لم تصدمنا مشاركة بعض رموز "الجمعية الوطنية للتغير" في مؤتمر تغيير مصر الذي عقدته عدة منظمات أمريكية—وعلى رأسها ما يسمى "بتحالف المصريين الأمريكيين"—في مدينة نيويورك، لأننا نعلم جيدا رهان هذه الرموز على التدخل الأمريكي لحل مشكلات مصر، بقدر ما صدمنا تبرير بعض النشطاء الذين لم يشاركوا في مؤتمر العار هذا للمشاركة فيه وتأيدهم العاطفي لها. فمنذ اللحظة الأولى لتصدي بعض النشطاء لهذا المؤتمر، خرجوا علينا مدافعين عنه بحجج واهية أقرب للكليشيهات الفارغة، منها: • لا نرى أية مشكلة في زيارة رموز التغيير في مصر للمصريين بالخارج ومشاركتهم بعض فعاليتهم السياسية. • أن الذين ينتقدون المشاركة في المؤتمر "يخونون الناس عمال على بطال،" • أن كل المشاركين من المحترمين الذين لا يوجد غبار عليهم • ويمكن إختصار اعتراضاتهم هذه في عبارتهم المفضلة "فكفاية تخوين." هذه الكليشيهات مبنية على مغلطات كثيرة وخطيرة للغاية، أقل ما يقال فيها انها في النهاية انما تطبع نوع خطير جدا من العمالة للإمبريالية كنا نغي مخاطره ونناهضه بشده حتى وقت قريب. وهذا هو التغيير الذي يحدث بالفعل في مصر منذ سطوع شمس ما تسمى "بالجمعية الوطنية للتغيير": تغيير الناس وتحويلهم الى كتلة تسعد بالإستعمار وتعتمد عليه في تحقيق آمالها وتتغنى بإنجازاته، لا تغيير النظام كما يدعون. فهذا ما يحدث بالفعل على الأرض بغض النظر عن نوايا أعضاء الجمعية أو خلفية رموزها. والمدافعين عن هذا المؤتمر وما صاحبه من أفعال مشبوهة إنما يلبسون الباطل بالحق ويتحملون مسؤولية هذا التدليس بشكل مباشر سواء نتج هذا عن حسن نية أم غير ذلك. فكل ما ورد في رسائلهم للدفاع عن المشاركة في المؤتمر باطل بين لا يقنع طفلا-وكما أكدت من قبل، النوايا لا تهم في هذه الحالة، فلا يهمني أنا شخصيا ان كان السبب في هذا التدليس هو العمالة المباشرة أو حسن نية مبني على الجهل بما يحدث، فالضرر يستوي في الحالتين! واليكم بعض أهم الملاحظات التي تعمد المدافعون عن المؤتمر تجاهلها بإصرارهم علي الرد بكليشيهات من نوعية "كفاية بقى تخوين" وهي كليشيهات لا تقدم أي شيء سوى تسويق عدم الرد على ما يتم طرحة على انه رد ودائما ما ترد على أصحابها. 1- تصف مقالات الدفاع عن المؤتمر المجموعة التي دعت له ونظمته ب "مصريون مقيمون في الخارج" وهذا الوصف غير دقيق على الإطلاق، فالذي دعا لهذا المؤتمر هو تحالف "المصريين الأمريكيين" كما يسمون هم أنفسهم بالإنجليزية (Egyptian Americans). وهذا يعني انهم يقدمون أنفسهم على أنهم أمريكيون من أصول مصرية. (راجع موقعهم هنا) وأنا شخصيل لا أمانع ان يتجنس المصريون بالخارج بجنسية وطنهم الجديد، لكن هذا يضيف للموضوع إشكاليات جديدة يتجاهلها كل من يدافع عن هذا المؤتمر، منها على سبيل المثال ماذا نفعل إذا تبين ان بعضهم يعمل بأجهزة المخابرات الأمريكية ويجهر بذلك على أساس انه لا عيب في ذلك لكونة مواطنا أمريكيا؟ 2- نقلت صحيفة "الدستور" المصرية (وهي صحيفة برادعاوية صرف تتستر بشكل فج على كل خطايا هذا التيار) عن محمود الشاذلي (رئيس تحالف "المصريين الأمريكيين" في دورته الحالية) "إن التحالف منظمة أمريكية، وأعضاءه مواطنون أمريكيون، وهم غير راضين عن استمرار تضامن الرئيس أوباما مع النظام المصري رغم تمديد الطوارئ." (المصدر هنا) . وهو ما يؤكد على أن الهوية الأمريكية للتحالف هي الأساس وأنهم يريدون تغيير سياسة رئيسهم أوباما تجاه مصر، واستخدامها أو توظيفها في تغيير مصر. ولا يوجد أي شيء جديد في ذلك، فأمريكا تحتضن بالفعل لوبيات عديدة من الأمريكيين من ذوي الأصول المختلفة منها ما يعمل لصالح الولاياتالمتحدة ضد وطنه القديم (مثل اللوبي الكوبي والللوبي الإيراني) ومنها من يعمل لصالح وطنة غير الأمريكي وأشهرها اللوبي الإسرائيلي. 3- وفي نفس السياق نقلت صحيفة "المصري اليوم" عن الدكتور يحي الجمل-أحد أهم رموز الوفد المصري (غير الأمريكي) المشارك في المؤتمر- قوله "إنه ليس من حق أى فرد فى السلطة بالقاهرة، أن ينتقد تصرفات المنظمات المصرية الأمريكية تجاه سياسات الحكومة المصرية، لافتا إلى أن أعضاء التحالف المصرى الأمريكى هم أمريكيون ومن حقهم انتقاد أوباما وسياساته." (المصدر هنا). وهذا يؤكد على الشيء نفسه: توظيف الإدارة الأمريكية في التغيير من قبل أمريكان من أصول مصرية، ويفترض ان علينا ان نقبل هذا التوظيف على أساس أن التحالف المذكور هو تحالف أمريكي بالأساس، وعليه وجب علينا عدم الإعتراض على سياساته تجاه سياسة واشنطن تجاه مصر (أنظر اللفة!!). كما تكشف مقولته قبول الوفد المصري لهذا الضغط (ان لم يكن الاعتماد عليه) بسبب هذه اللفة العقيمة، والتي لا تنطلي على طفل صغير. 4- وفي الوقت ذاته لم ينتقد هذا التحالف الذي يفترض انه مصري ومحترم ويمثل تطلعات المصريين في التغيير (كما يدعون) سياسة رئيسه أوباما في العراق أو لبنان أو في فلسطين أو تجديد العقوبات على سوريا أو سعيه لتقسيم السودان وتجديد العقوبات عليها؛ ولم يعقد مقابلات مع أيا من رموز المقاومة في فلسطين أو لبنان أو العراق الخ (كما فعل جيمي كارتر على سبيل المثال)، أو حتي مؤتمرات مثيلة لمناهضة ضغط رئيسهم أوباما على مبارك لإنشاء الجدار الفولاذي، بل واشراف أمريكا على إنشائه، وهو شأن مصري صميم أدفع به للرد على من سيقولون "ومالنا احنا ومال لبنان او سوريا" (وهذا على سبيل المثال لا حصر، فحصر ما كان يجب عليهم القيام به من فعاليات سياسية لو كانوا مصريين محترمين بالشكل الذي يقدمون له يطول جدا). 5- وطبقا للصحف رتب هذا التحالف بالفعل لمقابلة بين وفد يضم "المستشار محمود الخضيرى، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، والدكتور أسامة الغزالى حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، وجورج إسحاق، منسق حركة كفاية (وهذه الصفة غير صحيحة، لكن ما علينا)، مع ميشيل دن، المستشارة السابقة لشؤون الشرق الأوسط ومصر بالبيت الأبيض" (المصدر هنا). هذا بالإضافة للشخصيات الأمريكية الأخرى التي لم ترد بالصحف. 6- يعني هذا ان تحالفهم "المحترم" لم يكن يعمل على وصل حركة التغيير "بالمصريين المقيمين في الخارج" كما ورد في ردكم، ولكنه عمل أيضا على وصلها بدوائر صناعة القرار في واشنطن وذلك من أجل قضية التغيير كما يتوهمون هم. 7- لسبب ما تعففت معظم الصحف عن تغطية ما حدث في المؤتمر وتفاصيل الكلمات التي القاها المتحدثون، وهذا التعتيم في حد ذاته مريب، لكن لسؤ حظهم خرجت بعض التفاصيل للنور بالفعل، ومنها ما تردد عن ان الدكتور حسن نافعة ثمن الدور الدولي في التغيير ولفت الأنظار للدور الإيجابي الذي لعبه تدخل جورج بوش في شؤون مصر في عام 2005. وهذا ليس غريبا على الدكتور حسن نافعة الذي يمتهن الآن تسمية التدخل الأمريكي بالعنصر الدولي، وكأن موزمبيق تستطيع الضغط على النظام المصري ليصبح أكثر ديموقراطية! 8- تخطى الدكتور سعد الدين إبراهيم--وموسسته عضوة في تحالف المصريين الأمريكان الذي تروجون له وكان من الذين جهزوا لهذه الرحلة ومن الذين حضروا المؤتمر-- تخطى حاجة الدكتور حسن نافعة لتزيين الأمور لأسباب كلنا نعرفها وصرح لصحيفة وول ستريت جورنال بشكل فج إن النشطاء في القاهرة والمدن المصرية الأخرى يشتاقون لدعم بوش لهم (في إشادة لضغط جورج بوش على مبارك في 2005 تماثل تثمين حسن نافعة لنفس الشيء) (المصدر هنا) وهذا في سياق تعليقه على "الزخم" الذي أحدثته رحلة التغيير لأمريكا، والذي ساهم في صنعه! 9-أما الأغرب من ذلك أن يكون أحد أهم المتحدثين للصحف بأسم هذا التحالف من "المصريين بالخارج" هو الدكتور كمال الصاوى، كبير المحللين السياسيين والأمنيين بالمخابرات الحربية الأمريكية سابقا ليؤكد لنا على نضالة ضد ديكتاتورية مبارك (مصدر أول) (مصدر ثاني) هل أصبحنا نقبل ان يمثل حركتنا كبير المحللين السياسيين والأمنيين بالمخابرات الحربية الأمريكية لأنه مصري بالخارج؛ أو نقبل أن نذهب لأمريكا لنثمن تدخلات بوش في مصر لأن أمريكا يقيم بها مصريون؟؟؟؟؟؟ كل ما ذكرته سالفا أجزاء لا تتجزأ من رحلتهم المصونة ولا يمكن إنكارها أو تجاهلها بكليشيهات من نوعية "كفاية تخوين" ولا تختفي لمجرد حسن نوايا بعض المشاركين أو افراطهم في السذاجة. نحن بالفعل أمام حالة يقر فيها الجميع بحق هذا التحالف في توظيف أوباما في تغيير مصر، بل بات من الواضح ان رموز هامة في حركة البرادعي يؤيدون هذا التوجه، ويبررون ذلك على أساس ان هذا التحالف هو أمريكي بالأساس ومن حقه أن يضغط على رئيسه. يقر بذلك التحالف نفسه، كما يقر بذلك الوفد الزائر، وتقر بذلك الصحف ايضا. أو لنقل يقر بذلك الجميع إلا من يبررون الإشتراك في المؤتمر ممن لم يشاركوا فيه! 10- ومن هنا نفهم لماذا ركزت الجمعية ورمزها الرئيسي في شخص الدكتور البرادعي كل هذا التركيز على قضية "المصريين في الخارج.” اليس مريبا أن يقضي الدكتور المحترم في النضال من أجل حق الانتخاب للمصريين في الخارج أضعاف الوقت الذي يقضيه في النضال من أجل حق المصريين في الداخل؟: على الأقل أربعة أضعاف وقته منذ أن بدأ حملته ضاع في هذه القضية! أي تغيير هذا؟ ولماذا لا نركز في حق الإنتخاب للمصريين في الداخل الذي يسرقه مننا نظام مبارك؟ هل توافقون على معادلة خمس الوقت لمصر وأربعة أخماسه للخارج؟ وماذا عن سفر كل هؤلاء النشطاء للولايات المتحدة وتكبد 20،000 جنيه على الأقل لكل رأس فيهم؟ الا يعني ذلك التضحية بإيجار 10 أفرع للجمعية في محافظات مصر لمدة أربعة أعوام (أو 20 على سنتين)! الإجابة على ذلك في رأيي واضحة، وان كنت أتفهم ان يختلف معي البعض في هذا التفسير، فهذا المؤتمر إنما ذريعة لإظهار قوة تأييد المصريين للجمعية في أمريكا من أجل الضغط على أوباما وإقناعة بأن هناك جدوى من رهان أمريكا عليهم لإن أمريكا لا تزال مترددة في دعم البرادعي. 11- الثابت الآن ان هذه الحركة نجحت في سحب حركة التغيير (على الأقل بشكل معنوي) لأمريكا لأول مرة في تاريخ مصر. وأنها نجحت في ترتيب لقاءات مع شخصيات أمريكية ذات وزن في دوائر صنع القرار بحجة مقابلة "المصريين في الخارج" (التي يجب ألا يعارضها أحد)؛ وأنها أقامت ليلة كبيرة (بلغة الموالد) في عقر دار أوباما؛ وأنها تطالب أوباما بالتدخل عن طريق هؤلاء "المصريين بالخارج"؛ وان من رموزها من ثمن تدخلات بوش في 2005 ومنها من أكد على اشتياق المصريين لتدخله؛ وان من رموز هذا المولد "مصري بالخارج" عمل في منصب رفيع بالمخابرات الحربية الأمريكية.....الخ يعود السبب في كل ذلك في رأيي إلى جوهر الجمعية، فلا يوجد أي شيء في جمعية البرادعي ضد التعاون مع من عملوا في المخابرات الأمريكية، أو "الإستقواء بالخارج،" أو الرهان على أمريكا، إلى آخر ذلك مما ورد، ونتذكر جميعا كيف صرح الأستاذ حمدي قنديل"ليس الآن وقت الحديث عن موقف البرادعي من السلام مع إسرائيل" (المصدر هنا) ويعني هذا أن الجمعية بنيت على قبول ان الموقف من إسرائيل هو مجال خلاف مقبول! وهذا يعني ان كل ما حدث في أمريكا لا يتعارض اطلاقا مع خط الجمعية المعلن. لكن الأهم ان الجمعية تشعر بخطورة ما تفعله من أجل نيل رضى أمريكا بحجة "المصريين في الخارج" وعليه أعلنت انها تنوي تحديد موقفها من القضايا الوطنية قريبا، بعد شهور من تعمد إخفائها (المصدر هنا) والنبي سيبونا من الكلام الفارغ بتاع تبرير مثل هذه الخيانة والعمالة البينة بمقولة بالية وتافهة من نوعية: فيها ايه لما يروحوا يقابلوا المصريين بالخارج؛ احنا مش عيال صغيرة 21 مايو 2010