في قاعة الملاحظة التابعة لقسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة، يرقد على أسرة المرض، مرضى في حالات صحية حرجة، يلقون معاملة استثنائية، تؤزم وضعهم الصحي والنفسي، وتجعل كل من في قلبه ذرة من "الإنسانية"، ينفجر غضبا واستياء. ولتقريب الصورة، والوقوف عن كتب على حقيقة الواقع، تستحضر الجريدة حالتي مريضين، أحدهما رجل مسن، والآخر "متشرد". ولكل منهما قصته الخاصة مع المستشفى، رغم أنهما (الحالتين المرضيتين) تتقاطعان في خلاصة واحدة، تكرس بالواضح والملموس معاناتهما ومعاناة مرضى ومرتادي مستشفى الجديدة من "الجيل الجديد". المريض الأول، رجل متقدم في السن، رمى به بعضهم، منذ زهاء أسبوعين، في قسم المستعجلات، إثر حالته الصحية الحرجة، التي تبين من خلال التشخيص أن بطنه منتفخ، وأن أمعاءه خرجت عن أو من غشائها الداخلي، بسبب "الفدق" (hernie). وقد أحاله الطبيب المعالج على قاعة الملاحظة التابعةلقسم المستعجلات. ورغم أخذ صورة له بالأشعة (échographie)، فإن إدارة المستشفى لم تتخذ أي قرار بإحالته على القسم أو المصلحة الصحية المختصة، لإخضاعه لعملية جراحية لتثبيت "une plaque perforée"، في بطنه. ما من شأنه أن بجنبه مضاعفات "باطولوجية"، سيما في ظل "التجويع" أو "الصيام" المفروض عليه قهرا. حيث إنه لم يعد يقوى لا على الحركة ولا على الكلام، وأصبح وجهه شاحبا، وجسمه أشبه بهيكل عظمي. ودائما في قاعة الملاحظة ذاتها، ثمة "متسكع" يرقد منذ 5 أيام، في حالة صحية مزرية، على سرير المرض. وكان قسم الإنعاش استقبله، مساء السبت الماضي، بعد أن جيء به على متن سيارة الإسعاف، جراء تعرضه لحادثة سير، تسببت في 4 كسور بليغة في أطرافه العليا والسفلى اليمنى. حيث تم الاكتفاء فقط بوضع الجبص عليها، عوض إخضاعه لعملية جراحية استعجالية، وجبره ب"الحديد". عملية قيل أن تكاليفها لا يمكن أن يتحملها المستشفى، كما الشأن بالنسبة للعملية الجراحية التي يتعين بإلحاح أن تجرى للمريض المسن. وقد كان يجدر من ثمة بالمستشفى، عوض إهمال هاذين المريضين، عدم قبولهما أصلا، وتركهما لمصيرهما المحتوم. وعلمت الجريدة أن إدارة المستشفى ستطلب في أي لحظة من المريض "المتشرد"، المغادرة، بعد اكتفائها بوضع "الجبص" على أطرافه، والاحتفاظ به وقتا وجيزا. وقد تصبح حياته في خطر، إثر مضاعفات مرضية ستلحقه حتما، في غياب العناية الصحية. ما قد يرمي به في مخالب موت شبه محقق. وعلى غرار باقي المرضى في قاعة الملاحظة، لم يوفر المستشفى للمريض "المتشرد"،التغذية (وجبات الفطور، الغذاء والعشاء). وكان يئن ويذرف الدموع من شدة ألم الجوع. وهذا ما عاينته الجريدة بمعية الفنان الكوميدي محمد البوساتي. ولولا جود بعض القلوب الرحيمة، لقضى نحبه جوعا. وحسب مصدر مطلع، فإن المرضى "العاجزين" عن الحركة والتحرك، يقضون حاجاتهم على أسرة المرض، "في سراويلهم". وتكتسح روائح كريهة فضاء قاعة "la pré"، تزكم الأنوف، وتجعل الولوج إليها يحتم استعمال قناع. وتجدر الإشارة إلى أن دور قاعة الملاحظة التي لا تحمل بالمناسبة إلا الاسم، يكمن في مراقبة الحالات الصحية الاستعجالية والحرجة، التي يستقبلها قسم المستعجلات 24 ساعة ⁄ 24 ساعة، وكذا، تتبعها عن كتب مددا محدودة، لمعرفة خطورة الإصأبات، واتخاذ القرار الملائم تبعا لذلك، إما بالسماح لها بالمغادرة، بعد تلقي الإسعافات والعلاجات الضرورية، أو إحالتها على الأقسام الصحية المختصة، من قبيل قسم الجراحة، أو جراحة العظام وغيرهما (...). وعلاقة ببعض السلوكات التي كان الاعتقاد سائدا أنها ولت إلى غير رجعة، في مغرب الألفية الثالثة، فإن إدارة المركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة عمدت، مساءالاثنين 23 دجنبر 2013 ، إلى طرد مريضة في حالة صحية حرجة، من قاعة الاستشفاء، حيث كانت تخضع للتطبيب والعلاج. ما حدا بالمريضة إلى ملازمة مدخل قسم المستعجلات، والاستنجاد عفويا بصحافيين، ورجل أمن برتبة ضابط، كانوا في انتظار طلائع سيارات الإسعاف، كانت تقل تباعا ضحايا حادثة سير مميتة، وقعت على الطريق السيار الرابط بين البئر الجديد وأزمور. وأطلعت المريضة التي كانت تمسك في يمناها ورقة الخروج، المؤشر عليها من قبل إدارة المستشفى (bulletin de sortie)، الحاضرين على حالتها الصحية الخطيرة، التي تستدعي الاحتفاظ بها داخل المستشفى، وإخضاعها للعناية الطبية المركزة، عوض طردها في ساعة متأخرة من الليل، دون سابق إشعار، ومن ثمة تعريض حياتها للخطر المحدق. وكانت المريضة ذات البنية الجسمانية النحيلة، ترتدي لباسا بسيطا، لم يكن ليقيها من البرد القارس، الذي كانت ترتعش بسببه، سيما أن ضبابا كثيفا كان يخيم وقتها على مدينة الجديدة. وكانت الدموع تنغمر من عينيها، بعد أن وجدت نفسها مرمية ليلا إلى الشارع، في مواجهة مصير مجهول، في مدينة ليس لها فيها لا قريب أو رحيم. لم تكن تقوى على الحركة أو الكلام. وبكلمات متلعثمة وملامح معبرة، توسلت إلى صحافي أن يمكنها من هاتفه النقال، بغية ربط الاتصال بأفراد أسرتها وذويها الذين يقطنون بتراب جماعة أحد أولاد افرج (على بعد حوالي 6 كيلومترا من الجديدة)، لطلب حضورهم، وأخذها إلى البيت. هذا، واستنكر الحاضرون هذه الفضيحة المدوية التي هزت مشاعرهم، وحركت في أفئدتهم أحاسيس الإنسانية. ودفعتهم إلى الاتصال بالمندوب الإقليمي لوزارة الصحة العمومية، الذي كان يتواجد بمعية مسؤولين أمنيين اثنين، مدخل قسم المستعجلات (...). وأمر الممثل الإقليمي لوزير الصحة، بحضور الأمنيين رفيعي المستوى، حارسين من الأمن الخاص، بأخذ المريضة إلى داخل المستشفى. وبالموازاة، أبلغ الحاضرون لتوهم استنكارهم وتنديدهم إلى مدير المستشفى الذي كان يتواجد بدوره في عين المكان. فإذا كانت إدارة المستشفى لم تستحضر، لحظة طردها المريضة، التي تحمل صفة "مواطنة مغربية"، ومن رعايا جلالة الملك نصره الله، مقتضيات "النظام الداخلي للمستشفيات"، الصادر بشأنه قرار وزارة الصحة رقم : 11-456، بتاريخ : 6 يوليوز 2010، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية رقم : 2-5923، بتاريخ : 7 مارس 2011، فلماذا لم تستحضر حتى الجانب الأخلاقي والإنساني في التعامل مع هذه المريضة، التي ألقت بها ليلا إلى الشارع ... إلى مصير مجهول، قد يعرض حياتها للخطر المحدق، خطر تأزيم حالتها الصحية المتدهورة أصلا، وخطر الاعتداء عليها، أو واغتصابها، ولربما قتلها، سيما أن المركز الاستشفائي يقع ترابيا في أطراف عاصمة دكالة، في منطقة معزولة وخلاء، يخيم عليها الظلام ليلا ؟! وللإشارة، فقد كنا نشرنا تحقيقات مدوية، معززة بلغة الأرقام والإحصائيات، غير أن القائمين على شؤون البلاد والعباد، وكما يبدو، صموا آذانهم بشأن ما جاء فيها من وقائع مزلزلة، تستشف بالواضح والملموس. وإننا نحيل مجددا كل من يهمه الأمر على هذه التحقيقات، من خلال عناوينها المرجعية التالية : * نزيف الوفيات يتواصل في مستشفى الجديدة من "الجيل الجديد"... ومريض آخر يقضي نحبه في ظروف غامضة !! * مستشفى الجديدة : اختصاصيون لا يؤمنون "خدمة الحراسة" ومعدات صحية "حساسة" غير مشغلة ... و"نزيف الوفيات" يتواصل !! (+ فيديو) * "أكثر من 50 مريضا قضوا نحبهم في أقل من شهر في مستشفى الجديدة من الجيل الجديد" *فضيحة : مستشفى الجديدة "المغضوب عنه" يدشن "جيله الجديد" بطرد مريضة ليلا وتعريض حياتها للخطر !! (+ صور) هذا، وكان رئيس المجلس الإقليمي محمد الزاهدي شاهد عيان على ممارسات وسلوكات، قال أنها انتقلت من مستشفى محمد الخامس، إلى المركز الاستشفائي الإقليمي الجديد. وقد وثقنا لذلك بالصورة والصوت، من خلال شريط قيديو. ومن باب التذكير، نحيل كل من يهمه الأمر، لكل غاية مفيدة، على مقتضيات دستور المملكة المغربية (2011)، الذي يكفل جملة من الحقوق الأساسية، وأساسا على الفصل ال20، الذي هذا نصه : "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحني القانون هذا الحق" (الفصل 20). وكذا، على الفصل ال31، الذي نص على ما يلي : "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في : العلاج والعناية الصحية (...). وبالتوقف عند المركز الاستشفائي الإقليمي من "الجيل الجديد"، الذي لا يتجاوز نظيره في المغرب 12 مركزا استشفائيا، فقد كان وزير الصحة العمومية الأسبق محمد الشيخ بيد الله، وضع، السبت 7 يوليوز 2007، حجر الأساس لبنائه على مساحة إجمالية تبلغ 10 هكتارات، منها 29000 مترا مربعا مغطاة. وبلغت الكلفة الإجمالية لهذا المشروع الضخم، الممول من قبل الميزانية العامة للدولة، والبنك الأوربي للاستثمار : 319.000.000 درهم، خصص منها مبلغ 162.000.000 درهم، لإنجاز الدراسات والبناء، ومبلغ 157.000.000 درهم، للتجهيز.وقد ناهزت هذه الكلفة الباهضة 400 مليون درهم. هذا، وقد كان مقررا أن يكون هذا المستشفى جاهزا وعمليا، شهر يوليوز 2010، إلا أن ذلك تأخر بأزيد من 3 سنوات، لعدم احترام بنود دفتر التحملات، ولأمور حساسة، تداخل فيها السياسي بالانتخابي والاجتماعي و(...). وكانت لجن مركزية موفدة من وزارتي الصحة والداخلية وغيرهما، حلت في عدة مناسبات، بهذا المركز الاستشفائي. وكانت السلطات والجهات الوصية دخلت في سباق محموم مع عقارب الساعة، تحسبا لأن يتشرف الملك محمد السادس بتدشينه، على هامش زيارة جلالته، الثلاثاء فاتح أكتوبر 2013، لعاصمة دكالة. حيث أعطى انطلاقة فعاليات معرض الفرس الدولي، في دورته السادسة. ورغم أن تشغيل المستشفى الجديد تم الخميس 19 دجنبر الجاري، فإن ذلك قد حصل دون أن يكون فعلا جاهزا على أرض الواقع، في غياب اكتمال بنيته التحتية، التي لم يتم بعد توسعتها، بسبب سوق الخضر بالجملة، والذي أبانت السلطات عن عجزها وفشلها الدريع في تدبير ملفه الشائك، واستعصاء نقله إلى تراب جماعة مولاي عبد الله، مع إيجاد حل عادل ينصف التجار، ويراع مصالحهم وحقوقهم المشروعة. هذا، فإن الحقائق التي مافتئنا نجهر بفضحها، ليس من باب النظرة السوداوية، أو التشفي، وإنما بدافع الغيرة على مغربنا العزيز، لا ولن تشرف أن يقوم صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتدشين المركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة. وبالمناسبة، فقد كنا في الجريدة ربطنا الاتصال هاتفيا بممثلي السلطات الإقليمية والمحلية بالجديدة، وكذا، السلطات الصحية الجهوية. حيث أطلعناهم على حالتي المريضين اللذين يرقدان في قاعة الملاحظة. ولم يكلف أحد نفسه عناء الانتقال إلى المستشفى، للاطمئنان على المواطنين اللذين هما من رعايا صاحب الجلالة، الذين هم مؤتمنون على مصالحهم وحقوقهم، وعلى عيشهم الكريم. ومجددا، نوجه إلى مسؤولينا هؤلاء نداء "SOS"... ونطالبهم بإلحاح بتفعيل اختصاصاتهم وصلاحياتهم الدستورية والقانونية والأخلاقية، مع تحمل مسؤولياتهم.