وجوه شاحبة تحكي المعاناة مع الحاجة والفقر، ونظرات سرعان ما تزيل الريبة والشك عن الغريب، وملابس بالية ورثة تفصح بشكل جلي عن نوع الحرفة الممتهنة من قبل نساء من مختلف الأعمار باتت واجهة شارع مصطفى المعاني وزنقة كولبر بسيدي بليوط بالدار البيضاء عنوانا لهن، يقصدهن الداني والقاصي من أجل الخدمة المنزلية . لكن حرفتهن لم تسلم من التدنيس فقد أصبحن عرضة لمزاحمة بعض النساء اللواتي يتسترن بغطاء الخدمة لاصطياد زبناء الشهوة ولو في عز النهار. الأحياء الهامشية للعاصمة الاقتصادية وضواحيها وبوادي الشاوية ودكالة وعبدة... تقذف باستمرار ببعض هؤلاء في غفلة من يقظة الضمير، وضعف الإيمان والاستسلام لضغوط الفقر والحاجة. العمل السهل على الرصيف قرب إشارة المرور جلست مجموعة منهن، فيما فضلت أخريات الهروب إلى الظل للاحتماء من حر الشمس ينتظرن أن يأتي زبناؤهن لطلب الاستعانة بخدماتهن. القليلات منهن من يلتزمن بأداء هذه المهنة مقابل ثمن زهيد، شعارهن الكفاح من أجل البقاء والعيش بكرامة لأن قيمهن لا تسمح لهن باللجوء إلى التسول والدعارة كما تفعل الكثيرات من الموقفيات. لا يخفى مقصد وجود أغلبهن في هذا المكان، يقول أحد التجار ففيهن الشريفة والوضيعة، مؤكدا أن القليلات منهن من يشتغلن خادمات أما البقية فيفسدن في الزنقة الموالية. ويحكي أحد الزبناء أنه طلب أكثر من امرأة للذهاب معه للقيام ببعض شؤون بيته بسبب مرض زوجته، إلا أنهن رفضن بدعوى أنهن متعبات أو بدعوى البعد، كاشفا أن الثلاثة جميعهن عرضن عليه ارتكاب الفاحشة دون مركب نقص. وفي زنقة كولبير المتقاطعة مع شارع محمد الخامس يسقط قناع الخدمة المنزلية في أول وهلة مع أول سؤال، حيث تتخذ المومسات من زوايا أحد المعاهد مكانا للاختباء وتصيد الزبناء. مطاردة الرجال تلجأ نساء الموقف إلى استمالة المارة أو الزبناء بنظراتهن التي يتطاير منها البلاء والفساد. أرامل ومطلقات وفتيات لا يجدن أية غضاضة في تقديم أنفسهن وجبة شهية وسهلة في متناول الباحثين عن اللذة الحرام في عز النهار دون وجل أوحياء. أوكارهن في ذلك بعض المنازل المجاورة للموقف بالمدينة القديمة. وتنتهز نساء الموقف اشتعال الضوء الأحمر وتوقف السيارات ليبدأن رحلة البحث عن زبنائهن، وترمين سهام أعينهن التي وإن أخطأت أحيانا فلا غرو قد تصيب أحيانا أخرى. وإذا نجح الصيد، وما أسهله، تفضل الكثيرات منهن، المساومة على العرض بعيدا عن مكان تجمعهن مخافة أن يلمحهن حراس السيارات الذين غالبا ما يدخلون معهن في خصومات بسبب تخوفهم من حدوث سرقات للسيارات، حيث يلجأ بعض اللصوص إلى هذه الحيل، كما حكت إحدى الخادمات. فساد في الستين الخدمة في البيوت وصفتها الضاوية أكثر من 60 سنة التي لقبت نفسها ب مسلكة الأيام بالصعبة والشاقة ومقابلها المادي يكون في كثير من الأحيان هزيلا مقارنة بالأشغال التي يقمن بها، ففي أغلب الأحيان قد لا يتجاوز الثمن 100 درهم، وأحيانا أخرى يكون أقل مقابل يوم شاق من العمل، حيث يمكن للمرأة من هؤلاء أن تقوم بغسل أكوام من الملابس وتنظيف مختلف أركان المنزل، الأمر الذي يستغرق يوما بأكمله من الصباح إلى المساء مقابل قليل من المال لا يلبي الضروري من الحياة، تؤكد هذه السيدة. لهذا الأسباب تفضل متحدثنا أن تمتهن الدعارة حتى يمكنها أن تقوم بأعباء أبنائها الثلاثة الذين لا يزالون يتابعون دراستهم في الجامعة والثانوية وأعباء الكراء والمصاريف اليومية، مضيفة أن لقاء واحدا لا يستغرق أكثر من 30 دقيقة قد تربح فيه ما تجنيه طيلة اليوم في منازل الآخرين. ويتأسفم على شيوع هذه المنكرات بمنطقته، مشيرا أن مسنين يزورون هاته الأوكار، وقد حدث قبل أيام أن أحدهم أكثر من 70 سنة انزلقت رجله من درج إحدى عمارات الدعارة وسقط مغشيا عليه أمام بابها. تساهل أمني يتدخل رجال الأمن بين الفينة والأخرى لتعقب المومسات من الخادمات اللواتي ينجحن في إحدى بيوتات الدعارة المنتشرة بعين المكان. ويوضح ماسح أحذية أن دورية الأمن لم تزر منزلا مشهورا للدعارة يوجد قرب صيدلية منذ أكثر من شهر اعتقل على إثرها الجناة لكن سرعان ما أطلق سراح الباغيات. أما بالشارع العام لم يسبق، حسب أحد المواطنين القاطنين بالمنطقة، أن نظمت حملة تطهيرية لهذا الوباء رغم بعض شكايات المواطنين التي لم تفلح لحد الساعة في وضع حد لهذه الظاهرة التي أضحت تشكل خطرا عليهم وعلى أسرهم.