في إطار انفتاح جريدة الجديدة24 على مختلف الفعاليات الثقافية والفنية والسياسية والرياضية ذات الأصل الدكالي، ورغبة منها في تسليط الضوء على الطاقات المحلية التي استطاعت أن تشق طريق النجاح خارج ربوع المملكة، والتي أعطت المثال الإيجابي للشباب الواعد والمكافح من أجل إعلاء راية الوطن في المحافل الدولية باسم المملكة أو باسم دولة أخرى. نستضيف اليوم رياضيا ناجحا بامتياز، وأحد أبناء منطقة دكالة الذي خصنا بحوار هادئ لدى عودته من الديار البحرينية، إنه الفارس والمدرب في سباق القدرة والتحمل الشاب عبد الحق قدوري.
الجديدة24: كورقة تعريفية بشخصكم، من هو عبد الحق قدوري؟ وكيف كانت علاقتك مع الخيل في سنواتك الأولى؟
عبد الحق قدوري: في البداية لابد أن أقدم لجريدتكم جزيل الشكر على استضافتي لإجراء هذا الحوار الأخوي، وكورقة تعريفية فأنا من مواليد دوار ميساوة التابع لجماعة خمس متوح، ولدت سنة 1978 وترعرعت بين أفراد أسرتي البسيطة بدوار أولاد اصغير، درست الأربع سنوات الأولى من السلك الابتدائي بمدرسة خميس متوح، ثم أتممت دراستي الابتدائية بوحدة مدرسية شُيدت قرب مسكني وكانت آنذاك تابعة لمجموعة مدارس بوعلالة، أما دراستي الإعدادية والثانوية فقد كانت في مركز أولاد افرج.
فيما يخص علاقتي بالخيل فقد كان أبي يملك حصانا أشقرا، كانت تربطني بهذا الحصان علاقة حب غير طبيعي منذ الصغر، فقد كنت أسهر على تربيته وتتبع حالته ورعايته، وأذكر جيدا أنني كنت دائما أركبه بدون سرج.
الجديدة24: الكثيرون لا يعرفون ما هي رياضة القدرة أو التحمل، عرفنا بها.
عبد الحق قدوري: لقد ظهرت هذه الرياضة في بداية هذا القرن ثم انتشرت في أغلب دول العالم، وتتميز هذه الرياضة بضرورة تحمل الحصان مشقة قطع مسافات طويلة تصل أحيانا إلى 100 ميل أي ما يناهز 160 كيلومتر، ومن أشهر هذه التظاهرات الرياضية سباق الحدوة الذهبية في انكلترا حيث تبلغ مسافة السباق 120 كيلومتر تتخللها عوائق وموانع وعقبات طبيعية من الواجب على الفارس أن يتجاوزها خلال يومي السباق، وهناك سباقات Quilly Ride الأسترالية التي تقام في منطقة جبلية أخرى خالية من العوائق، حيث تبلغ مسافة السباق 160 كيلومتر، وتتطلب هذه الرياضة تهيئة بدنية مسبقة للحصان بتدريبه على قطع مسافات طويلة بشكل تدريجي مع العناية بصحته، حيث تقدم للحصان أغذية جيدة تحتوي على أملاح معدنية خاصة إذا تعلق الأمر بالخيول التي تتعرق بشدة، كما يتم الاهتمام بشكل بالحوافر والقوائم نظرا لإمكانية تعرضها للإصابات خلال التداريب أو المسابقات الرسمية.
وقد تفوق الحصان العربي في هذه الرياضة إلى درجة كبيرة جدا وبدون منافس نظرا لقدرته المدهشة على تحمل التعب، لذلك نجد أن معظم الخيول المشاركة في هذا النوع من السباقات تحمل دما عربيا بنسبة ما أو ذات أصل عربي خالص.
الجديدة24: ما هو سر تصاعدك الكبير في المراتب من عامل بسيط إلى مدرب محترف وفي ظرف وجيز؟
عبد الحق قدوري: بكل صراحة، فقد كنت في المغرب أتمنى إتمام دراستي في جامعة مدينة مراكش وبالضبط في شعبة القانون لأنني أعشق مهنة المحاماة، لكن فجأة تغير كل شيء عندما وصل ابن خالتي قادما من الإمارات حيث يعمل هناك في شركة للبترول، وقد أحضر معه لدى زيارته للمغرب عقد عمل لأحد أبناء الجيران، لكن هذا الأخير رفض مغادرة المغرب للعمل سائس خيول "أي منظف خيول" في الوقت الذي قبلته أنا ومباشرة بعد ذلك غادرت البلاد.
بعد استئنافي للعمل في الاسطبل كنت أمارس رياضة الجري بشكل مستمر، الشيء الذي أثار انتباه رئيس نادي الوثبة منصور بن زايد الذي قيل له أنني مغربي حديث العهد بالعمل في الإسطبل ويحب الجري، فقام بتنظيم سباق للجري حصلت خلاله على المرتبة الأولى، وبعدها تم تعييني كمساعد لمدرب الخيول الخاصة بسباق القدرة والتحمل، وقد كان فريق الوثبة حينها يعيش حالة من الفشل وتغيير المدربين، حيث استفدت من تجربة أربع مدربين من دول متفرقة وهي أمريكا، أستراليا، فرنسا وانكلترا، مما أعطاني فرصة التكوين والخروج باستراتيجية خاصة للتعامل مع هذه الرياضة في قالب مغربي دكالي ميساوي.
الجديدة24: كيف كانت أولى تجاربك في التدريب؟ وماذا حققت من ألقاب؟
عبد الحق قدوري: عشت اول تجربة فعلية في التدريب في صيف 2002 بتدريب حصان بحريني وفرس استرالية لم يسبق لهما أن شاركا في سباق القدرة بسبب استبعادهم من طرف المدربة الإنجليزية من لائحة الفريق، وبعد شهرين من التداريب صباح مساء خضت أول امتحان لي خارج البحرين وبالضبط في السعودية، حيث شاركنا في نصف مرطون أي 80 كيلومتر، فكانت النتيجة هي دخولنا في المرتبة الأولى والثانية وتحطيم الرقم القياسي 23 كيلومتر في الساعة معدل السرعة، ومن هنا بدأ التألق مع الفريق الملكي البحريني للقدرة والتحمل الذي يرأسه ابن ملك البحرين ناصر بن حمد آل خليفة، حيث بدأت الألقاب تتوالى وصعودنا لمنصة التتويج لم ينته أبدا، بحيث أنني كلما شاركت في سباق إلا وحصلت على نتيجة مهمة كالبطولات العربية وخاصة الخليجية، البطولات العالمية المفتوحة حيث حصلنا على كأس العالم أربع مرات، أما البطولات المحلية فكثيرة جدا.
الجديدة24: هل كان من الممكن أن تصل إلى ما وصلت إليه دون مغادرة المغرب؟ ولماذا؟
عبد الحق قدوري: بصراحة لا، وذلك لأسباب عدة من ضمنها أنني كنت أتابع دراستي بتفوق على أساس أن أصبح محاميا أو ما شابه ذلك، إضافة إلى أن في ذلك الوقت لم تكن هذه الرياضة في المغرب، وحتى إن وُجدت فلن تكون ذات أولوية كباقي الرياضات، وبالتالي فكيف أنجح في رياضة حديثة وليست لها قاعدة جماهيرية ككرة القدم مثلا.
الجديدة24: هل يمكن أن نرى في يوم من الأيام عبد الحق قدوري مدربا لفريق مغربي في رياضة القدرة؟
عبد الحق قدوري: بكل سرور أتمنى أن أكون مدربا للفريق الوطني، لكن إذا توفرت لي شروط النجاح وليس أسباب الفشل مثل جامعة كرة القدم، أنا لا أبحث عن المال بقدر ما أطمح إلى مواصلة التألق والوصول إلى العالمية، فإذا تحققت شروط النجاح فأنا مستعد لتدريب الفريق الوطني المغربي والصعود به إلى القمة غير المحدودة في مجال الرياضة، فالأساس الممنهج والمدروس والتخطيط البعيد المدى هي السبل الكفيلة بالوصول إلى ما وصلت إليه منتخبات عظيمة كألمانيا وانكلترا و..و..و...
الجديدة24: هل تحظى في المغرب بنفس الاهتمام الذي تعيشه خارج المغرب؟ ولماذا ؟
عبد الحق قدوري: أولا علاقتي بالمسؤولين في رياضة القدرة بالمملكة المغربية مبنية على الاحترام والتقدير والاهتمام، نحرص فيها على تبادل الخبرات والتكوين وتنظيم السباقات بدار السلام، وتنظيم تظاهرات رياضية مشتركة بين الفريق الملكي البحريني والفريق الملكي المغربي، ولا يمكن أن أزيد شيئا عن هذا لأنني لست مدربا للفريق المغربي حتى أحظى باهتمام كبير من طرف المسؤولين المغاربة، وهذا أمر طبيعي.
أما مكانتي في مملكة البحرين، فأحظى باهتمام خاص لم أعشه في حياتي من قبل، خصوصا من طرف ابن ملك البحرين ناصر بن حمد آل خليفة رئيس اللجنة الأولمبية ووزير المجلس الأعلى للشباب والرياضة ورئيس المؤسسة الخيرية لمملكة البحرين والرئيس الفخري لاتحاد الفروسية، إلى جانب العلاقة الأخوية التي تربطني بأخيه سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة رئيس الاتحاد البحريني للفروسية، وعلاقتي بالأسرة الحاكمة في مملكة البحرين مبنية على الاحترام المتبادل والصدق والوفاء والإخلاص لله أولا ثم للواجب المهني الذي يربطني بها.
مرة أصبت بكسور في حادثة سير في الإمارات، ولما زارني أنجار ملك البحرين الشيخ ناصر والشيخ خالد اندهش الطاقم الطبي من هذه الزيارة وسألوني أكثر من مرة عن القرابة التي تجمعني بها، وفي مناسبة أخرى بلغني أن الشيخ ناصر قال لبعض أصدقائه أنه لا يتصور الفريق الملكي بدون وجود عبد الحق قدوري، كما أنهم يمازحونني دائما بعزمهم على تصفيتي جسديا إذا فكرت في التخلي عن فريقهم، أو إجراء عملية استنساخ لي تعبيرا منهم عن حبهم لي وتقديرهم لمجهوداتي.
الجديدة24: كيف ترى مستقبل هذه الرياضة في المغرب؟
عبد الحق قدوري: من المعلوم أن حب الشيء والاهتمام به ودعمه ماديا ومعنويا هي أسس النجاح وبناء المستقبل، وهنا في المغرب أرى أنه يتوفر على أبطال من الخيول والسلالات التي من شأنها أن ترفع راية البلاد في المحافل الدولية في رياضة القدرة، وما يحصل للطاقات البشرية المغربية التي لا يسطع نجمها إلا في الخارج يحصل نفس الأمر بالنسبة للطاقات الحيوانية وعلى رأسها الخيول المغربية والعربية التي تتألق في المحافل الدولية بأسماء دول أخرى أوربية وأمريكية وإنجليزية، وقد أبكاني هذا الوضع عندما اكتشفت أن الخيول المتألقة دوليا هي من أصول عربية ومن بينها الأصول المغربية، فهذا وضع مختل ويجب تصحيحه ومعالجته لكي ترسم هذه الرياضة طريقها الصحيح في بلدنا المغرب.
الجديدة24: يقال أنك لا تحب الظهور في وسائل الإعلام وترغب في العمل في صمت، هل هذا صحيح؟ ولماذا؟
عبد الحق قدوري: هذا صحيح، وخلال التظاهرات الرياضية غالبا ما أتهرب من الصحافة لدرجة أن عددا من الصحفيين أصبحوا يحاصرونني قبل انطلاق المسابقة لأخذ تصريح صحفي، وتهربي من اللقاءات الصحفية لا أعرف سببه بالضبط لكن من طبعي أن أعمل في صمت، وأفضل الإنتاج وتحقيق النجاح الذاتي أكثر من الظهور في وسائل الإعلام، لأن الرياضي إذا استحود عليه حب الظهور فشل وتراجع أداؤه، هذا لا يعني أنني أرفض رفضا قاطعا التعامل مع الصحافة، لكن أعتقد أن لكل مقام مقالا ولكل شيء وقت ومكان مناسبان.
الجديدة24: نشكرك على هذه الدردشة الهادئة، هل من كلمة أخيرة؟
عبد الحق قدوري: أولا لا بد أن أقدم الشكر الجزيل للأستاذ صالح الخزاعي وكل العاملين بجريدة الجديدة24 التي تبحث عن الخبر من جهة وتسلط الضوء على الطاقات المغربية والدكالية من جهة أخرى، كما أشكر كل من كان سببا في هذا اللقاء الصحفي الشيق الذي يهدف إلى التعريف بأبناء المنطقة من المهاجرين المغاربة، ومن خلال جريدتكم المتألقة أتحتم لي فرصة التعريف بشخصي للقراء المغاربة، وبَعْث رسائل غير مباشرة للمسؤولين المغاربة الذين يجب أن يقتنعوا بأن المتألقين والناجحين دوليا هم أبناؤكم وأبناء أرضكم ومن بواديكم وقراكم استُغلوا من طرف دول أخرى تعرف قيمة المعدن المغربي الذي يحتاج إلى صناعة في المستوى ليصير ذات قيمة عالية وغالية.