الخروج المندفع والحاشد لأعضاء في حزب العدالة والتنمية، في ما يشبه "النفير العام" نحو موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، للتنديد بالتدخل الأمني لفض التجمهرات التي عرفتها مدينة الحسيمة زوال يوم عيد الفطر، ولشجب ما يعتبرونه "مقاربة الدولة" في معالجتها لحراك الريف.. يحتاج إلى قراءة سياسية، مثلما زعم عبد الصمد السكال، رئيس جهة الرباط، بأن مشكل الحسيمة هو في عمقه سياسي، وأن حلّه ينبغي أن يكون سياسيا. فهذا التدافع والاندفاع الجماعي، يأتي في سياق زمني مطبوع بأبعاد ودلالات سياسية قوية، سيما بعد "التقريع" الملكي لأعضاء في الحكومة السابقة والحالية، على هامش أشغال المجلس الوزاري الأخير، وذلك لتهاونهم ونكوصهم في بلورة وتفعيل مشروع الحسيمة منارة المتوسط! وأي متتبع للشأن السياسي الوطني، يُدرك، دونما نباهة أو حدس سياسي، بأن رئاسة الحكومة السابقة والراهنة عادت وتعود لحزب العدالة والتنمية، وأن أعضاء الحزب تقلدوا ويتقلدون حقائب وزارية مسؤولة بشكل مباشر عن تفعيل وتنزيل جوانب مهمة من ذلك المشروع الطموح، من قبيل قطاعات الطاقة والمعادن والتجهيز والنقل، بينما يشرف حلفاؤهم الأقربون "والإستراتيجيون"، عن حقائب أخرى جوهرية، مثل السكنى والتعمير والصحة وكتابة الدولة في الماء. هذا "التقريع" الملكي، الذي تم التعبير عنه رسميا ب"الاستياء وخيبة الأمل" لدى الجالس على العرش، مع إعطائه أوامر سامية بالتفتيش والافتحاص، ورصد المسؤوليات في غضون أسبوع، يسمح، بدون شك، بفهم دوافع هذه الخرجة الإعلامية لأعضاء حزب العدالة والتنمية، والتي يمكن اعتبارها بمثابة "استباق لنتائج التحقيق في هذا الملف"، والذي قد يعصف بمسؤولين وزاريين من الحزب، أو على الأقل يحملهم المسؤولية السياسية عن التهاون والتقاعس في تنفيذ مشروع ملكي، كان سيكون له انعكاس استراتيجي على ساكنة الحسيمة. ومن هذا المنظور، فإن تصريحات عبد الصمد السكال وعبد العلي حامي الدين وإيمان اليعقوبي والشيخي ونبيل الأندلسي وعز العرب حليمي وآمنة ماء العينين... هي كمن يصب الزيت على النار، لتأجيج لظى أعمال الشغب بالحسيمة، في محاولة لإطالة عمر الأزمة بالريف عبر ممارسة الضغط و" الابتزاز" على الدولة، وذلك لإبعاد قبس نيران المسؤولية من تلابيب عباءة حزب العدالة والتنمية. فكيف يمكن تفسير الخروج المتزامن والمتطابق لرئيس جهة الرباط، وكذا، النائب البرلماني عن مدينة سلاالجديدة، للتنديد بالوضع في الحسيمة، مع تباعد المسافات وانتفاء الصفة والمصلحة بلغة القانون الخاص. وكيف يتجاسر عبد العالي حامي الدين على الكلام رسميا باسم الحزب، منددا بأقصى العبارات الممكنة بما اعتبره "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، بيد أنه ليس هو الناطق الرسمي باسم الحزب، كما أن هناك توجيه سابق من الأمين العام للحزب يطلب فيه عدم التعليق على موضوع حراك الحسيمة! المعطى الثاني في سياق هذا الحديث، هو أن تصريحات قياديي حزب العدالة والتنمية، هي كمن يبحث عن "صك غفران" ليبعد به الحزب مسؤوليته عن أحداث الحسيمة. ألم يزعم صراحة عبد العالي حامي الدين بأن "مواقف الفريق البرلماني سواء بالنواب أو بالمستشارين تؤكد أن الحزب يرفض أسلوب الداخلية في التعامل مع الاحتجاجات"، مستطردا بأن" صمت قيادة الحزب دليل على الاختلاف الجوهري مع المقاربة التي تعتمدها الدولة تجاه حراك الريف"؟. لقد نسي أو تناسى حامي الدين بأن "الصمت" لا يعني إطلاقا الاختلاف أو الرفض، سواء بلغة القانون أو الشرع. فهذا الإمام الغزالي يقول "السكوت في معرض الحاجة إلى بيان فهو بيان"، وبلغة القانون، فالسكوت والصمت في معرض الحاجة إلى رد، هو بمثابة موافقة ضمنية وليس رفضا. فأن تحجم الإدارة أو المرفق العام أو سلطة الوصاية عن الرد أو التعبير عن الرفض داخل الأجل القانوني، يُعدّ موافقة وتأييدا مبدئيا للطلب. ولعلّ ما ذهبت إليه النائبة الشيخي، عندما زعمت بأن الأمن كان مستعدا، بشكل قبلي وممنهج، لتعنيف وضرب المتظاهرين، هو أطرف ما صدر عن أعضاء حزب العدالة والتنمية في أعقاب هذه الأحداث المؤسفة. فالنائبة المحترمة التي تقتات من أموال دافعي الضرائب، أدلت بتصريحات لا تصدر سوى عن الكهنة والمنجمين والعرافين وقراء الفناجين! فكيف فطنت النائبة المحترمة، بشكل مسبق، إلى أن الأمن كان عاقدا العزم على استخدام العنف؟ وكيف تسنى لها معرفة أن هذا العنف كان سيكون ممنهجا؟ الجواب، بطبيعة الحال، سيكون بدوره متوفرا في أوراق النرد وفنجان القهوة الذي استلهمت منه النائبة تصريحاتها واتهاماتها الأولى. إن الهدف من هذا المقال ليس هو استهداف حزب بعينه، ولا تبرئة أطراف في الدولة، ولا انخراطا في حرب التموقعات والمواقف، وإنما هو محاولة لقراءة الوضع من خارج إملاءات السياسة، وإغراءات التقرب من الدولة، وتوظيفات الإيديولوجية المسبقة من المخزن. فمواقف أعضاء حزب العدالة والتنمية، في هذا التوقيت بالذات، وبتلك النبرة التخوينية للدولة، ليست في صالح سكان الحسيمة، ولن يكون لها انعكاس إيجابي على شعبية الحزب، ولن تبعد عنه مسؤولية النكوص في مشروع الحسيمة منارة المتوسط... لسبب بسيط وبديهي، وهو أنها ليست حلولا أو مبادرات حزبية عملية لتضميد الجراح وتقريب وجهات النظر المختلفة في هذا الملف، وإنما هي محاولات للهروب من المسؤولية والاصطفاف التكتيكي خارج رقعة الدولة، التي يعتبرونها الآن مسؤولة بمفردها عن الحراك، بينما يتقربون منها زلفى في آخر الشهر، لتقاضي الرواتب السمينة والحصول على العطايا والمكرمات.