يعرض حاليا في بعض القاعات السينمائية ببلادنا الفيلم المغربي الجديد “خربوشة” (105 دقيقة) من إخراج حميد الزوغي و من بطولة الممثل المسرحي عباس كميل في دور القائد عيسى بن عمر، والممثلة هدى صدقي التي شخصت فيه بأداء متميز دور “خربوشة”، هذا الدور الذي نالت به خلال السنة الماصية بمدينة طنجة جائزة أحسن ممثلة في الدورة العاشرة للمهرجان الوطني للفيلم ، و تشارك فيه أيضا مجدوعة من الممثلين المرموقين من بينهم المرحوم عمر شنبوط و محمد الرزين و عبد اللطيف الخمولي. الناقد السينمائي المتعدد المواهب خالد الخضري هو الذي كتب السيناريو لهذا الفيلم بمساعدة شقيقه عبد الباسط انطلاقا من عدة أبحاث استخرج منها خالد الخضري عصارة تم تقديمها في سنة 2007 في ندوة نظمت في إطار الدورة السابعة لمهرجان العيطة بمدينة آسفي حول موضوع “العيطة الأصل و الامتداد” و هي عصارة تم إغناؤها و تطعيمها و نشرها في ثمان حلقات بجريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان “قصة خربوشة المرأة العيطة” . خالد الخضري هو الذي كتب كلمات العيوط الموظفة في هذا الفيلم بمساعدة ريفق رضوان و هي من ألحان الفنان المقتدر بوشعيب الجديدي و المغناة من طرف الفنانة المحبوبة خديجة مركوم و الفنان جمال الزرهوني. الفيلم بحكي جانبا من حياة الشاعرة الشعبية حادة الغياتية الزيدية الملقبة بخربوشة التي عاشت في نهاية القرن التاسع عشر بمنطقة عبدة (فخدة أولاد زيد بالقرب من مدينة آسفي في اتجاه الواليدية)، و هي شاعرة تحولت إلى أسطورة و إلى رمز للشجاعة و التضحية من أجل الحرية و العدالة و الكرامة ، و رمز للتمرد و الصمود و المقاومة في وجه الفساد و الطغيان و البطش و الظلم من خلال تصديها بأشعارها للقائد عيسى بن عمر الثمري الذي بعتبر من أخبث و أشد قواد مرحلة السيبة بطشا و طغيانا و تسلطا و فسادا، إذ كانت لا تهابه بل تتحداه هاجية إياه أشد هجو مباشر و قدح لاذع بواسطة عيوط انتشرت بسرعة و أصبح يرددها المغنون و عامة الناس قبل أن يقوم هذا القائد المستبد بإعدامها بعد فشله في استقطابها و إسكاتها. إحدى العيوط الواردة في هذا الفيلم تقول: “سير أعيسى بن عمر أوكال الجيفة، أقتال خوتو أمحلل الحرام، سير عمر الظالم ما يروح سالم، و عمر العلفة ماتزيد بلا علام، وراه حلفت الجمعة مع الثلاث يا عويسة فيك لا بقات”. الفيلم تراثي مثير بعنوانه و موضوعه و قصته، فيلم يغري بالمشاهدة للتعرف على قصة هذه السخصية الأسطورية المشهورة، و هو مطعم و ممتع بعيوط تطرب المشاهد بألحانها و أدائها و تحرك عواطفه و حماسه بكلماتها و معانيها. القصة مبسطة بطريقة سردها و بمضمونها و بنوعية أحداثها التي يطغى عليها الحوار بشكل ملموس، و كان يمكن لهذا الفيلم أن يكون أكثر حرارة و فوة درامية لجعل المشاهد يتعاطف بكل جوارحه مع شخصية “خربوشة” و يكره كل الكره القائد الشرير الذي كانت تتطلب شخصيته هو أيضا بناءا أقوى حتى يكون أكثر إشعاع للخبث و الشر. فكرة هذا الفيلم نبيلة بالعودة إلى النبش في الذاكرة الشعبية و التاريخ و التراث و تسليط الضوء على بعض شخصياته البارزة و الخالدة و جعل الأجيال الحالية تتعرف عليها ، و هي فكرة صعبة التحقيق تتطلب جهدا في الكتابة لتجنب السقوط في الأسلوب الوثائقي، و تتطلب بحثا و مغامرة و تحمل المسؤولية في خلق عمل روائي واقعي دون تحريف الواقع. و تجدر الإشارة في الختام إلى أن خالد الخضري أصدر كتيبا مفيدا يحمل عنوان “خربوشة... المرأة العيطة” يتضمن مجموعة من المعلومات القيمة حول هذه الشخصية و صورا لبعض الفنانين الذين شاركوا في إنجاز هذا الفيلم و كلمات كل العيوط المغناة فيه.