أختي الحبيبة خلف الجدار بعد التحية.. أتذكرينني؟؟ أنا تلك التي تقطن خلف الجدار لا ليس هذا الجدار الفولاذي الذي شرعوا في بنائه بدعوى الحفاظ على السيادة وأمن الوطن.. لكنني في الحقيقة أقبع خلف جدار آخر.. بل خلف ألف ألف جدار.. جدار بنوه في نفسي باقتدار ..جدار بنوه في نفسي وفي نفس كل من يسكن أرضي بل في أرجاء بلدان وطننا العربي الكبير.. جدار الخزي..جدار الضعف..جدار الهوان جدار التمسك بحطام الدنيا جدار حب الحياة وكراهية الموت أنا هنا خلف جدار الحرص على منصبي.. والخوف على أولادي..والسعي على لقمة العيش.. والخشية من ذوي السلطان.. أنا هنا لا أحتمل جوع ساعة ولا ألم يوم ولا حصار ليلة واحدة.. أنا هنا لا احتمل أن أحٌرم لا من ضرورات الحياة بل من كمالياتها.. فلا أطيق انقطاع الكهرباء.. وأتذمر لضعف وصول المياه.. وأسخط إن احتجب عني اتصال الإنترنت.. أما أنتِ فلعلكِ الآن هناك تمكثين لأيامٍ بل لشهورٍ بلا ماءٍ أو كهرباءٍ أو غازٍ لموقدك..وقد حُرمتِ أبسط مقتضيات الحياة.. لعلك الآن خلف موقدك البدائي الذي لا تفلح بقايا الحطب في بقائه مشتعلاً لمدة طويلة.. لعلك الآن تهدهدين طفلك لإلهائه بالنوم عن البحث عن الطعام لإسكات صراخ بطنه الخاوية.. لعلك الآن تراقبين بفزع حرارته المرتفعة والتي لا تجدين لها دواء في صيدليات خوت من أهم جرعات الدواء.. لعلك الآن تجمعين الأولاد في غرفة واحدة حتى لا توقدي أكثر من شمعة ؛ فالليل طويل والظلام دامس والشموع نادرة الوجود.. لعلك الآن تضعين الغطاء الوحيد فوق فراشهم ليبث فيهم بعض الدفء.. ولا تبالين بوخزات البرد السارية في أطرافك.. لعلك الآن تجمعين بقايا كسرات الخبز الجاف ، لعلها تصلح أن تكون طعاماً يسكت أنين بطون أولادك الجائعة لساعات إضافية أو ربما لدقائق معدودة.. لعلك الآن في رحلة العودة من السوق وأنت خاوية اليدين بعد أن وجدت أن ما معك من النقود لا يكفي نصف ثمن المعروض أمامك.. لكنك يا أختاه رغم كل هذا أفضل مني..نعم أفضل مني أتذكرين يوم لقيتك بأحد المشافي بجوار جسد ابنك المصاب جراء العدوان الغاشم على غزة.. أتذكرين نبرات صوتك..أتذكرين نظرات عينيك.. أتذكرين وميض نفحات إيمانك..أتذكرين ثباتك رغم المُصاب.. كنت حقاً رمز العزة يا ابنة غزة.. قالها كبيركم يوماً "لقد خلت غزة من كل شيء إلا من الإيمان والعزة والكرامة" وأقولها لكِ اليوم لقد امتلأت نفوسنا بكل شيء سوى الإيمان والعزة والكرامة وها هم أولاء يرفعون الجدر بيننا وبينكم ؛ ليغلقوا عنكم شرايين الحياة.. ويمنعوا عنا وميض الإيمان والعزة الذي تحفل به أرضكم وتنطق به دروبكم وينبض به ترابكم المتسربل بدماء الشهداء وخطى المجاهدين وجهاد الصامدين.. ها هم أولاء يرفعون الجدر بيننا وبينكم ونحن صامتون لأنهم قبل أن يرفعوا هذا الجدار صنعوا في نفس كلٍ منا ألف ألف جدار: من الخزي والوهن وحب الدنيا وكراهية الموت.. ويخرج الساسة بحججهم الكاذبة.. ويلفق فقهاء السلاطين فتاوى كتبت بأحبار حراس أمن الوطن.. وتتفجر ماسورة الصرف الإعلامي بأبشع التصريحات وأقذع الكلمات وأحقر التهم.. ونحن هنا نعيش خلف الجدار.. نراقب دماءً تسيل.. وأرواحاً تُزهق.. وشعباً يموت دون أن نقوى حتى على نبش ما بداخلنا من جدار.. لكنني أراك الآن يا أختاه.. أراك تجمعين الأولاد على ضوء الشمعة الباقية.. تصطفون للصلاة.. تبتهلون بالدعاء.. تلهجون بآي الذكر الحكيم.. تتسابقون في حفظ أجزائه ..تنبض قلوبكم بقوة هي أعظم وأشد وأعتى من أي جدار أراك يا أختاه وأنت تربين جيلاً عظيماً يتقوى بالإيمان ويكسر الحصار ويعلو فوق كل.. كل جدار.. بارك الله خطاك يا ابنة غزة العزة والانتصار إمضاء: أختك المحبة من خلف الجدار كاتبة من مصر