نظم مختبر "الدراسات الإسلامية و التنمية المجتمعية" و "مختبر دراسات الفكر و المجتمع" بكلية الآداب و العلوم الانسانية بالجديدة بشراكة مع "المجلس العلمي المحلي لسيدي بنور" ندوة علمية في موضوع "وحي السماء و أزمة الفهم" و ذلك يوم أمس الخميس 3 يناير 2019 على الساعة التاسعة و النصف صباحا بمدرج مركز دراسات الدكتوراه بالكلية أطر فعالية هذا اللقاء العلمي نخبة من الأساتذة الجامعيين و الباحثين من الكلية و خارجها. افتتح مدير المختبر الأستاذ الدكتور"نور الدين لحلو" فعالية الندوة بكلمة رحب فيها بالحاضرين أساتذة و طلبة باحثين و تحدث عن دواعي تنظيم هذا اللقاء وأهمية الموضوع مشيرا من خلال تدخله على أن ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم أمران ينبني أحدهما على الآخر، ضعف الأمة المادي أدى إلى ضعفها العلمي)فلا رأي لمن لا يطاع)، مبينا أن هذا الضعف جرأ الغير على التطاول على الأمة في تراثها و مقوماتها، و ليس ثمة مجال لذلك إلا اتباع الهوى في الفهم و التفسير و من ثم الاجتهاد و الاستنباط و التنزيل. إذ لا مجال لإضافة أصول أو حذفها، أو تغيير نصوص و تعديلها لكن هناك مداخل كثيرة للتلاعب بفهم النصوص و المعاني يضيف الأستاذ. المداخلة الثانية ألقاها الأستاذ الدكتور "أحمد العمراني" بين من خلالها أنه من الواجب التحدث اليوم عن مأزق فهم النص من حيث التأويل، الذي تسبب في تمزيق الأمة، أضاف قائلا:"وبالرغم من أن الوحي من الله تعالى لكن تفاوت الأمة في فهمه هو ما أحدث الاختلاف الحاصل منذ القدم وظهر منه الفهم المقبول والفهم المردود، وهناك قراءات كثيرة مردودة للقرآن الكريم سواء منها القديمة المتمثلة في قراءات الخوارج والمعتزلة والفرق الأخرى أو القراءات الحديثة لأصحاب الاتجاهات الفكرية الاجتماعية التي اعتمدت على مناهج الغرب الحديث لفهم النص والتي خرجت بأفهام متعددة ومتضاربة حتى فيما بينها." بعد ذلك قدم الأستاذ الدكتور "محسن بن زكور" مداخلته بعنوان "البعد النفسي في تفسير القرآن الكريم بين التأصيل والغلو"، ركز فيها على دور الآلة اللغوية في فهم النص، وأنه من الواجب على المفسر امتلاك هذه الالة اللغوية للوقوف على مراد الله وفهم خطابه، و بين أن النظر إلى تفسير الغرب لهذا النص بالإضافة إلى اعتماد الآلة يصحب ذلك الخلفية الأيديولوجية التي أحيانا تكون موجهة للنص بحسب منطلقات المفسر الفكرية. موضحا أن المناهج الغربية ساهمت بحق في تفسير الظواهر الاجتماعية واخضاعها إلى البحث في العلوم الطبيعية لكن عندما دخلت على النص حاملة معها خلفيات أيدولوجية دخلت في اشكالات فهم النص وفق مناهج انزاحت بفهم النص عن مساره القويم، لذلك اختلفت قراءات الاشخاص الذين ينتمون إلى المدراس الغربية والنتائج التي توصلوا إليها. كما شدد على أن التفسير القويم يقوم على علوم منبثقة عن القرآن الكريم نفسه من مثل الحديث واللغة وأسباب النزول وعلوم القرآن فكامل هذه العلوم وتقاربها يساهم في فهم النص القرآني أكثر من مناهج لا تمت بصلة ببيئة القرآن وسياقه العام. الدكتور"عبد الهادي جناح" من خلال مداخلته في موضوع " تعطيل النص الشرعي بدعوى الاجتهاد وإعمال المقاصد نماذج من أقضية عمر بن الخطاب"، بيَّن بأن كثير من الاتجاهات اليوم تعطل النصوص بدعوى الاجتهاد وإعمال المقاصد الشرعية، و أن النصوص اليوم تشتكي من الجمود على الظاهر في تحقيق المناط وتنزيل الحكم على واقع الناس، لذلك كان تنزيل النص لابد أن يصحبه علم بالواقع وأحوال الناس واستحضار مقاصد الشريعة ومآلاتها. الأستاذ "محمد سهلي" تطرق في مداخلته إلى موضوع "خصائص النص القرآني وحدود التدبر بين الإغلاق والإطلاق" مبرزا جهود الشريعة في حفظ النص أولا من حيث حروفه، وثانيا من حيث بذل الجهد في تحصين الفهم لهذا النص، وإن كانت الأمة أمنت حفظه وصونه إلا أنها لا تزال حذرة ووجلة في تلقي المعاني المحمولة عن النص القطعي من التقول على الله أو تأويل كلامه. الدكتورة نبيلة "نبيلة الزكري" بدورها بينت من خلال موضوعها "الاختلاف في تفسير آيات العقيدة وتجلياته في الخلاف الكلامي"، أن الاختلاف في فهم النص أنتج مجموعة من المذاهب والفرق التي اختلفت في فهم النص خاصة في مبحث المحكم والمتشابه في القرآن حيث قامت بعض الفرق في تأويل المتشابه والمحكم من القرآن الكريم واستخدمت كل فرقت هذه النصوص ووجهتها بحسب اتجاهاتها الفكرية وآرائها العقدية ونصرتها. بعد ذلك ألقى الدكتور "رشيد عمور" مداخلته في موضوع "الدرس العقدي الأشعري وأثره في الفهم الصحيح لنصوص الوحي ودرء الفهوم السقيمة عنها"، و عبر قائلا" إن ظاهرة سوء الفهم يراد به ذلك الفهم الذي لم يستمد من كتاب ولا من سنة أو فهم الصحابة وجميع الأمة أو حمل النصوص على غير محملها أو غير المقصود بها شرعا أو عرفا خطأ أو جهلا. إن فهم النصوص لا يتأتى إلا لمن أدرك أصول التفسير وجمع الآثار التي قيلت فيه، ورجح بينها فتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم أولى من تفسير الصحابة وتفسيرهم أولى أيضا من غيره وأهل اللغة كذلك تفسيرهم أولى وأقرب لأن الغالب في النصوص إنما تفسر على ضوء المقاصد وتعليل النصوص وهذا لا يتأتى إلا من هذه المصادر." كما وضح أيضا أن من أسباب سوء فهم النص الجهل بالدين وأخذ العلم من غير أهله أو من القنوات أو الشاشات أو الشبكات العنكبوتية التي لا تعرف مظانها أو يسيء فهمها من طرف هؤلاء أو تكون إجابات هذه النصوص مبينة على واقع أو سياق غير واقع القارئ لها، وهذا مما جعل الكثرين يحملون أسلحتهم اليوم على بني جلدتهم وقتل الابرياء من قبيل هذا الفهم للنص من غير محله أو مظانه المعتبرة. و بيَّن الأستاذ الدكتور "حسن صدقي" من خلال مداخلته في موضوع "اللغة العربية من أهم ضوابط فهم النصوص مع مراعاة السياق" أن القرآن الكريم أرقى الأساليب الخطابية ولفهم خطابه لا بد أن تتحصل للدارس مدارك الوقوف على أسراره اللغوية والبلاغية والمعاني الدلالية و مشددا على أن مراعاة السياق في فهم القرآن الكريم مهم وله دور كبير في تصحيح المعنى وتحصيل البيان المراد من النص. الأستاذ الدكتور"سعيد النكر" توقف بدوره عند "المنهج الاصولي وشرطا العلمية والموضوعية في فهم النص الشرعي" موضحا أن فهم النص يقوم على أربع مقومات أساسية وهي الضامنة لاستمرار الوحي والانسان والسماء والأرض، وهي المحققة لخاصية المواكبة الزمنية والمكانية في شريعة الإسلام، ويضيف الدكتور أن هذه العناصر هي وجود النص والواقع ووجود العقل ومنهج يسير عليه هذا العقل، فكل نص ليوصل رسالته الخطابية لابد له من مرجعية، فكل نص لا يوصل رسالته من غير فهم الواقع وفهم لكلام الله يسقط في الفهم السيء للنص، و هذا الفهم السيء ينعكس على الإنسان وواقعه وعلى كل ما يرتبط بحياة الإنسان، فالاستعمال المغرض لنصوص القرآن والسنة يحول بين الوحي والإنسان ويحول بين الدين والواقع ويمنع الهدى القرآني والنبوي في تحقيق وظائفه التكوينية والتربوية في واقع الناس. الدكتور"مراد زهوي" تطرق هو الآخر لموضوع "التصوف السني ودوره في نشر الفكر الوسطي والفهم الصحيح للنص الشرعي الامام الجنيد نموذجا"، أبرز من خلاله أن فهم النصوص هو من الأمور الخطيرة التي إذ ما لم يستقم فيها التدبر الصحيح يؤدي إلى منزلقات فكرية خطيرة، لذلك فإن الاتجاه الصوفي السني يمثل نوعا من الأفهام الصحيحة للنصوص الشرعية والتي تدعو إلى تزكية النفس والتدرج بها وهذا ما جاء به الجنيد السالك إلى جانب الفقه المالكي، حيث يعد التصوف من بين المقومات الأساسية والثوابت المغربية الأصيلة الذي اتخذه المغاربة منهجا لهم وشكل من أشكال الفهم للنص. ليتوقف بعد ذلك الأستاذ الدكتور "محمد موهوب" عند موضوع "تدبر القرآن بين المحمود والمحذور" تحدث فيه عن معنى التدبر الذي اعتبره النظر في واقع الأمور و كذلك التصرف بالنظر إلى العواقب، وأن فهم كل آيات من القرآن يحتاج إلى الرجوع إلى ما أثر عن السلف الصالح، وحاول الأستاذ أن يورد بعض التفاسير التي استندت في تفسيرها على ما أثر عن الصحابة والتابعين، لتميز مرحلتهم وقربهم من نزول الوحي مثل تفسير الطبراني والشوكاني، كما أكد على ضرورة امتلاك الآلة (اللسان العربي) الذي اعتبره المفتاح الوحيد لفهم النص لكون هذا الأخير جاء بلسان عربي مبين. ليختتم الطالب الباحث "عبد الحليم زوبير" فعالية اللقاء العلمي بمداخلة أخيرة في موضوع " آيات السلم والحرب في القران الكريم ودعاوى النسخ بين ضوابط التأصيل وحجات التنزيل" تحدث فيها عن العلاقة بغير المسلمين في القرآن الكريم والتي حددها في مستويين اثنين مع المحاربين ومع المعاهدين، كما ركز على القيم التي جاء بها الإسلام والتي تحدد منهج التعامل مع الاثنين، و عرض مجموعة من القيم التي أرساها القرآن الكريم كقيمة العدل والانصاف التي حددها حتى مع المحاربين و التي توجب على المسلم التحلي بها وعدم التخلى عنها. وفي الختام تقدم الطلبة الباحثون في سلك الدكتورة والماستر بطرح مجموعة من الأسئلة و الإشكالات ذات الصلة بالموضوع ليجيب عنها الأساتذة المحاضرون.