لم يكد سكان مدينة الجديدة يستبشرون خيرا وتفاؤلا بترميم المسرح البلدي الذي حمل بعد انتهاء أشغال ترميمه اسم الفنان المرحوم محمد عفيفي ، حتى يكتشفوا أن هذه المعلمة تظل في أغلب أوقات السنة غير مستغلة، وفي حالة تنظيم تظاهرات ثقافية أو عروض فنية على قلتها، فهي لا تكفي لتلبية نهم ساكنة المدينة للفرجة الفنية و التظاهرات التثقيفية. يبقى من الصعب تقبل حقيقة تكلفة ترميم هذا المسرح الذي بلغت حسب التقديرات حوالي 800 مليون سنتيم والذي تم في إطار شراكة بين المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية والمجلس الإقليمي والجماعة الحضرية للجديدة والجماعة القروية لمولاي عبد الله، إنه مبلغ كبير مقارنة مع وضعية البنيات التحتية والمرافق الضرورية للمدينة التي تعاني من صعوبات في الصيانة كالطرق والمستشفيات والمدارس التي يفترض فيها الاستفادة من هذه الأموال أولا وأخيرا.
كم هي محظوظة مدينة الجديدة بتوفرها على هذا المسرح الذي تتمنى مدن مغربية عديدة امتلاك نظيره، لذلك فان العديد من المهتمين بالشأن العام المحلي يستغربون من موسم الجفاف الذي تعيشه هذه المعلمة، هل هو راجع إلى قلة العروض المسرحية والثقافية الوطنية والمحلية وبالتالي الحديث عن أزمة إبداع ؟ أم أن المسألة تنطوي على مشكل قلة الإقبال الجماهيري ؟ أم أن الأمر يتعلق بخلل على مستوى إدارة المسرح التي لم توفق لحد الآن في تسييره وتدبيره والبحث عن استضافة عروض مسرحية وثقافية على مدار السنة.
هذا و يتمنى العديد من المواطنين من السيد عامل الاقليم الذي كان له الفضل الكبير في اطلاق مشروع اعادة هيكلته وإصلاحه، أن يتدخل لاتخاذ إجراءات مستعجلة حتى لا تبقى هذه المعلمة مجرد محارة فارغة.
يذكر أن مسرح عفيفي الذي تم تدشينه في حلته الجديدة اواخر سنة 2012، و الذي كان يحمل اسم المسرح البلدي، يعد من اعرق المسارح على الصعيد الوطني، منذ ان افتتح لأول مرة في وجه الجمهور من طرف الإدارة الفرنسية سنة 1925. وخصص آنذاك لحفلات الرقص المعدة لأعيان المدينة من فرنسيين وعائلات المجتمع الأرستقراطي حاملا اسمsalle des fêtes أو " الساندوفيل" نسبة الى " سال دي فيت" كما كانت تسميها العامة من الناس في ذلك الوقت.
وفي سنة 1930 تحولت القاعة إلى مسرح، حيث عرفت أول عرض مسرحي في تاريخها بتاريخ 15 يوليوز 1930 " ...malade" للكاتب العالمي موليير أدتها جمعية فناني "مازكان" الفرنسية والتي كان رئيسها هو أول مدير لهذا المسرح، وظل على هذا النحو طيلة سنوات، لا يعرض سوى مسرحيات فرنسية لحدود سنة 1946، حيث عرف تقديم أول عمل مغربي كان تحت عنوان "إزاحة أمين" (suppression d`amine) لجمعية المسرح بالجديدة من إخراج إدريس لمسفر، وبعد سنة من هذا العرض أدت مجموعة مكونة من اليهود المغاربة المقيمة بالجديدة عرضا تحت عنوان "ابن الشاوية " للمخرج حايم ليعرف مسرح الجديدة بدء من سنة 1950 تحولا في مساره وعطاءاته من خلال مجموعة تظاهرات فنية مغربية وأجنبية إلى جانب ورشات في التكوين المسرحي.
إلا أن مسرح الجديدة لم يعرف انطلاقته المغربية الفعلية إلا غداة الاستقلال، حيث عرفت فيها البناية مجموعة تحولات على مستوى معمارها الهندسي، وفي نهاية الستينيات من القرن العشرين تم تعيين الفنان الراحل محمد سعيد عفيفي مديرا لهذا المسرح وعرف خلال هذه الفترة أزهى أيامه بفضل مجموعة من الفنانين الذين تواكبوا عليه وسطع نجمهم فوق ركحه كفرقة أصدقاء المسرح الفرنسي وفرقة المعمورة، إلى جانب مجموعة من نجوم المسرح العالمي والعربي أمثال ;Richard burtonوElisabeth Taylor وعميد المسرح العربي المرحوم يوسف وهبي وغيرهم كثير.. كما قام سعيد عفيفي بتأسيس فرقة مسرحية مؤلفة من مجموعة من الفنانين بمدينة الجديدة ونواحيها أمثال إدريس السملالي، عبد الله ندام، صيكوك مصطفى، محمد الدرهم، محمد بنبراهيم، محمد براضي، أمينة نيازي، مازور، وآخرين ساهموا في إغناء الحقل المسرحي وتطويره وقدموا عروضا نالت إقبالا منقطع النظير كعرض "البخيل" و "نوادر جحا" و"هامليت"... لتتوالى السنوات ويغادر سعيد عفيفي ويحل محله آخرون لم يستطيعوا مسايرة الركب الذي سار عليه سلفهم بسبب غياب هيكلة واضحة المعالم للمسرح كمؤسسة فنية تتطلب إدارة قارة وميزانية للتسيير والإنتاج والتنشيط .