الذي يكرم دلال المغربي يكرم مدينة يافا التي هجرت منها دلال، ويكرم أختها حيفا، والقدس، ويقسم أنه لن يفرط بحق عودة اللاجئين إلى فلسطين التي من أجلها انطلقت دلال المغربي قبل اثنين وثلاثين عاماً. والذي ينقش اسم دلال وإخوانها الأبطال على ميادين الضفة الغربية، كأنه ينحت الثوابت الفلسطينية على صخور الذاكرة التي لا تنمحي، فالذي يكرم دلال المغربي يكرم مدلول المقاومة الفلسطينية، ويحتقر أفكار وزير الأمن الإسرائيلي أهود براك الذي قتلها منتقماً، ثم مثل بجثة الشهيدة أمام وسائل الإعلام. منذ صباح الأربعاء وأنا أتابع الإذاعة العبرية، وألمس التحريض على الاحتفال بافتتاح ميدان الشهيدة دلال المغربي في رام الله، الاحتفال الذي يرعاه رئيس بلدية البيرة الشيخ جمال الطويل، بالتعاون مع التوجيه السياسي، ومحافظة رام الله والبيرة، وقوات الأمن الوطني، بالإضافة إلى جهاز الشرطة، وطلبة الجامعات، والمدارس، والكليات، وعدد من نوادي المدينة، حيث نظموا عملا تطوعياً شارك فيه أكثر من 270 شخصا، أزالوا خلاله الردم من الأراضي المجاورة، استعداداً لافتتاح الميدان. لقد أبدى الإعلام الإسرائيلي اهتماماً واضحاً بالاحتفال، وتابع تفاصيله، واستعرض تاريخ دلال المغربي، وعملها المقاوم، ومدلول التسمية. وللحق؛ فقد سرتْ في جسدي قشعريرة الفخر والاعتزاز بالإنسان الفلسطيني الذي ارتد لأصله المقاوم، وارتدى الكوفية، وسررت أيّما سرور، ورحت أكتب مقالاً للنشر تحت عنوان: أقف احتراماً للسلطة الفلسطينية، وللسيد عباس الذي يناور سياسياً، حين يوافق على مواصلة المفاوضات غير المباشرة رغم تواصل التوسع الاستيطاني، وفي الوقت نفسه يؤسس لوجدان فلسطيني مقاوم من خلال احترام سيرة المقاومين، وتخليد فعلهم، والتمسك بالخط الذي من أجله كانت التضحية. وواصلت مقالي المثمن لموقف السلطة، واعترافي بأن النقد الذي يوجه للسلطة هو نقد ظالم ما دامت للسلطة خطط وطنية بعيدة المدى، وتتحدى الإسرائيليين، وتصر على افتتاح ميدان الشهيدة دلال المغربي رغم التهديد الإسرائيلي، والتهويل الأمريكي. ولكن يا خسارة، لم يطل زمن الفرح، فالخذلان هو سمة السياسيين على أرض فلسطين، ووسائل الإعلام الإسرائيلية تقول: إن السلطة الفلسطينية منعت الاحتفال بافتتاح ميدان الشهيدة دلال المغربي، واستجاب السيد عباس للضغوط الإسرائيلية والأمريكية. ليضاف بذلك ميدان الشهيدة دلال المغربي إلى المفاوضات غير المباشرة التي خضعت فيها السلطة للمشيئة الإسرائيلية، ليضاف ما سبق إلى تأجيل عرض تقرير غولدستون، إلى القفز عن تقرير ريتشارد فولك، إلى أن صار التنازل غصة تتحشرج في صدر كل فلسطيني. وصارت المعادلة الفلسطينيةالجديدة تقول: إذا كان تكريم الشهيدة دلال المغربي تحقيراً لقاتلها أهود باراك، فإن عدم تكريم الشهيدة دلال المغربي لهو تكريم لأهود باراك، بل وإعادة الاعتبار إلى أسلوبه الإرهابي، الذي تغذى على نهج الانتقام اليهودي.