قليل من المغاربة يأكلون المحار أو "les huitres " كما يحلو لهم تسميته، ويعكس ذلك حجم المبيعات التي تبقى هزيلة مقارنة مع نسبة السكان، وسبب ذلك ثمنه المرتفع وكذا ندرته، كما أن قليلامن المغاربة يعرفون الشيء الكثير عن المحار وعن مصدره وما هي المراحل التي يقطعها قبل أن يصل إلى السوق المغربية... انتقلنا إلى الواليدية لسبر عوالم هذا الميدان الغامض، ووقفنا على جميع مراحل تربية المحار والصعوبات التي يعرفها...
المحار... معلومات قليلة «لم يسبق لي أن سمعت عن شيء اسمه المحار أو «ليزويتر» يقول عبد الله (44 سنة مستخدم بشركة) وقد بدت عليه علامات الاندهاش والحيرة، قبل أن يرد بسؤال «أشنو هاذ المحار؟». وبعد أن علم أن الأمر يتعلق بفاكهة من فواكه البحر، وأنه نوع من الحيوانات الصدفية المائية التي تعيش في المحيطات والسواحل وفي المناطق ذات المناخ المعتدل أو الحار، ازداد الأمر التباسا على الرجل قبل أن ينهي كلامه بالقول «أنا ما عرفتوش وما باغيش نعرفو». الجواب نفسه قدمته مجموعة من الأشخاص الذين التقيناهم، خاصة أن الفئة المستهدفة لم تكن من النخبة التي تشكل أقلية في هذا البلد، لتأتي الأجوبة تقديرية، وتتوزع ما بين الاكتفاء بجواب قصير بالقول "لا ماعرفتش" أو تقديم أجوبة لا علاقة لها بالمحار من قريب أو من بعيد، مثل القول بأنها "جرثومة" أو "حيوان سام" ... بعض الذين اقتربوا من الجواب وقع لديهم خلط ما بين المحار وبوزروك، إذ أن أحدهم (صاحب مخدع هاتفي) رد بشكل بدا من خلاله شبه متيقن " ليزويتر هو بوزروك "، وبعد أن علم أن الأمر ليس كذلك أبدى اهتماما لمعرفة المقصود بالمحار. شخص آخر ذو تعليم متوسط (الأولى ثانوي) قدم جوابا مشابها بالقول "ليزويتر حوت بحال بوزروك غالي بزاف كيتباع في شي مارشيات" ثم أضاف مبتسما "لم يسبق لي أن أكلته من قبل". ماهي المراحل التي يمر منها المحار قبل أن يصل إلى السوق؟ لا أحد ممن التقتهم الصباح قدم جوابا صحيحا، أو حتى اقترب من الجواب، وبدا أنهم يقدمون تقديرات وليس أجوبة مقنعة، مثلما قال ابراهيم (صاحب ورشة نجارة): "كيجبدوه الغطاسة من قاع البحر" قبل أن يستدرك ويضيف "واقيلا... أنا ما متأكدش" الشك نفسه امتلك أحمد (تاجر) حينما أكد أن "ليزويتر كيجمعوه البحارة من الصخر" ، مضيفا أن بعضا منه يكون ملتصقا بالصخر ويزيلونه ببعض القطع الحديدية ثم يعمدون إلى بيعه.
تجارة ليلة تدبيرها عام على بعد كيلومترين تقريبا من مدينة الواليدية بالنسبة للقادمين إليها من مدينة الجديدة، توجد طريق ثانوية على اليمين مؤدية مباشرة إلى البحر، لا إشارات وضعت من أجل إرشاد الزائر أو إخباره بان هناك معملا أو "بارك" كما يحلو للعاملين به تسميته لتربية المحار. الطريق محفوفة بالمخاطر مثلها مثل تربية المحار، كما يقول صاحب "البارك". من فوق تبدو بحيرة وضعت وسطها بعض الصناديق، كما تظهر صهاريج، وكلما اقترب الزائر إلى المكان صعبت الأمور عليه، خاصة إذا لم تكن لديه معلومات عن تربية المحار. "نحن نستورد بذور المحار من فرنسا، وتأتي ملتصقة في أنبوب بلاستيكي ثم نعمد إلى وضعها في صناديق ونضعها فوق طاولات خشبية مثبتة في الماء" يقول الصعيدي صاحب بارك بالواليدية متخصص في تربية المحار. بعد أن توضع البذور أو المحارات الصغيرة التي لا يتعدى طولها خمسة سنتمترات في الماء تقبع هناك لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر تتغذى خلالها من مكونات الماء وبعض الحيوانات الصغيرة، قبل إخراجها من الماء وفرزها بعد أن يتضاعف حجمها. «تزال المحارات من الأنبوب البلاستيكي بواسطة سكين ويتم وضعها في صندوق آخر وتوضع فوق الطاولة المثبتة في الماء من جديد في منطقة يمكن أن تجف فيها المياه أو تعرف مياهها مدا وجزرا حتى يتسنى لها التعرض لأشعة الشمس التي ستقوي قشرتها» يقول أحمد الباين، مسؤول الجودة في «بارك الصعيدي». «تربية المحار محفوفة بالمخاطر، على اعتبار أنه يبقى دائما عرضة للإصابة بفيروسات أو أمراض غير منتظرة» يضيف المكلف بالجودة بشركة لتربية المحار، ولهذا فصاحب «البارك» دائما ما يعيش على أعصابه ولا يتنفس الصعداء إلا بعد أن يتأكد من سلامة المحار ونموه بشكل طبيعي.
بعد المرحلة الثانية التي تدوم مدة قد تتجاوز ثلاثة أشهر، تتم عملية فرز المحارات حسب حجمها أو «الكاليبر» الخاص بها كما يسمونه. "المحار الكبير يسمى التريبل زيرو، وكاين الدوبل زيرو، والزيرو والواحد والجوج والثلاثة" يقول المكلف بالجودة في محاولة لشرح أحجام المحار، قبل أن يضيف أن المحار المطلوب في المغرب من الحجمين 2 و 3. وبعد عملية الفرز يرجع البعض من المحار الذي يتبين أنه مازال صغيرا إلى الماء لينمو هناك، فيما يوضع الباقي في أكياس بلاستيكية ويتم غسله من الرمال الملتصقة به، ثم يجفف قبل أن تبعث عينات منه إلى المصلحة الطبية المختصة للتأكد من جودته وسلامته من الأمراض. «يجب أن لا تتجاوز مدة عرض المحار في السوق ستة أيام، وإذا تعدت هذه المدة فإنه يصبح غر صالح للاستعمال» يقول المكلف بالجودة، قبل أن يضيف «إن باعة المحار يعرفون حجم مبيعاتهم خلال ستة أيام، ولذلك غالبا ما لا يتعدى طلبهم الكمية المتأكدين من أنها سوف تباع».
الصعيدي: الإنتاج الوطني لايتعدى ستة أطنان أكد محمد الصعيدي، أكبر منتج للمحار في المغرب أن إنتاج المحار في المغرب لا يتعدى ستة أطنان في السنة، مضيفا أن أغلبها تابع له ويكلف بتوزيعه على الأسواق الممتازة في مجموعة من المدن المغربية. وأكد الصعيدي، الذي دخل مجال تربية المحار سنة 1987 بمدينة الواليدية بمساعدة من أحد الفرنسيين، أن تربية المحار تعتريها مجموعة من المشاكل تأتي الإصابة بالفيروسات على رأسها، مؤكدا أنه خسر حوالي مليوني حبة من البذور منذ حوالي شهر، وينضاف إلى ذلك غياب دعم الدولة، وكذا متاعب تربية المحار التي تكلف أزيد من سنة من العمل، وهو ما يجعل ثمنه غاليا، إذ يصل إلى عشرة دراهم للحبة الواحدة في السوق. وأنهى الصعيدي كلامه بالتأكيد على أن المغاربة أصبحوا يقبلون في الآونة الأخيرة على استهلاك هذه المادة التي تأكد علميا أنها تتوفر على العديد من الفيتامينات والأملاح المعدنية، علاوة على فوائدها في تقوية القدرات الجنسية. الصديق بوكزول عن جريدة الصباح