لم يكن يدري نور الدين ذو الستة عشر ربيعا ، أن حياته ستنتهي بسبب شربة ماء ، وأن جسده الفتي سيحتضنه التراب ، لتتعمق المأساة وتعظم المصيبة ويتسلل اليأس إلى من ذرفت عيناه دموعا وتحسر قلبه ألما على فراق فلذة كبده ، إلى أبيه الذي كان يحكي لنا هذه القصة الأليمة ، قصة طفل مدلل ، غادر المدرسة مثله مثل عشرات الأطفال والسبب واحد. الفقر والحاجة إلى المال لتلبية حاجيات المدرسة والنقل ، مصاريف لم يعد يقدر عليها حتى من يملكون هكتارات من أرض الولجة التي كانت إلى عهد قريب مملكة الطماطم بامتياز، حيث كان العامل الزراعي أو ما يسمى ب " الرباع " يعد نصيبه بالملايين ، فيما كان الفلاح صاحب الأرض آنذاك يحلم كلما كان المحصول جيدا بتعدد الزوجات والسيارات ....
في صباح اليوم السابع من أبريل ، خرج لعروسي بولقنادل ولعروسي هو إسمه الحقيقي المقيد به دفتر الحالة المدنية ، خرج من بيت أبويه بدوار "لعتايت" ، بعد أن نال حصته من وجبة الفطور التي لم تكن سوى خبزا وشايا وهو غالبية قوت أهل المنطقة ، واتجه نحو ضيعة لأحد أقربائه في أول محاولة للعمل مباشرة بعد انقطاعه عن الدراسة، وبعد ساعات من العمل الشاق الذي لم يتمرن عليه بعد جسده الفتي والنحيل ، توجه نحو شاطئ البحر الذي لا يبعد سوى بعشرات الأمتار ولا تفصله عن الضيعة سوى ما تبقى من الشريط الغابوي الذي اقتلعته أيادي التخريب بهدف طمس معالم الغابة والوصول إلى هذه الكتبان بكل الطرق الاحتيالية .
انتعش جسد الفتى بمياه المحيط الباردة ، ثم افل راجعا من حيث أتى ، كان الوقت ظهرا ، شعر بالعطش بفعل الحرارة المرتفعة ، كان محرك السقي مشتغلا ، لم يكن أحد بالضيعة سوى ابن عم الفتى الصغير الذي غاب مدة من الزمن بعد أن شغل المحرك لسقي غلة الطماطم، ولما عاد من غيبته التي لم تدم طويلا ، وجد ما لم يكن في الحسبان ، ابن عمه لعروسي يئن ويستغيث ،أخبره في تلك اللحظة أنه شرب من أنبوب مياه السقي بالتنقيط الممزوج بمبيد زراعي ..كان الطفل يتألم كثيرا ويطلب الإسعاف ، لكن حمام الموت كان على موعد مع الجسد الصغير بباب المستشفى ، ولم تفلح محاولات إنقاذ حياته رغم الإسعافات الأولية التي قدمت له بالمركز الصحي بأولأد غانم (50 كلم جنوبالجديدة) وأسلم الروح لبارئها ، لتطرح الأسئلة التالية : من المسؤول عن مراقبة الأدوية والمبيدات المستعملة في الزراعة ؟ وما مدى الخطورة التي تشكلها هذه المبيدات على صحة المستهلكين ؟ وهل من استراتيجية للوقاية من التسممات الناتجة عن تناول الخضر والفواكه المعالجة بمبيدات يجهل المنتج والمستهلك تركيبتها الكيماوية وبالتالي الأخطار المحدقة بالصحة العامة في ظل التزايد المهول لبعض الامراض مثل : أمراض الكبد والسرطان والكلي ..
وفاة الطفل الناتجة عن تسمم بمبيد زراعي رسالة لمن يهمهم الأمر، وتحسيس الفلاحين والمستهلكين بخطورة الادوية والمبيدات الزراعية أمانة يتحملها المسؤولون ومعها جمعيات المجتمع المدني ، هذه الأخيرة يجب أن تسخر طاقاتها في سبيل التحسيس والترشيد بمخاطر التلوث والتسمم الغذائي عن طريق تنظيم حملات مستمرة بشراكة مع الجماعات المحلية ووسائل الإعلام بكل أنواعها .