بالقرب من مارشي النوار بالجديدة و منذ الساعات الأولى من الصباح تجدهن جاثمات على الأرصفة أو متكئات على أحد الأسوار المقابلة للسوق يثرثرن كثيرا و ينتظرن أكثر لعل زبونة أو زبونا يقصدهن ليتدافعن نحوه بكل قوة من أجل الفوز برضاها أو رضاه و لتكون المحظوظة هي التي تحظى بشرف الخدمة في البيت الذي ستتوجه إليه ، بغض النظر عن مكان تواجده أو مهنة صاحبه أو أي شيء آخر سوى من تحديد الثمن لا غير ، تختلف تخصصاتهن حسب السن و القدرة ، بعضهن يجدن " التخمال " و أخريات التصبين و أخريات ليست لديهن أية شروط همهن الحصول على لقمة عيش بأي ثمن يجدن كل شيء . اقتربت من إحداهن لم تكن شابة بل بلغت من السن عتيا من خلال قسمات وجهها و تجاعيده التي تخفي مرارة الحياة التي عايشتها ، بجلبابها الفضفاض المتدلي ، فاعتقدت أني زبون قد وقع اختياره عليها رأفة بها و بسنها ، فسألتها عن العمل الذي تتقنه فأجابت " كل ما ترغب فيه ، واخا كبيرة أوليدي راني حادكة " و لما سألتها عن أجرتها لم تمانع في أي مبلغ بقولها " لي جات من عندك خير ألف و لا 800 ريال لبغيتي أوليدي " فتركتها بدعوى أني مجرد مبعوث أسأل عن الأثمنة و سأعود ، فطلبت مني ألا أبدلها فتركتها تعقد آمالها على أي مبلغ المهم ألا يضيع يومها بدون فائدة ، و بينما كنت أولي وجهتي لوسط المدينة استوقفتني أخرى يبدو على محياها أنها شابة طالبة مني أن بإمكانها أن تقوم بخدمتي خصوصا التصبين و التجفاف بثمن مناسب و بأنها لمدة يومين لم يحالفها الحظ في أية خدمة لإعالة أبنائها ، فأدركت من حديثها أنها مطلقة بابنين و تقاوم تحديات الزمن من أجل توفير العيش لهما رفقة والدتها بشرف عوض اللجوء إلى ما أصبح يطلق عليه بتجارة اللحوم البيضاء ، فأخبرتها أنني لست في حاجة لذلك مانحا إياها عشرة دراهم من باب الرأفة و انسحبت . وضعية سيدات أخرجتهن ظروف الحياة القاسية للبحث عن قوتهن و قوت أولادهن و عائلاتهن بعدما عجزن عن إيجاد عمل قار بالمعامل و المصانع منهن كبيرات السن اللائي تخلى عنهن أولادهن بعد أن ارتبطوا بزوجاتهم أو بوظائفهم كما حال " أمي غنو " التي تنكر لها ابنها الوحيد الذي يشتغل كطبيب ، و مطلقات و أرامل و متزوجات أحيانا كحالة فاطمة التي تتنقل يوميا من آزمور للجديدة للالتحاق بطوابير هؤلاء السيدات ، أم لأربعة أبناء أصغرهم بالمستوى الخامس و زوج كسيح بفعل المرض ، فرغم ما تحصل عليه من دريهمات فهي تسد به مصروف البيت إلى حين أن ينعم الله عليها بما هو أفضل و تحكي في نبرة حزينة أنها تتعرض في بعض الأحيان لمضايقات و تحرشات في بعض الشقق و المنازل من قبل عزاب و متزوجين يكترون شققا خلسة عن زوجاتهن لممارسة الدعارة لأن هذه الحرفة ولجتها بعض الفتيات اللواتي يمتهن الدعارة فيون لهن الأجر مضاعف مما حول هذه المهنة إلى وصمة عار على جبين ممارساتها " فحوتة واحدة كتخنز شواري " . و إذا كانت معاملة هذه الفئة تكون في أغلب الأحيان دون المستوى من قبل أرباب البيوت ، فإن هناك أناس يقدرون هذه الفئة البشرية التي قست عليها ظروف الحياة و جعلتها تمتهن هذه المهنة لكسب القوت بشرف ، حيث نجد أن المرأة منهن تستضيف الخادمة منهن و بعد إنهاء عملها الذي طلب منها تمدها ببعض من الطعام و الملابس لأطفالها و لنفسها و في حالات أخرى يتم ربط علاقة من نوع خاص تتحول إلى صداقة و بالتالي تصبح نلك الخادمة المؤقتة هي المفضلة لصاحبة البيت تستدعيها كلما رغبت في ذلك فتصبح لها أجندة مضبوطة المواعيد حسب اليوم و الساعة كما أن التكنولوجيا الحديثة سهلت عملية الاتصال من خلال الهاتف النقال كما أكدت على ذلك زينب معربة أن لها زبائن دائمين يكفي أن يتصلوا بها غبر الهاتف لتتوجه إليهم سيما أنها تجيد كل الأعمال المنزلية و العجين و صنع الحلويات مضيفة أنها كانت تدرس لكنها غادرت نتيجة وضعها الاجتماعي السيئ فعملت كخادمة دائمة فتعرضت للإهانة الشديدة ففضلت العمل على هذا النمط لأنه أفضل لها من ناحية الوقت و كذا الأجرة و المعاملة حيث تصل أجرتها في اليوم إلى 100 درهم و بعض من الطعام و الألبسة . و إذا كان هذا حال صاحبات الخدمة بالبيوت و موقفهن من هذه المهنة التي يعتبرنها رغم ما ينتابها من شقاء و مخاطر أنها أسهل من العمل طوال اليوم تحت أشعة الشمس أو الأمطار ك " موقفية " في الحقول تمارس عليهن شتى أنواع التنكيل و الاستغلال البدني و النفسي و الجنسي ، فربات البيوت لهن أيضا موقفهن من هؤلاء الخادمات كما تقول فوزية أستاذة " بحكم عملي أحتاج لمن يساعدني في تنظيم شؤون البيت مرة كل أسبوع أو خلال بعض المناسبات المفاجئة ، لكنني بصراحة لا أتعامل مع هذه الفئة من نساء الموقف لأنني لا أثق فيهن و لا يمكنني أن أدخل امرأة لا أعرفها – فالوقت صعابت و تخلطات الأمور ما بقات ثيقة - لما سمعت عنهن من ممارسات كما أن من بينهن من تسرق كل ما وجدته أمامها ، فأنا لدي امرأة واحدة أتعامل معها لسنوات و أعرفها حق المعرفة لكونها كانت جارتي فيما مضى و أعرف وضعها الاجتماعي ، أما خديجة مستخدمة في القطاع الخاص فقد كانت معاكسة لوقف فوزية لأنها تفضل هذا النوع من النساء على أساس أنها تحدد شروطا لمن ستقوم بهذه الخدمة كالنظافة و المحافظة على البيت و أدوانه و تفضل أن تصطحب معها كل مرة واحدة حتى لا تتعود على ما بالمنزل و تصبح إذاعة متنقلة لأخبارها . أما عن حياتهن في بيوتهن ما بعد هذا العمل الذي لا ترحم معه عيون البشر فيكاد يون طبيعيا لدى البعذ منهن خصوصا إذا كانت الحالة الاجتماعية جد متدهورة تشستغل الأم بمفردها أمام غياب الزوج عنها كما هو شأن للا زهور التي تحمل معها في غالب الأحيان بعضا من ألكل الذي تسلمه لها ربات البيوت فتجمع حولها بناتها الثلات الكبرى و قد بلغت سن الرابعة عشرة في حين الصغرى لم تتجاوز بعد الثامنة ، لاسألهن عن الدراسة و لا سبء إلا عن كيف مر اليوم هل لم تقع صراعات مع الجيران سيما أنهن يكترين بيتا مع الجيران ، حياة جد قاسية و رغم ذلك تقول للا زهور أن بناتها يحققن نتائج إيجابية و لم ترسب فيهن واحدة ن عكس فطومة التي لا يقبل أولادها ما تحمله لهم من أكل بل حتى أنهم يرفضون أن تشتغل أمهم لدى الناس ربما لأنهم أصبحوا كبار نوعا ما و يرقون لما هو أحسن لكن من أين لي ذلك كما تقول و ابوهم رجا مقعد فقد شغله لسنوات و متطلبات الحياة كثيرة معاناة بين الشغل في البيوت و داخل بيتها و رغم ذلك تكابد مصرة على البقاء و توفير ما أمكن لهم مع أنه تخاف أن يتحول ابناؤها لما لا ترغب فيه يوما سيما أن اثنان منهم قد تركوا الدراسة و توجهوا لبيع الدطاي و البلاستيك حتى أنها تشك في أحدهم أنه يتناول المخدرات . لتبقى مهنة الخدمة باليوت من المهن التي تلجأ إليها النساء اللواتي لا حرفة لهن مع أنها عرفت تطورا خلال السنوات الأخيرة بفضل مجموعة من الآلات الكهربائية التي سهلت نوعا ما من مهمتهن و من العبء الذي كن يتلقينه في هذه المهنة حيث أن المرأة منهن أصبحت تعتمد على هذه الآلات سواء في التصبين أو التجفيف أو الكنس أو غيرها و مع ذلك ارتفعت سومة واجبهن اليومي خصوصا في بعض المناسبات كاقتراب موعد الأعياد الدينية نظرا للقلة التي أصبحت تميزهن و كذا لاجتياح هذه المهنة من قبل فتيات مازلن صغيرات السن لا يتجاوزن سن العشرين أغلبهن قادمات من الأسيجة المحيطة بالمدينة ، واقع فرضته عدة إكراهات و ظروف اجتماعية و اقتصادية ليبقى رغم ذلك عمل شريف على المجتمع تقديره و احترام صاحباته عوض التجريح بهن و مسهن في أعراضهن و شرفهن و محاولة النيل منهن و هن الغارقات في هموم الدنيا و مشاكلها التي لا حصر لها ، فرأفة بهن و آتوهن أجورهن قبل أن يجحف عرقهن كما يقول سيد الأمة محمد رسول الله . محمد الصفى