أخنوش يترأس اجتماعا بشأن "الصحة"    مقاطعة طنجة المدينة تساهم في فعاليات المنتدى الاقتصادي المغربي الافريقي بحضور وفد روسي رفيع    تحذير مقلق.. "ناسا" ترفع احتمالية اصطدام كويكب بالأرض    الحرس الإسباني يحقق في وجود أنفاق لنقل الحشيش من المغرب    نقابة CDT تنظم مسيرة احتجاجية ثانية الأحد على خلفية الارتفاع المهول للأسعار وانتشار الفساد وتضارب المصالح    خبير إسباني: المغرب مرجع دولي في مجال مكافحة الإرهاب    من ساحة السراغنة إلى قلب الدار البيضاء…ذاكرة لا تُمحى    طالبي ينال الجنسية الرياضية المغربية    الدكتور نجيب بوليف يصدر كتابه الجديد: "الانتقال الطاقي بالمغرب… اختيار أم ضرورة؟"    اندلاع حريق في سيارة نفعية بمدينة الحسيمة    اعتقال متورطين في مقتل شاب مغربي بإسطنبول بعد رميه من نافذة شقة    نتنياهو: "يوم مؤلم" ينتظر إسرائيل    المغرب يلتقي بمصنعِين في الصين    مبيعات الإسمنت ترتفع في المغرب    وديتان للمنتخب المغربي في يونيو    المغرب يوجه ضربة جديدة للتنظيمات الإرهابية بإحباط مخطط "داعش"    الأرصاد الجوية تترقب يومين من التساقطات الإضافية في شمال المغرب    إيقاف بيلينغهام وريال مدريد يستأنف    أزمة المستحقات بين الشوبي ومالزي    "بويذونان".. دراما مشوقة على قناة "تمازيغت" تفضح خبايا الفساد ومافيا العقار بالريف    أطلنطاسند للتأمين تفوز بجائزة الابتكار في تأمين السيارات المستعملة ضمن جوائز التأمين بالمغرب وافريقيا 2025    شراكة استراتيجية في مجالي الدفاع والأمن بين الجيش المغربي ولوكهيد مارتن الأمريكية    تحت شعار «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع التنموي الديمقراطي» الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين    المغرب التطواني يفك ارتباطه بمحمد بنشريفة ويخلفه الدريدب    بعد الكركرات.. طريق استراتيجي يربط المغرب بالحدود الموريتانية: نحو تعزيز التنمية والتكامل الإقليمي    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    مجلس النواب ينظم المنتدى الثاني لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    عامل الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبًا عامًا جديدًا للعمالة    وزيرة الثقافة الفرنسية: المغرب يمثل مرجعية ثقافية عالمية    إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    مندوبية السجون تعلن عن إحداث دبلوم جامعي في الطب السجني    مسؤول إسباني: المغرب مصدر إلهام للبلدان الإفريقية في جودة البنيات التحتية الطرقية    عمر هلال ل"برلمان.كوم": المغرب لديه الريادة في سياسة السلامة الطرقية    وفاة المطربة آسيا مدني مرسال الفلكلور السوداني    الاستعدادات لمونديال 2030 محور لقاء لقجع ورئيس الاتحاد الإسباني    ناشر مؤلفات بوعلام صنصال: "أخباره ليست ممتازة" بعد ثلاثة أشهر على سجنه    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أبطال أوروبا .. البايرن وبنفيكا وفينورد وكلوب بروج إلى ثمن النهائي والإيطاليون يتعثرون    جهة الشرق.. التساقطات المطرية الأخيرة تعزز الموارد المائية وتنعش النشاط الفلاحي    رشيدة داتي: زيارتي للأقاليم الجنوبية تندرج في إطار الكتاب الجديد للعلاقات بين فرنسا والمغرب    رامز جلال يكشف اسم برنامجه الجديد خلال شهر رمضان    النفط يصعد وسط مخاوف تعطل الإمدادات الأمريكية والروسية    احتجاجات في الرباط تندد بزيارة وزيرة إسرائيلية للمغرب    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    دوري أبطال أوروبا.. بنفيكا يعبر إلى ثمن النهائي على حساب موناكو    ترامب يعلن عن إقالة مدعين عامين    بحضور وزير الثقافة.. توقيع شراكة استراتيجية بين سلمى بناني وسفير فرنسا لتطوير البريكين    منتدى يستنكر تطرف حزب "فوكس"    بعد تأجيلها.. تحديد موعد جديد للقمة العربية الطارئة    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    السعرات الحرارية الصباحية تكافح اكتئاب مرضى القلب    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خربوشة ... المرأة العيطة (مساهمة للنقاش)
نشر في الجديدة 24 يوم 08 - 09 - 2012

تكمن القوة المخزنية في بسط نفوذها من خلال نشر ثقافة الخوف وتشكل اللاوعي النائم الذي عبرت عنه مركوم بطريقة أو بأخرى، حيث يمكن اعتبارالقائد العبدي عيسى بن عمر رغم موته كجسد لم يمت كجهاز.

********
طالعنا خالد الخضري بكتيب يحمل عنوان" خربوشة...المرأةالعيطة" والذي يصفه بأنه إفراز لثلاثة عقود من أنشطة فنية وثقافية وإعلامية كانت وراء إخراج هذا المولود الجديد.
وفي نفس السياق يخبرنا عن محاولة كتابته نص مسرحي في نفس الموضوع ، وفيديو كليب عن الأغنية التي تحمل اسم خربوشة إلى جانب فيلم سينمائي روائي طويل أخرجه حميد الزوغي صيف 2007.
تصدير لابد منه لوضع المتتبع أوالقارئ ضمن إشكالية البحث في مسار التاريخ الشعبي لمغرب آواخر القرن 19 وآوائلالقرن 20 في منطقة شاسعة تمتد من واد تانسيفت إلى واد أم الربيع حكمها قائد"بحيتري" ، قصير القامة ، مهووس بالسلطة حتى النخاع اشتهر ب "قايد الواد" أو"قايد القياد" . إنه القائد العبدي عيسى بن عمر الذي تحول بفعل عوامل متعددة من قائدمغمور إلى قائد مشهور، حيث داع صيته من خلال صراع النفوذ بينه وبين قبيلة " اولادزيد "وغريمته الشرسة المعروفة ب " حادة الزيدية" .
من هنا ، فمساهمتنا في قراءة هذا الإصدار هي مساهمة لفتح نقاش حول " شخصية" كاريزمية تحمل عدة أسماء ( حادة/ خربوشة/ زروالة/ لكريدة. ..) والتي أضفتعليها الأسطورة والحكاية الشفاهية نوعا من السديم والغموض.
لقد أحسست شخصيا بشعور غريب وأنا أكتب سنة 1986 ،لجمعية رواد الخشبة بأسفي ، مسرحية بعنوان" حادة "وهي بالمناسبة تعتبر أول عمل مسرحي في المغرب ، على ما أعتقد ، تناول ظاهرة القايدوية في صراعها مع حادة الشهيدة. (1)
هذا الشعور ، بالضرورة ، يعترض كل مجازفة تعلن الغوص في متن شذرات الحصبة ، والتي أعتبرها شخصيا مغامرة محفوفة بالمخاطر أو بلغة أدق هي أقرب إلى" العوائق " الباشلارية إذا طاوعنا التعبير.
-1- حادة الزيدية أوالمرأةالعيطة
ما بين الأصل والامتداد مسافات من الزمن لا يمكن قطعها بسهولة باعتبارالتاريخ ليس خطا مستقيما يسهل على الباحث المشي فيه بيسر وأناة وإنما هو بؤر وقطائع وعقبات . وقد يزداد عناء الباحث عندما يتعلق الأمر بحقبة تاريخية تتسم بميسم التعقيد وتتداخل فيها مجموعة من المصادر الدالة على تضارب الآراء والمواقف.
تلك ، إذن ، هي حالة امرأة اشتهرت بتحديها لأشرس قائد عرفته منطقة عبدة فتداخلت في تركيب صورتها التاريخية بصمات من الواقع والأسطورة . فحادة أوخربوشة الأصل ليست سوى الأغنية /العيطة في شذراتها المتبقية والتي ضاع جلها ، مع كامل الأسف ، لأسباب لايتسع المقام هنا لذكرها . أما الامتداد فيمكن تقسيمه ، في هذا السياق ، إلى قسمين : الامتداد الخارجي والامتداد الداخلي . فالأول إبداعي محض تحكمت فيه عوامل الزمن والتطور. والثاني تقليدي يقتات من فتاة النموذج الذي يمكن وصفه ب " السيمولاكر" simulacre الذي يستنسخ الأصل وبالتالي يساهم في اغتياله وتدميره.
إن الامتداد الأخير الذي عرفه تاريخ العيطة خصوصا مع الشاعرة حادة لع بفيه التوجيه المخزني دورا كبيرا إلى جانب بعض فصائل الأغنية الشعبية التي تتعيش من فتاة النموذج مثلما وقع في" عيطة ( حاجتي ف كريني ) التي هي أصلا مننظم خربوشة، حيث أضيفت إليها أبيات ذات إيحاءات غزلية بل وجنسية بحتة... " (2) ففي نفس السياق يضيف الخضري قائلا إن الشيخة خديجة مركوم قد رفضت" في البداية غناء تلك القطع لما تضمنته من تقريع مباشر وصريح للقائد المذكور خوفا من انتقام حفدته الذين ما زالو على قيد الحياة" (3) . لكن حقيقة هذا" الخوف" ، من منظورنا، لا تتجلى في فروع الأصل أوفي فروع فروعه وإنما في امتداد الأصل وانتشار الظاهرة القايدوية وتغلغلها في اللاوعي الجمعي. وهنا تكمن القوة المخزنية في بسط نفوذها من خلال نشر ثقافة الخوف وتشكل اللاوعي النائم الذي عبرت عنه مركوم بطريقة أو بأخرى، حيث يمكن اعتبار القائد العبدي عيسى بن عمررغم موته كجسد لم يمت كجهاز. وهنا يكمن الفرق ،إذن، بين الأصل والامتداد، بين النموذج ونسخته الكاربونية ، بين خربوشة ومركوم . فالأولى ، من خلال التوصيف الشائع للباراديم paradigme، تمثل الصندوق بينما الثانية تفكر خارج الصندوق.
إن الامتداد المعروف بتجلياته الحالية ، سواء كان غناء أو تأليفا ، غالبا ما يسعى إلى تشويه الأصل ورجم الغائب بالغيب . فالاجتهاد مقبول ، والتأويل محمود ، لكن عندما يصبح الاجتهاد والتأويل تشويها ، وتنفلت من يد المجتهد والمؤول أدوات الاشتغال الدالة على الحسالنقدي والمقارنة وإخضاع الموضوع للمساءلة بمقاييس العقل والمنطق – سيما على مستوىالأغنية التي اشتهرت بها حادة – يضيع النموذج / الأصل في التلقيح والتلفيق ، وإعادة الكتابة . وهنا نكون أمام آفة قديمة قدم التاريخ اسمها " الانتحال" والتي لا يخلومنها تاريخنا العربي في رواياته وأشعاره.
وقد سبق لعميد الأدب العربي فيمشروعه النقدي أن كشف عن جزء من هذه الآفة.
-2- حادة أوخربوشة... المرأة/ العيطة

اشتهرت بأسماء متعددة فأضفىعليه االمخيال الشعبي"قناعا" أسطوري ارفعها في مصاف الشاعرات اللواتي قل نظيرهن في مغرب أواخر القرن19 وأوائل القرن .20 امرأة عاشت في مغرب السيبة. مغرب، كجميع الدول العربية، يعتبر المرأة حريما ونصيبا من سقط المتاع. وترسيم الهذه الصورة وضع على فمها قفلا، واعتبرها جزء من تفاصيل الشيطان.
فهل يمكن اعتبارخربوشة، إذن ، " شيطانا" بالمعنى اللاديني هزت أركان عقيدة دنيوية جديدة اسمها "القايدوية" ؟
إن أخطر سلاح لم يستسغه القائد العبدي هو سلاح القول المأثور . وإن الشيئ الذي لم يكن يتصورهأو يخطر على باله أبدا هو هجاؤه من طرف امرأة هي ، في عرفه ، خلقت لتكونجارية أو خادمة في بلاطه المطل على مملكته التي ترتعد لها الفرائص.
وإسهاما منا في توسيع روافد النقاش نورد هنا مطلع القصيدة الشهيرة للشاعرة حادة ،والتي لم يفرد لها الخضري مكانا متميزا داخل كتيبه باستثناء إشارة عابرة على هامش الصفحة 18 والتي لنا لها عودة فيما بعد.
تقول الشاعرة حادة : واميمتي والحصبة ولاَفة
وللا سروتها علاَفة
تبدأ القصيدة بواو الندبة ( واميمتي) وكأن الشاعرة ، هنا ، تندب حظ منطقة الحصبة وساكنتها التيابتليت بقائد لا يعرف الرحمة رفقة بطانته / السروت، بالمعنى المجازي للكلمة ،للتنصيص على حاشية ( علافة) لا هم لها إلا التبذير أو " العلف " بشراهة لاتطاق.
مصدر المبالغة ، هنا ، يتلوه نداء التوكيد اللفظي:
وتعال تعال
حتى نسولك
أداك الغادي
لايأخذ التوكيد، هنا، مبتغاه إلا بالسؤال الدال على أن العيطة ليست بكاء أوعويلا بالمعنى الذي ذهب إليه البعض ، والذي زاد وأكده الخضري بالقول :
"بل وحتى مصطلح" عيطة" مشتقا من عيط" يعيط" عياطا" أي صاح وأصدر صوتا عاليا شبيها بالنواح.. ولهذا يسمي المصريون البكاء بالعياط.."(4) فإذا كان موضوع العيطة يمتح من العاطفة والوجدان شأنه شأن جميع أنماط الغناء الإنساني المعروفة منذ القدم حتى الآن فهذ اليس مبررا يدفع بنا لتغريبها عن سياقها المادي والروحي .
فلماذا يذهب البعض، إذن، إلى تمصير لفظة العيطة مع العلم أنها منتوج مغربي بامتياز؟
فالمغاربة عندما ينادون على شخص ما ، يستعملون اللفظ الدارج( عيَطْ عْلى فْلان ) وهو لفظ مشتق من العيطة بمعنى النداء . في هذا السياق نفهم نداء الشاعرة حادة " وتعال تعال" ، حيث تكون وظيفة النداء/ العيطةهي المساءلة .
وبالرجوع إلى سياق الشذرة السابقة نفهم أن الشاعرة هنا تريد أن تطرح على المستمع أو المتلقي سؤالا ( حتى نسول أداك الغادي) حول الماضي وجراحاته لتفكيكه ومعرفة أسراره من خلال السؤال المزعج كما سنرى لاحقا.
وتضيف الشاعرة :
" واش شفتو ما شفت أنا؟"
فالشاعرة ، هنا ، مبدعة وفنانة بالمعنى العميق للكلمة . لقد رأت ما لم يره الإنسان العادي فوظفت تكنيك السؤال المستفز.
ثم تسترسل قائلة:
"واش شفتو خيل بن عيسى "
من العام إلى الخاص يتمفصل السؤال داخل سياق مجتمع بدوي مكبل بثقافة تمنع السؤال باعتباره مدخلا للفتنة.
ثم تجيب وهي تصف خيول القائد العبدي:
"كحلينوغريين
ف العلفة جاوا مساويين
ويلا انتم سمعتونا
راالزواق يطير" (5)
الجواب ، هنا ، واضح يقفز من فمه المكر موظفا أسلوب المدح المغلف بالقدح . فخيول القائد بهية في طلعتها ، متناسقة في " علفتها" ،لكنها في نهاية المطاف بهرجة حاكم ، صباغة ودباغة أي مجرد " زواق" سرعان ما يختفي ويطير.
إن الشعر ، عموما ، لا ينبث إلا في حقول الوجدان والعاطفة ، وبدونهما لا يكون للشعر وجودا يذكر . فالشعر شعور وإحساس ، وليس بالضرورة " عياطا" أو رثاء أو بكاء . وهذا بالذات هو شعور حادة الزيدية ، شعور امرأة أحست بالظلم فوظفت قوة الكلمة والشعر ضد قوة السلطة والقهر.
-3- حادة الأصل وامتدادالتقليد
إن المتتبع لهذه الشاعرة سيلاحظ أن ما كتبته وغنته عبارة عن شذرات تتسم بطابع تليغرافي يعتمد على الاقتصاد في اللفظ والتعبير الحريص على تكثيف المعنى . وبالتالي فحرص الباحث في هذا المجال يجب أن ينصب على مساءلة بنية القصيدة وفق معايير التشخيص الداخلي لبنية النص.
لنعد إلى هامش الصفحة 18 ، حيث نقرأ في إشارة عابرة للخضري ما يلي :
" الحصبة ولافة
وسروتها عطابة " (6)
لنتأمل هذه الشذرة الأخيرة ونقارنها بمثيلتها التي سبق لنا ذكرها في هذا السياق فسنلاحظ أمرين اثنين:
- الأمرالأول : إسقاط أسلوب الندبة لأسباب غير معروفة.
- والأمر الثاني :إبدال صفة " علافة" ب " عطابة" .
وبغض النظر عن عمق المعنى بين الصفتين الأخيرتين يسقط هذا التشطير المرتبك في اختلال الجرس الموسيقي . ومرد هذا في نظرنا إلى امتداد التقليد الذي طال حادة / الأصل ، والذي جعل الخضرينفسه يعترف بأن الأبيات التي غنتها حادة " قليلة ومتفرقة في عدد من العيوط الحصباوية " (7)
وأن هذا الامتداد الداخلي لما بعد الحصبة تتصف محاولاته التقليدية بالحذف والزيادة وبالتالي يساهم في خيانة الأصل ويسقط في فخ الاستنساخ المزيف. ولتبرير ذلك يسوق الخضري عبارة ماكرة بحجة أن مرد ذلك يعود إلى الحصبة ذاتها " لعدم تماسكها من حيث وحدة الموضوع " (8).
ومع كامل الأسف ، فنفس الشيئ لجأ إليه هو ذاته رغم علمه المسبق بأن جل ما تركته حادة الشاعرة ضاع ، وأن لكل مغن حصبته الخاصة .. ولتبرير هذا الفعل ، مرة أخرى ، يسوق لنا إشارة من مخرج فيلمه" خربوشة" بضرورة " نظم عيوط جديدة" (9) لأننا بتعبير الخضري " أمام عمل روائي وليس وثائقيا حول الشيخة حادة الملقبة بخربوشة ولا عن القائد عيسى بن عمرالثمري .. " (10)
إن العمل الروائي هو وثيقة وشهادة للتاريخ بغض النظر عن الإبداع والخيال اللذين من المفروض توفرهما فيه . وأن مهمة المبدع هي إعادة الحياة والروح للموضوع الذي يشتغل عليه والحرص على جعله ينبض بالحيوية والجمال.
فإلى أي حد استطاع الثنائي الخضري ورضوان ريفق الحرص على الوفاء للمادة التاريخية لحادة / الأصل ؟ هل فعلا نجحا في ذلك أم أنهما قدما لنا سيمولاكرا يمثل الظلال لا الأصل ؟
سيمولاكرا يفكر خارج الصندوق سيما أنهما قدما لنا شهادة حية يعترفان من خلالها أن " العيوط المؤلفة للفيلم " (11) هي من تأليفهما وليست من تأليف الشاعرة حادة ؟
سؤال نتركه للقارئ ليتأكد بنفسه أن ما قام به الثنائي في هذا المجال هو تجميع لشذرات متفرقة هنا وهناك فيمتون العيطة. فهذه المحاولة قد ركبت صهوة المغامرة . ففي المغامرة نصف النجاح كما يقول الفيلسوف الدنماركي كيركيغارد kierkegaard، لكن النصف الأخر قد يتجلى ، من خلال هذا الامتداد ، في الزمن الحصباوي الذي مر من الأصل إلى النسخ ، من النموذج إلى الأيقونة ، من زمن الماضي إلى زمن الحاضر ، فأنتج بالتالي شبيها " .. إلا أن هذا الشبيه قد يكون نسخة قريبة من الأصل ، وقد يكون نسخة بعيدة مشوهة : في الحالة الأولى تكون النسخة أيقونة ، وفي الحالة الثانية سيمولاكر ، ف " الصورة تنتمي إلى الظاهر ، إلى النسخة لا إلى الحقيقة" (12) . وبالتالي فملامحها ليست في الأصل ملامح الينبوع . وهذا لا ينطبق ، فقط ، على الخضري ورفيقه بل امتد ، أيضا ، إلى فوضى التقليد الذي طال إرث الحصبة فجعل عيوط حادة تتضارب إلى حد يشعر معها الإنسان أنه ليس أمام شاعرة واحدة بل أمام عدة شعراء مفترضين من بينهم الخضري وريفق.
وربما هذا " التأليف /المونطاج" ، الذي عرفته أغاني الحصبة على امتداد الزمن ، هو الذي أفقدها تماسكها من حيث وحدة الموضوع لا كما عزا الخضري ذلك إلى الحصبة ذاتها في موقع سابق.
-4- حادة... شهيدة الأغنية الشعبية

كانت جريئة إلى حد بعيد. غطت المعارك التي دارت بين قبيلتها وعسكر القائد بالأغنية الملتزمة. بحب الوطن وعشق الإنسان مجدت الحرية والكرامة. وبأنفة المرأة القروية قاومت الظلم ووقفت ضد طغيان رجل صغير سرعان ما تحول إلى مستبد كبير تربى في أحضان القايدوية فعشق السلطة حتى النخاع. شاركت قبيلتها، بالكلمة، والصوت، والغناء، وكانت مثالا للمرأة المغربية في أواخرالقرن 19 وأوائل القرن 20 التي انخرطت مبكرا في الشأن العام ورفضت ، رغم علمها بشراسة القائد وصرامته ، أنتبقى مجرد كومبارس فكانت نهايتها نهاية الفاجعة.
لابد من الاعتراف بأن ثورة اولاد زيد لم تكن لتنتشر شعبيا لولا أشعار حادة التي انتشرت كالنار في الهشيم وسافرت عبر امتداد الزمن رغم الحصار والتشويه الذي ساهم فيه المخزن تاريخيا لتبخيس صورة الشاعرة وتحويل" العيطة" إلى مهرجانات ومواسم للفرجة الرخيصة والرقص الممهور بإيحاءات جنسانية مبتذلة . كما يجب أن لا ننسى أن تمرد حادة لم يكن ، فقط ، ضد نظام مخزني أوليغارشي النزعة وإنما ، بمعنى ما من المعاني ، هو بوادر مبكرة لمشروع نسوي ضد مجتمع ذكوري تقليداني يغلب عليه الطابع الأبيسي المحض.
هذا الانفلات الاستثنائي المتمرد على قاعدة الولاء والطاعة للطقوس المخزنية كانت ضريبته" التصفية " التي تشبه الاغتيال السياسي بالمعنى المعاصر.
من هنا ذهب البعض إلى اعتبار "الحصبة" أدبا يمكن تصنيفه في إطار ما يسمى ب "أدب السجون" لكون الشاعرة اعتقلت ، وسجنت ، وربما كتبت أوأضافت "أشعارا" داخل السجن لم تصلنا لحد الآن.
ومما لا شك فيه أن يد الغدر امتدت إليها باعتبارها رمزا لثقافة المقاومة ، وصوتا ضد القهر والاستبداد القايدوي . لكن البعض يزعم أن القائد العبدي وأد"خربوشة المرأة حية في حائط"(13) بينما يزعم البعض الآخر أن نهايتها تمت ، بشكل مأساوي ، فيبئر اشتهر لحد الآن في منطقة الحصبة ب"بئر حويدة" .
ومهما اختلفت طرق التصفية فان حادة الزيدية ستبقى شاهدة على جريمة الغدر و الاغتيال.. ستبقى "عيوطها" شاهدة على جهاز مخزني متخلف أزعجه الغناء، وأربكته الكلمة الصادقة. ومن عمق شذراتها المتبقية تؤشر، للذين ما زالوا يفكرونخارج الصندوق، أن الأغنية الشعبية وعلى رأسها العيطة ليست وسيلة للتنويم أوكلاما ساقطا وإنما سلاح للتوعية والمقاومة.
ميراني الناجي

المصادر
1- مسرحية (حادة) : تأليفوإخراج ميراني الناجي ، تشخيص جمعية رواد الخشبة بأسفي
عرضت هذهالمسرحية بالمدن التالية : أسفي 1986 – كلميم 1993– مراكش 1993- Nenteilleبفرنسا 2005
2- خالد الخضري،خربوشة... المرأةالعيطة، مطبعة المعارفالجديدة ،الرباط، الطبعةالثانية2009، ص 50
3- نفس المصدر ، ص 56
4- نفس المصدر ،ص56
5- شذرات من أغنية الحصبة
6- نفس المصدر ، أنظرهامش الصفحة 18
7- نفس المصدر ، ص 53
8- نفسالمصدر ، ص 53
9- نفس المصدر ، ص 53
10- نفسالمصدر ، ص 53
11- نفس المصدر ، انظر هامش الصفحة 69 ،
12- عنjean pierre vernant أورده مصطفى النحال ، من الخيال إلىالمتخيل : سراب مفهوم ، مجلة فكر ونقد ، ص 74 السنة الرابعة ، العدد 33 نونبر 2000


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.