في منتصف الشهر الماضي، وتحديداً في ذكرى النكبة نظم مركز العودة الفلسطيني ومقره لندن بالتعاون مع الجالية الفلسطينية في المانيا مؤتمراً حاشداً في مدينة برلين شاركت فيه فعاليات فلسطينية كبيرة، كان أبرزها ممثلو الجاليات الفلسطينية في أوروبا، إضافة إلى شحصيات فلسطينية بارزة من مختلف مناطق الشتات وفلسطينالمحتلة. في الختام خرج المؤتمرون بما عرف بوثيقة برلين للتمسك بحق العودة، والتي كان جوهرها هو رفض كل الحلول والمبادرات التي تتنازل عن حقهم في العودة إلى وطنهم، على اعتبار أن حق العودة حق فردي لا يحق لأي أحد أن ينوب عن صاحبه في تقريره. كما رفض المؤتمرون أية صيغ تحاول الالتفاف على ذلك الحق مثل تلك التي كثيراً ما يجري تداولها في أروقة التفاوض أو في الحوارات الخاصة بين فعاليات فلسطينية وإسرائيلية أو يهودية برعاية دولية، سواء خرجت بوثائق مثل وثيقة جنيف أم بقيت مجرد اقتراحات برسم التداول. في الوثيقة كلام كثير حول مسألة حق العودة وتفعيل مختلف أشكال النضال الفلسطيني بهدف عدم السماح لأي أحد بالاعتداء على حق الفلسطيني في العودة إلى وطنه، لكن الدلالة الأهم لما جرى في برلين هو شطبه لتلك المقولات التي ترددت طوال الأعوام الماضية عن عدم واقعية الحديث عن عودة فلسطينيي الخارج إلى وطنهم باستثناء أولئك الذين يعيشون أوضاعاً مزرية، كما هو الحال في مخيمات لبنان أو في مناطق أخرى ممن لا يملكون جوازات سفر ن ولا يملكون تبعاً لذلك حرية البحث عن أماكن أخرى. من هنا كان لمكان المؤتمر دلالته الواضحة، ذلك أن الجالية الفلسطينية في برلين تحديداً، والتي يتمتع أفرادها بالجنسية الألمانية إنما جاءت من مخيمات لبنان، الأمر الذي يؤكد أن معطيات المكان والحرية والوضع الجيد لا تغير في حقيقة إصرار الفلسطيني على العودة إلى وطنه، حتى لو فكر البعض في استمرار العيش من أجل الرزق في مكان آخر. وهنا لا بد من التذكير بأن كثيراً من القوم عندما يرددون تلك المقولات إنما يتحدثون كما لو أن فلسطين هي موريتانيا أو موزمبيق وليست الأرض التي تقاتلت عليها الامبراطوريات والأعراق منذ فجر التاريخ، بوصفها الأروع بكل المقاييس البشرية والربانية، بسبب ذلك الطهر الذي يفوح من جنباتها والبركة التي خصها به رب الكون. فلسطين ليست صحراء قاحلة حتى يهرب منها الأنسان، وإذا كانت ظروف الاحتلال قد دفعت الكثيرين إلى الرحيل فإن عودتها للعيش ضمن الظروف الطبيعية ستجعل منها أهم المناطق جذباً للبشر في العالم أجمع. ثم إن المسألة هي قرار فردي كما أشارت وثيقة برلين ولا يحق لأحد أن ينوب عن الفلسطيني في اتخاذ قراره بالعودة أو البقاء في المكان الذي هو فيه، مع أن التناقض هنا ليس حدياً كما يجري تصويره، إذ لماذا لا يحتفظ المغترب ببيته هناك في أطهر بقعة على وجه الأرض يأوي إليه وقت يشاء هو وأفراد عائلته. في كل الأحوال فإن ما يردده البعض في هذا السياق هو جدل عقيم لا هدف له سوى تبرير بعض المواقف السياسية الخاطئة، سيما وأن أعداداً هائلة من اللاجئين لا يزالون هناك في مخيمات الضفة وغزة ولا يمكن أن يقول عاقل إن هؤلاء سيختارون الذي هم فيه على حيفا ويافا وعكا. إنها فلسطين، أطهر بقاع الأرض وأروعها بمختلف المقاييس، وهي الأرض التي لن تموت قضيتها بحال من الأحوال، ولن يتوقف أهلها في الداخل والخارج عن النضال لتحريرها من براثن الاحتلال، سيما وأن ورائهم أمة عظيمة تدرك بدورها عظمة القدس وما تمثله من عنوان لصراع الأمة مع القوى التي تسعى إلى إذلالها. تحية لمركز العودة وللجالية الفلسطينية في ألمانيا ولكل من يعلنون إصرار هذا الشعب وهذه الأمة على النضال لتحرير فلسطين وإعادة أهلها إليها. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني