كعادتها كل سنة تحرص الثانوية التأهيلية عقبة بن نافع بالبئر الجديد، التابعة للمديرية الإقليمية للتعليم بإقليم الجديدة، على إحياء المناسبات الوطنية ذات الدلالة التربوية القوية في نفوس متعلميها، فاختارت هذه السنة الاحتفال بالعلم الوطني وترسيخ احترامه وقدسيته في نفوس متعلميها بشعار معبر "العلم الوطني فخرنا عبر السنين". فكانت الثانوية مسرحاً لفعاليات رياضية وثقافية وبيئية وندوات تحسيسية تجعل من العلم الوطني أسها وأساسها، وديدنها في ذلك تربية متعلميها أحسن تربية على كل ما يعلي من قيم المواطنة لديهم، وخير تربية على حس المواطنة إعداد الناشئة على فضيلة الاعتراف للآباء والأجداد بحسن صنيعهم، يوم وضعوا أكفهم على أيديهم وواجهوا بأرواحهم الكائدين للوطن، والناكثين بوعودهم تجاهه. وفي هذا الإطار جاء تخليدها للذكرى ال75 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بأنشطة علمية وتربوية وتحسيسية متنوعة، من خلال النادي الإعلامي ونادي المواطنة وحقوق الإنسان بشراكة مثمرة مع فرع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالجديدة. على أن جديد هذه السنة كان دوري رياضي جمع متعلمي المؤسسة من كل المستويات ومن كل الشعب، تباروا فيه طيلة شهر بأكمله، ليتوجوا مساء الخميس 17 يناير الجاري على الفوز وعلى الروح الرياضية والتنافس الشريف. كما بقية تمثلت الأنشطة في أروقة موضوعاتية تبرز جوانب متعددة من كفاح المغاربة ملكاً وشعباً في سبيل الاستقلال، وهكذا أقامت رواقاً لصور ملوك العائلة الملكية منذ مولاي علي الشريف وانتهاءً بالملك محمد السادس، وصوراً تبرز لحظات قوية من كفاح المغاربة في سبيل تحقيق الاستقلال، من قبيل صورا للراحل المغفور له محمد الخامس في بداية توليه للحكم، وصورا أخرى له في خطاب طنجة التاريخي الذي تحدى به سلطان الحماية في المنطقتين الخليفية والسلطانية، وأخرى تخلد لنفيه رفقة أفراد عائلته في مدغشقر، أو لحظة نزوله من الطائرة عائداً إلى الوطن مكللاً بالنصر المبين والجماهير الشعبية تتزاحم تحية له ولكفاحه الكبير. كما ضم الرواق صوراً متعددةً للمغاربة في مشاهد كفاحية خالدة من صفحات تاريخ البلد، من قبيل صورة لعلال بن عبد الله يحاول اغتيال صنيعة الاحتلال محمد بن عرفة، وصوراً أخرى كلها ذكريات خالدة لكفاح المغاربة ملكاً وشعباً في سبيل السعي وراء حلم الاستقلال. كما احتضنت المؤسسة معرضاً لكتب المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير، تعّرف فيه المتعلمون على عشرات الكتب التاريخية التي تتناول جوانب عديدة من المقاومة الوطنية والجهوية والمحلية بالإضافة إلى موسوعة المقاومة وجيش التحرير وغيرها الكثير. ضرب متعلمو المؤسسة موعدا صبيحة الخميس 17 يناير الجاري لتنظيف المؤسسة والعناية بفضائاتها الخضراء في خطوة ارتأى منها منظمو الفعالية الرفع من منسوب روح التطور عند المتعلمين والعناية بالفضاء الذي يقضون فيهم أغلب أوقاتهم. وفي مساء الخميس كان للمتعلمين موعدٌ مع ندوة علمية بخمس مداخلات متكاملة الموضوعات. أولها كانت لجبران صالح، ممثل المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير بالجديدة، بعنوان "قراءة في وثيقة المطالبة بالاستقلال" صال فيها وجال، بجولة علمية شيقة، في ظروف تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، حين طفح كيل المغاربة بالمستعمر، بعد سلسلة طويلة من خيبات الأمل فيه وفي وعوده الكاذبة، فكانت محطة 11 يناير 1944 بحق علامة بارزة في كفاح المغاربة من أجل الاستقلال، لعل أبرزها أنها تؤشر على الإعلان الرسمي لقيام تحالف بين السلطان سيدي محمد بن يوسف والحركة الوطنية المغربية، بعيداً عن منطق المطالبة بإصلاح نظام الحماية الذي اتخذته الحركة الوطنية سبيلاً لعملها منذ توقفت المقامة المسلحة في ثلاثينيات القرن الماضي، والذي كان يرتكز أساساً حول إصلاح التعليم والمطالبة بحرية الرأي والصحافة. وبيّن المحاضر كيف تطورت تلك الحركة بالخصوص بعد 1930 بمناسبة مناهضة المغاربة للظهير البربري الصادر في 16 ماي 1930، ثم تطورت تلك الحركات الاحتجاجية عن طريق العرائض والبرقيات والمناشير والرسائل بالخصوص منذ 1934 وتوجت بمذكرة مطالب الشعب المغربي التي قُدمت إلى السلطان والسلطات الفرنسية العليا في كل من الرباط وباريس. ومنذ ذلك التاريخ بقيت الحركة الوطنية تحاول الدفاع عن مضامين تلك المذكرة بصيغ متعددة أهمها مذكرة المطالب المستعجلة لسنة 1936 بعد تجمع القوى الوطنية في أكتوبر من نفس السنة بالرباط وإصدارها لتلك المذكرة التي تلخص مطالب مذكرة 1934 وتقف عن حدود مطالبها الدنيا. وستستمر تلك الوضعية إلى حدود 1944 حيث ستتفاجأ الدوائر المسؤولة بتقديم وثيقة 11 يناير للمطالبة بالاستقلال. وفي ختام تدخله بيّن جبران مجهودات المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير في حفظ ذاكرة الحركة الوطنية بمختلف السبل، من عقد نشر الكتب والمجلات والدوريات والكتبيات، وإقامة ندوات علمية والانفتاح على باحثين متخصصين في تاريخ المقاومة، وحفظ ذاكرة المقاومين وذاكرة أماكن المقاومة على حد سواء، وغيرها الكثير من الأعمال، والتي من بينها الانفتاح على المؤسسات التعليمية قصد إعداد النشء على حب الوطن ورموزه. المداخلة الثانية كانت لعضو المجلس الرابطة المحمدية للعلماء بالجديدة عبد الله هيتوت، الذي ذكّر بدوره بكفاح المغاربة ملكاً وشعباً، كل من موقعه، في سبيل تحقيق الاستقلال المنشوذ، فرّكز في كلمته على روح التعاون التي سادت الوطنين من جهة والسلطان محمد الخامس طيب الله تراه من جهة أخرى. أما رابع المداخلات فكانت لعضو المجلس العلمي المحلي بالجديدة حسان القندوسي، حيث بين رمزية العلم الوطني وقدسيته، بجولة في تطور العلم الوطني عبر التاريخ من العلم الأبيض إلى العلم الحمر ثم الأحمر بنجمته السداسية ثم العلم بنجمته الخماسية رمز أركان الإسلام الخمسة. وختم مداخلته بتذكبب المتعلمين بالعبر الكثير المستقاة من هذه تضحيات المغاربة دفاعا عن الوكن ورموزه الخالدة، ولعل أبرزها روح التنظيم في كل شيء، وحث المتعلمين على العض عليها بالنواجذ حتى يحققوا النجاح في حياتهم كما حققه أجدادهم ضد المستعمر الغاشم. وجاءت شهادة المقاوم عبد العزيز مرتضى حية نابذة بالتفاني في حب الوطن والدود على حياضه بالغالي والنفيس، حين أقدمت سلطات الحماية في خمسينيات القرن الماضي على نفي المعفور له محمد الخامس من عرش أسلافه الميامين، بعد أن خاض معركة الامتناع عن توقيع الظهائر التي كانت تعدها الإقامة العامة بما يخدم مصالحها أولاً وأخيراً، فما كان من شباب المقاومين أمثال مرتضى إلا أن انطلقوا في العديد من الأعمال الانتقامية من المعمرين وأذنابهم الخونة، فعمل مرتضى على إحراق محلاتهم واغتيال العديد في فاس، لينتقل بعد أن افتضح أمره إلى المنطقة الشمالية ملتحقاً بجيش التحرير. كان عبد العزيز مرتضى يتكلم عن تلك الفترة العصيبة من تاريخ البلاد بكل جوارحه، والحضور ينصت له باهتمام كبير، عندها وجد المتعلمين ما كانوا يدرسونه في قاعاتهم المغلقة في مادة التاريخ مجسداً من لحم وذم وخاصة في أحاسيس صادقة. واختتمت الأمسية بتوزيع المداليات على المتعلمين الفائزين في دوري العلم وأخذ صور تذكارية مع الضيوف لاقت استحساناً كبيراً على ناشئة الثانوية التأهيلية عقبة بن نافع، ورفع عبد الكريم بن التومية عضو المجلس العلمي المحلي بالجديدة في ختام الفعالية الدعاء بأن يحفظ الله البلاد والعباد بالأمن والسلام والرخاء، وأن يحفظ الله أمير المؤمنين بما حفظ به الدكر الحكيم، ويسدد خطاه ومسعاه، ويعين المتعلمين في امتحاناتهم ومستقبلهم بما يعود على البلاد بالخير.