أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، الأربعاء 10 يونيو 2015، في ظرف وقتين غير متباعدين، بلاغين رسميين، جرى تعميمهما على وسائل الإعلام السمعية-البصرية، ومواقع التواصل الاجتماعي. وجاء البلاغ الثاني ليقطع الشك باليقين، وليجزم بحصول تسريب في مادة الرياضيات، والتي قررت الوزارة إعادة إجرائها، الجمعة 12 يونيو 2015، من الساعة ال8 إلى الساعة ال11 صباحا، بالنسبة لجميع مترشحات ومترشحي شعبة العلوم التجريبية والعلوم والتكنولوجيات، داخل جميع مراكز الامتحان التابعة للأكاديميات الجهوية ال16، والنيابات الإقليمية الخاضعة لنفوذها الترابي.
هذا، وقد بدا البلاغ الوزاري الأول متأنيا وغير متسرع. وهذا ما يتشف من خلال صياغته وصيغته والأسلوب الذي كتب به، والذي اتخذ أقصى ما يمكن من الحيطة والحذر في التعامل مع نازلة تسريب صفحتين من موضوع مادة الرياضيات الخاصة بشعبة العلوم التجريبية والعلوم والتكنولوجيات، على بعض صفحات المواقع الاجتماعية. حيث عمدت الوزارة إلى مباشرة التحريات، بغية استجلاء الحقيقة، والتعرف على حيثيات الواقعة، وإلى ربط الاتصال بكافة مراكز الامتحان، ومع جميع الجهات المعنية، لضمان السير العادي للامتحانات.
وأكدت وزارة رشيد بلمختار أنها لن تتوانى في اتخاذ القرار المناسب، إذا تبين حصول تسريب لمادة الرياضيات، التي تداولتها المواقع الاجتماعية والهواتف النقالة.
ويأتي إصدار البلاغ الوزاري الأول، بعد أن انتشر خبر التسريب كالنار في الهشيم. ما أخرج الأمهات والآباء والتلاميذ في عدة مدن مغربية، للتظاهر والاحتجاج في الشارع. تظاهرات جرى احتواؤها، في أعقاب الاستنفار الأمني الذي واكبها، والذي لم يخرج عن نطاق التعامل السلمي مع المحتجين.
ولعل أخطر ما في الأمر أن جهات عودت الشعب المغربي على مواقفها واتحادها وتوحدها في مواقفها التي تخرج عن إجماع المغاربة وقضاياهم الوطنية، حاولت القفز على هذه النازلة، وتسميم الأجواء، والمزايدة على الحدث، حتى أن بعضهم، منهم "عقوقيون"، اندسوا في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وفي اجتماعات عقدها مسؤولون جهويون وإقليميون عن قطاع التعليم، مع أمهات وآباء المنرشحات والمترشحين، لتمرير رسائل مسمومة، وتأجيج نيران الغضب.
فمثل هذه السلوكات المفضوحة، غير المواطنة وغير المدنية، تحيلنا على اللغط الذي واكب بالمناسبة مهرجان "موازين" في جميع دوراته، والذي روجوا بشأنه على نطاق واسع، مباشرة بعد النجاح الذي حققته دورته ال14، إشاعة إلغائه نهائيا بقرار نسبوه إلى أعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس، قبل أن تتدخل الجهات الرسمية، وتعلن من ثمة عن تنظيم دورته ال15،السنة المقبلة، في موعد حددت تاريخه. ويعتبر بالمناسبة هذا المهرجان (موازين، إيقاعات العالم)، من تنظيم مغرب الثقافات، متنفسا للمغاربة، ودليلا على تجدر نهج الأصالة والمعاصرة في المغرب، بلد تلاقي الحضارات، والتعايش، وتسامح الديانات والمعتقدات، وبلد الحريات الفردية والجماعية. هذه الحريات التي تسعى جهات معروفة، خدمة لأجندات خارجية، أن تربطها بكل ما يسئ إلى دين الإسلام، وقيم المغاربة وأخلاقهم وثوابتهم الوطنية.
إن التسريب وحتى التزوير وغيرهما من الأفعال المنافية للأخلاق والقانون، يمكن أن يحصل في أي بلد أو بقعة على وجه البسيطة. فالأهم بالنسبة لما حدث في المغرب، هو الموقف الرسمي للدولة، ممثلة في وزارة التربية الوطنية، والتي سارعت إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، سعيا منها إلى ضمان حقوق المترشحات والمترشحين، وحرصا على نزاهة امتحانات البكالوريا ومصداقيتها، وتكريسا لمبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، مع الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه التشويش على هذا الاستحقاق الوطني، وتأجيج نار الفتنة والبلبلة، من خلال الإقدام على هذا العمل القذر، بمثابة "إرهاب" و"خيانة عظمى"، يهدد أمن وسلامة الوطن.
ولعل أولى ردود الفل والتفاعل الإيجابيين جاءت من عاصمة دكالة، حيث استقبل في مكاتبه شكري الناجي، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة عبدة-دكالة، أمهات وآباء المترشحات والمترشحين. إذ استطاع، بعد محاورتهم بالعقل والضمير، وروح المواكنة، امتصاص غضبهم وغضب المئات من المحتجين الذين تظاهروا أمام بوابة الأكاديمية. وقد أعاد هذا الاجتماع الموسع الذي أثمرت أشغاله، الثقة إلى الجميع، وأفضى إلى تفرقة المتظاهرين سلميا، والتحاق المترشحات والمترشحين بمراكز الامتحان، حيث اجتازوا باقي مواد الامتحانات المبرمجة في الفترة المسائية. (الفيديو رفقته)