراءة الدال هي اقتراب تعرفي، حيث يمر القارئ بمرحلة اللادلالة إلى مرحلة الانسجام والدلالة ومن اللاشكل إلى الشكل، من الفارغ إلى الملآن ومن الغياب إلى الحضور حضور اللغة التنظيمية وحضور الروح في الشكل, كما يقول جان روسيه، اللادلالة، الغياب.. الخ. كلها مزايا تتعلق بالقارئ وليس بالنص إذ ما يحقق انسجام الدلالات التي يتحدث عنها روسية هو بالضبط ذلك التماس الحاصل بين النص وبين قارئه كما نقصد بقراءة الدال Signifiant أيضا قراءة الشكل الأمر الذي يؤدي إلى طرح السؤال التالي :إلى أي مدى يمكن للترجمة أن تؤثر في شكل النص المراد قراءته؟ لاشك أن أي نص مترجم يفقد خلال الترجمة علاقاته التركيبية Syntaxiques لأن النظام اللغوي للغة ما لا يتشابه بالضرورة مع النظام اللغوي للغة أخرى وقضية الترجمة التي تحدث عنها الجاحظ قديماً هي نفسها التي مازالت حارة إلى يومنا هذا.