أحمد فيصل القادري ازداد بمدينة الجديدة ، هو نجل عبدالواحد القادري أحد رموز العمل الوطني بهذه المدينة إلى جانب قاسم العراقي والغزاوي والحاج عبدالله خالد يحيى وآخرين رحمة الله عليهم جميعا ، وهو أخ شقيق للمرحوم الجنرال دوكور دارمي عبدالحق القادري . لفيصل رحمه الله ذكريات كثيرة مع مدينة الجديدة التي قضى فيها طفولته ، وخاصة مرحلة الدراسة الابتدائية بمدرسة التهذيب والثانوية بثانوية ابن خلدون . وانتقل إلى البيضاء وتابع دراسته إلى أن أصبح مديرا عاما لشركة النقل الحضري بها " الطاك"وبعد أن تقاعد قرر العودة إلى الجديدة من بوابة الانتخابات الجماعية وبعدها البرلمانية ، خاصة لما وهنت صحة محمد أرسلان الجديدي ، ولاح أنه لن يترشح لولاية ثالثة . خاض فيصل الانتخابات الجماعية سنة 1997 ، وادرك نجاحا قاده ليصبح خامس رئيس لبلدية الجديدة ، بعد كل من المشمولين برحمته موسى سعيد ، وعبدالكريم الخطيب ومحمد ارسلان الجديدي والطاهر المصمودي . ولما قرب موعد انتخابات 1997 اعتقد الكثير من الناس ، أن فيصل القادري سيخوضها بلون حزب الاسقلال ، خاصة وان والده عبدالواحد القادري تربى في أحضان البيت الاستقلالي ، لكن ذلك لم يقع لكون أحمد عصمان وظف علاقته الوطيدة مع شقيقه الجنرال القادري ، لجر فيصل إلى البيت الأزرق . ولما دنا موعد الحملة الانتخابية أحاط فيصل نفسه بطاقم ممن اشتغلوا معه في " الطاك " ، ومنهم الداودي والحاج مومن ، واتخذ من السكن الفسيح للمرحوم السرغيني بشارع بغداد قرب المخيم الدولي للسياحة ، مقرا لاجتماعاته اليومية ، وكانت المرحومة زوجته امرأة حديدية هي ذراعه الأيمن ، ساعدته بشكل كبير في تذليل جميع صعاب الانتخابات الجماعية والتشريعية. . ولأنه تأكدت حظوظه في الظفر بأغلبية المقاعد ، التف حوله راغبون في الوصول إلى البلدية ، وبدوره استقطب أسماء من أحزاب أخرى لها امتدادات انتخابية في الكثير من دوائر المدينة ، إذ كانت الانتخابات في ذلك الوقت بنظام الدوائر الفردية ، ولم تطبق اللائحة إلا في اقتراع 2002 . كان الكل يعتقد أن الحملة الانتخابية ستمر هادئة ، لكن عكس ذلك كانت من بين أكثر الحملات الانتخابية اشتعالا ، بعد أن تقدم حزب الاستقلال بمرشحين ضمنهم عبداللطيف التومي وعبدالكريم التملي ، وازدادت اشتعالا عندما قرر أصدقاء لفيصل في طفولته ، منافسته باللون الفستقي لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية التي كان يقودها محمود عرشان ، وصادف أن أخاه أحمد عرشان كان كاتبا عاما لعمالة الجديدة ، في لائحة ضمت إدريس شاكيري وعبدالحق الفاتحي ونورالدين الشهبوني وإبراهيم توفيق وعبدالرحمن فرخي ومحمد زنيبي ومحمد وشام ومولاي عبدالحفيظ القاسمي وإدريس فتحي . وضمت لائحة فيصل القادري المهندس المعماري الشهير " حميد جسوس " والمصطفى أباتراب ومولاي إبراهيم السايسي وسعيد عكادي ونورالدين الراعي والدكتور عبدالرحيم مفضل وعبدالجبار بوهلال وامحمد كارينار . واختار فيصل الترشح في أصغر دائرة انتخابية بحي القلعة ، ولم يكن عدد المصوتين بها يتجاوز 150 مصوتا ، وحقق فوزا صعبا أمام خصمه ألأستاذ جمهور . وجاءت النتائج بصفة عامة مخيبة لآمال فيصل القادري ، الذي لم يحصل سوى على 7 مقاعد فقط من أصل 35 ، وتساءلت السلطات يومها كيف لشقيق واحد من جينرالات الدولة الأقوياء ، يتعرض لهذه السقطة المدوية التي قلصت حظوظه في الوصول إلى رئاسة البلدية . وظهر أن رئاسة البلدية أضحت بين حزب الاستقلال الذي أحرز 11 مقعدا والعرشانيين 9 مقاعد وتوزعت باقي المقاعد على ألوان سياسية اخرى ضمنهم لامنتمون منهم أحمد الروفاعي وعبدالرؤوف باكيري وبلعيد بردوقي . وفي اليوم الموالي للانتخابات كان فيصل القادري في منزله بالكولف يحزم حقائبة للعودة خائبا إلى البيضاء ، وفي تلك اللحظة زاره رجل خبر الانتخابات لزمن طويل ويحفظ عن ظهر قلب منطق التحالفات والتحالفات المضادة ، ولم يكن سوى الحاج بوشعيب زاهيدي الذي كان يشغل منصب المنسق الإقليمي للأحرار ، وهو الذي قاد مشاورات في البداية مع العرشانيين بقصد التحالف مع فيصل ، لكنهم أرجؤوا الرد على ذلك إلى حين التشاور مع زعيمهم محمود عرشان . حول الحاج بوشعيب زاهيدي بوصلته نحو الفريق الاستقلالي الذي كان ضمنه عبداللطيف التومي وجمال بنربيعة والمصطفى صباطة وبدأ مشاوراته مع عبدالكريم التملي بفيلا عبدالرحيم مفضل بالبلاطو ، أثمرت إقناعهم بالتحالف مع القادري رئيسا وعبداللطيف التومي نائبا له . ولكي لا يتم اختراق التحالف الذي أسس له بوشعيب زاهيدي ، تم الاتفاق على رحيل الفريقين الأزرق والوردي إلى البيضاء وبالضبط إلى فندق " هوليداي إين " وفي ثاني ليلة استدعي فيصل على عجل إلى الفندق وكانت الساعة تشير إلى منتصف الليل ، حيث وجد الاستقلاليين وبامتعتهم بصدد العودة إلى الجديدة ، غاضبين من المصطقى اباتراب ، الذي كان أحضر إلى التحالف شخصا غير مرغوب فيه من طرف الاستقلاليين ، ويتعلق الأمر بمحمد زنيبي الذي رفض أن ينضم إليهم بعد الفوز . وطالب الاستقلاليون بإخراج زنيبي من الفندق كشرط لبقائهم في صف القادري ، وهو ماتم فعلا عندما تكلف أباتراب بإرجاعه وزميله محمد وشام على متن سيارة في ملكية محمد العسري على الساعة الثالثة صباحا إلى الجديدة. ولما اكتشف العرشانيون الفندق الذي يقيم فيه أعضاء التحالف الاستقلالي التجمعي ، تقرر إخلاء الفندق وتغيير الوجهة إلى ضيعة في ملكية القادري تقع في مديونة . وفي سبيل الحصول على أغلبية مريحة تقرر اختراق العرشانيين ، بتقزيم عددهم وتكلف أباتراب بهذه المهمة الصعبة عندما رجع إلى الجديدة وتمكن من جر محمد وشام وعبدالرحمن فرخي وصالح المضيجي ، وأخذهم ليلا إلى ضيعة القادري ، لكنه أخطأها تحت جنح الظلام ، ليجد نفسه يحرث مزبلة مديونة طولا وعرضا ، ولم يصل إلى الضيعة إلا عند الفجر . وبعد ثلاثة أيام اجتمع المتحالفون وقسموا المناصب بينهم ، على أساس فيصل رئيسا وعبداللطيف التومي نائبا أول له وجمال بنربيعة نائبا ثاني وتوزعت باقي المناصب بنوع من التوازي . لكن الاستقلاليين اجتمعوا ليلا ، وقاموا بانقلاب أبيض على التومي ، حيث غيروا وجهتهم في النيابة الأولى نحو جمال بنربيعة ، وهو ما أغضب عبداللطيف التومي الذي كان على وشك نسف التحالف ، إلا أن وساطات احتوت الوضع وحافظت على لحمة الفريقين . وبذلك فاز أحمد فيصل القادري برئاسة بلدية الجديدة ، كخامس رئيس لها وكان الساعد الأيمن له ورجل المهمات الصعبة عبدالجبار بوهلال الذي راكم تجربة إدارية طويلة وواجه القادري خلال ولايته معارضة شرسة من طرف العرشانيين . وفي نفس السنة أي 1997 ترشح للانتخابات التشريعية ، أمام خصم عنيد هو عبداللطيف التومي ، وعرفت الحملة بينهما اصطدامات كثيرا ماكان يتدخل فيها مولاي الطيب الشرقاوي وزير الداخلية الاسبق ، الذي كان يشرف على الانتخابات في مكتبه من عمالة الجديدة من موقعه آنذاك كوكيل عام يترأس اللجنة الإقليمية للانتخابات بإقليم الجديدة . وفاز فيصل بولاية نيابية امتدت من 1997 إلى 2002 ، ولم يفز بولاية ثانية كانت من نصيب عبدالرحمان كامل عن حزب رابطة الحريات وخالد الحريري عن الاتحاد الاشتراكي وزكرياء السملالي عن الاتحاد الدستوري . كما أن فيصل القادري لم يفز في الانتخابات الجماعية برسم 2002 إلا بأربعة مقاعد ، وقرر تحويل وجهته حيث ترأس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بإقليم الجديدة ، وبعد ذلك قرر العودة إلى البيضاء التي استقر بها إلى حين وفاته المفاجئة في يوم 9 ماي من سنة2008 / وتلك أيام نداولها بين الناس .