في العاصمة الدانماركية (كوبنهاغن) اختتم فلسطينيو أوروبا قبل أيام مؤتمرهم السادس الذي عقدوه تحت شعار ستون عاماً: وللعودة أقرب، بحضور عدد من الشخصيات العربية والفلسطينية يتقدمهم الشيخ المجاهد رائد صلاح ، إضافة إلى حشد ناهز العشرة آلاف شخص جاؤوا من مختلف أنحاء القارة الأوروبية. نظّم المؤتمر برعاية عدد من الفعاليات السياسية والشعبية، من بينها الأمانة العامة لمؤتمر فلسطينيي أوروبا، مركز العودة الفلسطيني في لندن ، المنتدى الفلسطيني في الدانمارك ، بالاشتراك مع عدد من الفعاليات الفلسطينية الأخرى. في المؤتمر المذكور، جدد فلسطينيو أوروبا تشبثهم بحق العودة ورفضهم التنازل أو المساومة أو إجراء أية استفتاءات على حقوقهم الوطنية ، كما جددوا تمسكهم بهويتهم الفلسطينية ، وحقوقهم الثابتة في العودة إلى ديارهم التي هجّروا منها ، تماماً كما هو حال إخوانهم في كل مواقع اللجوء والشتات. وفي حين دأبت الفعاليات المذكورة على عقد المؤتمر في ذكرى النكبة، فقد جاء عقده هذه المرة أكثر رمزية على مرمى أيام من الذكرى الستين للنكبة، والتي تشهد في المقابل احتفالات واسعة للكيان الصهيوني بذكرى إنشائه. على صعيد التوقيت أيضاً، كان المؤتمر في غاية الأهمية، وبالطبع تبعاً لانعقاده في ظل حراك سياسي يتجه نحو اتفاق يتجاهل حق العودة ، ونتذكر هنا كلام رئيس السلطة الفلسطينية عن الفلسطينيين في أمريكا والأردن، وكيف أنهم مرتاحون في أماكنهم ولا يفكرون بالعودة إلى فلسطين. وعلى رغم خطأ هذه المقولة بشكل عام، إلا أن أسئلة تطرح نفسها بشأن مليون فلسطيني موجودين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، ومئات الآلاف ممن يعيشون في لبنان في أسوأ الظروف (قال الرئيس ضمناً أنهم سيعادون إلى مناطق السلطة) ، إذ كيف يمكن حرمان هؤلاء من العودة إلى بيوتهم وبساتينهم في المناطق المحتلة عام 48 بدعوى الخوف على الميزان الديمغرافي للدولة العبرية، مع أن عودتهم لا تستدعي بالضرورة الحصول على جواز السفر الإسرائيلي، إذ بوسعهم أن يعودوا بصيغة الإقامة الدائمة من دون الجنسية. حين يعلن فلسطينيو أوروبا تمسكهم بحق العودة ، فإنهم بذلك ينطقون باسم الجميع، إذ أنهم الأكثر راحة من الناحية المادية، وهم حين يعلنون أن العودة إلى فلسطين التي باركها الله من فوق سبع سماوات حق مقدس، فإنما يقطعون الطريق على نظرية الربط بين أوضاع الشتات الاقتصادية ومبدأ حق العودة الذي لا يعني بالضرورة التجسيد الكامل، مع أن نسبة كبيرة سوف تفعل، بقدر ما يعني الشعور بالوطن وقدسيته وحق الإقامة فيه والعودة إليه في أية لحظة ، تماماً كما يعود المغترب في أية لحظة يشاء ، أو خلال الإجازة في أقل تقدير. فلسطين ليست صحراء، فمن أجلها اندلعت حروب بلا عدد، وعلى أرضها اقتتلت دول وتصارعت حضارات، ولذلك فالعودة إليها لا تشبه العودة إلى الدول البائسة، مع أن لكل إنسان حنينه إلى أرضه وشعبه وهوائه أيضاً، وإذا مال أفراد إلى قطع الصلة مع ماضيهم، فلا ينسحب ذلك على الجميع، ولا تسأل بعد ذلك عن خصوصية فلسطين التي يتمنى كل مسلم زيارتها والصلاة في أقصاها ، بصرف النظر عن أصله ومنبته. نؤمن أن الصراع سيتواصل، وأن أية صفقة لن تنهيه، ليس فقط لأن شهية العدو تتجاوز فلسطين إلى السيطرة على المنطقة برمتها، بل أيضاً لأن روح الأمة لن تقبل هذا الكيان الغاصب بأي حال، ومع ذلك سنظل نؤكد أن أي اتفاق يتنازل عن حق العودة سيكون مرفوضاً بالكامل، وينبغي أن يجاهر الجميع برفضه ، تماماً كما فعل فلسطينيو أوروبا. من هنا تتبدى أهمية المؤتمر الذي نحن بصدده، والمؤتمرات الأخرى المشابهة هنا وهناك، وهي أهمية تتجاوز حق العودة لتطال مسألة التمسك بفلسطين، كل فلسطين، ومعها وإلى جانبها الدفاع عن الأمة المستهدفة بهذا الصراع الحضاري مع المشروع الصهيوني.