«حنا هنا من صباح، نهار كنخدمو ونهار كنبقاو باركين كنتشمشو.. هذا هو حال العيالات ديال الموْقف».. هذا ما قالته نعيمة التي تجلس فوق الرصيف قريبا من «الموقف» المتواجد بشارع الحزام الكبير بالحي المحمدي، فهذه السيدة التي لا يتجاوز عمرها 45 سنة، تؤكد على أن وضعية نساء «الموقف» جد مزرية، في ظل غياب فرص الشغل. نعيمة التي تعيل 4 أطفال وزوجا معاقا، اعتادت الوقوف في هذا المكان ، «تطارد» المارة بأسئلتها الروتينية من قبيل «واش خاصك شي خدامة تصبن ليك»، «كنعرف ندير كاع الشغالات ديال الدار» .. وغيرها من العبارات التي ملت من ترديدها على مسامع المارة، من أجل كسب عطفهم وإيجاد فرصة عمل ولو بشكل مؤقت، توفر من خلالها «لقمة عيش» لأطفالها. أجور هزيلة ومغامرات غير محسوبة، هذا هو عمل نساء الموقف اللائي يعتبرن «مهنتهن» مهينة . بعيدا عن الموقف الذي تقصده نعيمة كل صباح، وبالضبط بشارع مصطفى المعاني، افترشت بعض النسوة حصيرة وجلسن يتجاذبن أطراف الحديث دون أن يلهيهن ذلك عن «مطاردة» المارة بأعينهن، لعلهن يجدن فرصة عمل تعفيهن من الجلوس تحت أشعة الشمس الحارقة. بين الفينة والأخرى كانت إحداهن تقف مخاطبة أصحاب السيارات والمارة «أش حب الخاطر: صابون، طياب...»، وبعد مرور حوالي نصف ساعة استطاعت أصغرهن إقناع صاحب إحدى السيارات بالعمل في منزله، وبعد الأخذ والرد، حول المبلغ الذي ستتقاضاه، تم الاتفاق ، ليصحبها معه، أما صديقتها خديجة التي تبلغ من العمر 40 سنة، فتقول بنوع من الحسرة، «الوقت صعابت، وهاذ الحرفة مابقا كيجي منها غير الذل وتمارة بلافلوس»! ليست نعيمة وهؤلاء النسوة، سوى نماذج تعكس معاناة نساء «الموقف»، بملابسهن البالية وملامحهن البائسة، نظرا لجلوسهن طول النهار في انتظار فرصة عمل يمكن أن تأتي أو لا تأتي. فهؤلاء النساء يواجهن قساوة الجو المتقلب وهن يغالبن «الزمن» دون استسلام لتوفير «طرف الخبز» لأبنائهن أو أفراد عائلاتهن. التواجد ب «الموقف» لايخلو من مخاطر، إذ في أغلب الأحيان تتعرض النساء لمقالب من طرف بعض المستغلين، و بهذا الخصوص قالت زهرة ، أرملة وأم لخمسة أطفال، إنها ذهبت مع أحد الزبناء إلى منزله من أجل التنظيف، حسب الاتفاق الذي كان بينهما، لكنها تفاجأت عندما بدأ هذا الشخص يطلب منها القيام بأشياء أخرى غير التنظيف، مما اضطرها الى الصراخ والخروج من منزله مسرعة! زهرة لم تستطع نسيان هذه الحادثة، رغم مرور حوالي خمسة أشهر، الأمر الذي جعلها تتعامل مع النساء فقط، لأنها أصبحت تخاف من تكرار نفس العملية. وفي السياق ذاته، أجمعت النساء الحاضرات على أنهن في غالب الأحيان يرجعن إلى بيوتهن خاويات الوفاض، هذا إذا لم يتعرضن للشتم والضرب. أما بالنسبة للأجرة التي تتقاضاها نساء الموقف، فهي لا تتعدى في أحسن الأحوال 50 درهما، مع العلم أنه يمكن للواحدة منهن أن تشتغل يوما وتجلس أربعة أيام، وبالتالي لا تتجاوز ميزانية هؤلاء النساء في الأسبوع 100 أو 150 درهما. وأمام ضحالة هذه الأجرة يصعب على هذه العينة من النسوة مواجهة موجة الغلاء التي تعرفها معظم المواد الغذائية. رقية ، التي تعد أكبرهن سنا وأقدمهن في هذه «المهنة » تقول: «إن هذه العراقيل التي تحدثت عنها صديقاتي تبقى هينة مقارنة مع المشكل الحقيقي الذي يواجهنا في إيجاد عمل شريف، لأن هناك مجموعة من النساء لايترددن في تقديم أنفسهن للباحثين عن اللذة العابرة، هذا الأمر أصبح يسبب الحرج وسط معارفنا وكذلك بين المارة الذين لا يميزون بين الصالح والطالح، مادامت الظاهرة أصبحت ، في رأيهم ، تمس نساء الموقف»! وقد أشارت إلى أنه سبق أن تم القبض عليها من طرف رجال الشرطة بتهمة «الفساد» لأن بعض الناس الذين يقطنون بهذا المكان يقدمون شكايات الى السلطات المعنية من أجل إخلاء الشارع من هؤلاء النساء. بالنسبة للسلطات الأمنية ، عبر لنا أحد المسؤولين، أن بعض نساء «الموقف» يلجأن إلى ممارسة الدعارة، إذ أنه في غالب الأحيان تقع مشاكل بين «بائعة الهوى» والزبون ويتضح من خلال التحقيقات أنه استدرجها الى المنزل «من أجل التنظيف والتصبين فقط»، هذا الأمر فيه نوع من اللبس، خاصة وأن شارع مصطفى المعاني ، مثلا، يعد قبلة لبعض بائعات الهوى، وفي الوقت نفسه يشكل مكانا تتجمع فيه نساء الموقف، مما يجعل دوريات الشرطة تقوم بحملات تمشيطية في انتظار ما تسفر عنه التحقيقات والتحريات. تختفي نساء «الموقف» كلما مرت دورية للشرطة ليعدن من جديد الى الظهور وافتراش الأرض و«مطاردة» المارة بأسئلتهن المعهودة ، بحثا عن «خدمة» توفر لهن دريهمات معدودات تنتظرها أفواه جائعة وأجساد هدتها الإعاقة، وضع ، اتفقت جل الشهادات التي استمعنا إليها ، على أنه مُهين، خاصة بعد أن انضافت إليه تهمة الدعارة!!