تحت شعار "وحدة اليسار .. رسالة من أجل التغيير"، كانت قاعة بلدية آزمور، مساء يوم السبت الماضي، على موعد مع لقاء جماهيري نظمته الأحزاب المكونة لفيدرالية اليسار الديمقراطي (حزب الطليعة وحزب المؤتمر والحزب الاشتراكي الموحد) وأطره الأمناء العامون لهذه الأحزاب: عبد الرحمان بنعمرو وعبد السلام العزيز ونبيلة منيب. فعاليات هذا اللقاء الذي قام بتقديم وتنسيق فقراته الشاب المهدي يسيف، انطلقت بتقديم مقاطع غنائية هادفة للفنانين عز الدين الحسيني وعادل الدرويش لقيت تجاوبا من طرف الجمهور الحاضر،ليتم بعد ذلك إعطاء الكلمة للآنسة فاطمة الزهراء بلفقير التي ألقت بالمناسبة كلمة اللجنة الإقليمية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بإقليم الجديدة، والتي استهلتها بتقديم التحية لشباب آزمور وعموم ساكنتها على احتضانهم للمشروع اليساري وهزمهم لجبروت لوبيات الفساد والمال الحرام رغم تواطؤات السلطة المحلية مع رموز الإقطاع والتحكم،معلنة أن اختيار آزمور لاحتضان هذا اللقاء الجماهيري هو نوع من التكريم لساكنتها التي التفت حول مناضلي الفيدرالية وحلفائهم،واتخذت موقفا بطوليا في مواجهة كل المناورات الرامية إلى تأبيد الأوضاع السابقة وتمكين رموز الفساد من العودة مجددا إلى دفة التسيير،أيضا تطرقت كلمة اللجنة الإقليمية إلى ضرورة توحيد صفوف اليسار"...هذا الحلم الذي أصبح ضرورة موضوعية لمواجهة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية وطرح البديل الديمقراطي اليساري الذي من شأنه بعث الأمل في النفوس...."تقول ممثلة اللجنة،لتنتقل بذلك إلى الحديث عن الاختلالات والمشاكل التي تعيشها مختلف القطاعات والمؤسسات بالإقليم سواء بالمدن أوبالمناطق القروية،نتيجة سوء التدبير وتواطؤ السلطات الإقليمية مع المفسدين والإقطاعيين ورموز الأحزاب الإدارية. بعد ذلك أعطيت الكلمة لرئيس المجلس الحضري لمدينة آزمور بدر نور البيت الذي استهل مداخلته المقتضبة بتقديم التحية والشكر للأمناء الثلاث وكذا للجمهور الحاضر،مذكرا الحضور بالمكانة التاريخية التي احتلتها آزمور عبر العديد من المراحل والحقب".....آزمور هي من اولى البلديات التي تأسست نواتها في سنة 1908،آزمور مدينة عرفت الجهاد ضد المستعمر البرتغالي كما قاومت الاستعمار الفرنسي،كما أنها كانت من المدن التي احتضنت الحركة التقدمية من خلال اول مجلس بلدي بعد الاستقلال...." يقول رئيس المجلس الحضري. ثم يستطرد قائلا في نفس السياق "بأن مدينة آزمور للأسف مدينة نخرها الفساد والنهب واستفحلت مشاكلها بفعل التهميش الذي مس مختلف مناحي الحياة فيها..."لكن بفضل إرادة وعزيمة الشباب وعموم الزموريين استطعنا جميعا مع حلفائنا أن نعيد الأمل ونسترجع المبادرة....الانطلاقة كانت منذ 2010 مع حركة 20 فبراير واستمر النقاش والنضال من أجل مصالحة الشباب مع السياسة....وكان النصر للشباب اليساري.." يستطرد رئيس المجلس. أما بخصوص الصعوبات التي اعترضت وتعترض المجلس الحالي لمدينة آزمور فقد أعلن "نور البيت"أمام الجمهور الحاضر بأن المجلس تسلم مهامه بميزانية "صفر درهم"،ففي نفس اليوم الذي تم تسليم السلطات بين المجلسين السابق والحالي يتم تنفيذ حكم قضائي بسرعة قياسية،حكم يقضي بالحجز على ميزانية المجلس لفائدة أحد المقاولين من الحزب "المعلوم"،لكن ومع ذلك يصرح رئيس المجلس "بأننا وبالرغم من كل العراقيل استطعنا الحصول على تمويل مهم لإصلاح وإعادة هيكلة المدينة القديمة بمبلغ يصل إلى مليار و600مليون سنتيم"، وفي ختام كلمته لم يفته أن يعلن "..بأننا أيضا نجحنا أيضا في تنظيم هذا اللقاء الجماهيري رغم محاولات النسف وتقديم إغراءات مالية لبعض البلطجية للقيام بهذه المهمة...إننا نتوفر على شهادات وتسجيلات بهذا الخصوص ونحتفظ بحقنا في متابعة هؤلاء ...."يقول بدر نور البيت. بعد ذلك تناول الكلمة عبد الرحمان بنعمرو الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي ابتدأ مداخلته بالتعبير عن تحيته وافتخاره بشباب ومناضلي مدينة آزمور الذين عبروا عن وفائهم وتشبتهم بقيم ومبادئ الديمقراطية والنزاهة،مشيرا ومعقبا في نفس الوقت على تصريحات رئيس بلدية آزمور بخصوص الصعوبات والعراقيل التي وضعت في طريق التجربة اليسارية الفتية بهذه المدينة،مؤكدا على أن رموز الفساد وأعداء الديمقراطية لن يستسلموا لهزائمهم وسيستعملون كل الوسائل للعرقلة والتخريب لأنهم يتوفرون على إمكانيات مالية هائلة سرقوها من الشعب، لهذا ينبغي الاحتراسفالمعركة طويلة وعسيرة وتحتاج للنفس الطويل رغم الانتصارات التي قد نحققها هنا وهناك" يقول بنعمرو،ليعود بعد ذلك إلى التذكير بمواقف أحزاب فيدرالية اليسار وهويتها التي تأسست على مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان،مشيرا إلى مختلف المعارك التي خاضها المناضلون اليساريون والتضحيات التي قدموها في سبيل هذه المبادئ والمطالب "ومابدلو تبديلا" حيث تعرض المئات من اليساريين لشتى أصناف التعذيب في المعتقلات كما تعرض العديد منهم للاختطاف والاغتيال.." يقول بنعمرو ،ثم يضيف قائلا"...نحن استمرا لحركة التحرير الشعبية التي زاوجت بين النضال الديمقراطي والنضال من أجل استكمال الوحدة الترابية وتمكين الشعب المغربي من دستور ديمقراطي إعدادا ومضمونا،دستور يؤكد صراحة على فصل السلط واستقلال القضاء وترسيخ سيادة القانون،لقد استطعنا بفضل نضالاتنا تحقيق بعض المكتسبات لكن مازال أمامنا الشيء الكثير على درب الديمقراطية، فالمؤسسة الملكية مازالت مهيمنة على كل السلطات،كما أن الحكومة لم تمارس كل الاختصاصات والسلط التي منحها إياها الدستور...."وفي ختام كلمته توجه الكاتب الوطني لحزب الطليعة إلى الجمهور الحاضر داعيا إياه إلى ضرورة خوض المعارك الانتخابية المقبلة بنفس الإصرار والقوة،وذلك من خلال الحرص على التسجيل في اللوائح الانتخابية لمواجهة المفسدين وتوعية المواطنين.
الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي عبد السلام العزيز اعتبر في مستهل كلمته أن هذا المهرجان هو مهرجان للوفاء والاعتراف بنضالات سكان آزمور بشبابها ورجالها ونسائها في سبيل الديمقراطية والكرامة وفي سبيل إنقاذ المدينة وتطهيرها من أذناب الفساد والمال الحرام،ليعود بعد ذلك للحديث عن السياق الوطني المعقد الذي ينعقد فيه هذا اللقاء،حيث مازال المغرب يراوح مكانه على كافة المستويات،خاصة على مستوىتغييب المؤسسات الديمقراطية التي لن تقوم لها قائمة دون ملكية برلمانية تكون فيها السيادة للشعب،سيادة يمارسها عبر مؤسسات وانتخابات نزيهة وشفافة..."يقول عبد السلام العزيز،ثم يتابع قائلا"...للأسف الدستور الحالي لايرقى إلى طموحات الديمقراطيين....كما ان الحكومة الحالية وبالرغم من قرب انتهاء ولايتها ،فهي للأسف لم تكن في مستوى تطلعات المواطنين،حيث انها لم تف بالوعود التي قدمتها خلال الانتخابات السابقة بل لم تستطع من أن تفرض نفسها وتمارس اختصاصاتها"،من جانب آخر انتقد العزيز الموقف المتخاذل لرئيس الحكومة الذي مافتئ يقول لوسائل الإعلام بأنه "انا فقط مساعد كنعطي يد الله" وذلك ضدا على السلطات المخولة له دستوريا،وفي هذا الصدد فقد استشهد العزيز بماكان يقوله الحسن الثاني" بأن الوزراء والبرلمانيين هم مجرد مساعدين لي".
أما عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فقد انتقد الأمين العام لحزب المؤتمر افتقار الحكومة الحالية لسياسة اقتصادية واضحة وفعالة من شأنها النهوض بمختلف القطاعات الصناعية والفلاحية والسياحية وتحقيق معدل النمو الذي وعدت بهأي 7 في المائة،بل انها لم تدخر جهدا في ضرب مصالح مختلف الفئات الاجتماعية من خلال حذف الدعم عن المواد التي تستهلكها الفئات الشعبية والرفع من الأسعار واستهداف معاشات المتقاعدين وحرمان الأساتذة المتدربين من حقهم في التشغيل،ليخلص في الأخير إلى كون هذه الحكومة جاءت في الحقيقة لتدعيم الطبقات السائدة وتمكين الكبار من مزيد من الامتيازات الريعية والضريبية،متحديا رئيس الحكومة بأن يأتي بإجراء واحد اتخذته حكومته يمس في شيء مصالح هذه الفئات المستأسدة،ليعود في الاخير إلى تذكير الحاضرين بملابسات ماوقع اثناء المعارك التي خاضها مناضلو الحزب والفيدرالية بمدينة آزمور،والتي وصلت حد التهديد بتنظيم وقيادة مسيرات واعتصامات متتالية بشوارع المدينة لحماية التجربة اليسارية من مؤامرات وتواطؤات رموز الفساد مع السلطات المحلية. آخر التدخلات كانت لأمينة الحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب التي استهلت كلمتها بالتطرق إلى أهمية أزمور كمدينة ذات تاريخ وأمجاد عريقة في النضال والكفاح،مدينة ومنطقة ذات إمكانياتاقتصادية هائلة، لكنها للأسف تقول منيب "تعاني التهميش والإهمال ولم تأخذ المكانة التي تستحقها كواحدة من أقدم الحواضر المغربية...مشيرة في نفس الوقت إلى المشاكل البيئية التي يعيشها نهر أم الربيع، ومعاناة ساكنة المناطق الساحلية بسبب ملوحة المياه الجوفية واستفحال ظاهرة نهب الرمال التي تعرفها شواطئ المنطقة باستمرار.
بعد ذلك انتقلت أمينة الحزب الاشتراكي الموحد للتعبير عن اعتزازها وافتخارها بشبيبة آزمور وساكنتها اليقظة والشجاعة"التي ينبغي اتخاذها كقدوة ومثال للنضال والمواجهة من أجل أن تصير للمغرب المكانة التي يستحقهابين الامم الديمقراطية..." تقول نبيلة منيب،وتضيف بأن تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية حلم ممكن التحقيق على أرض الواقع إذا ما استلهمنا مختلف التجارب النضالية،معلنة لمنظمي اللقاء الجماهيري توفقهم في اختيار الشعار الذي تنعقد في إطاره هذه التظاهرة التواصلية"وحدة اليسار :رسالة من أجل التغيير"،مؤكدة على حاجة المغرب إلى اليسار،لأن اليسار يعني فيما يعنيه الدفاع والنضال من أجل تحرر الانسان من كل القيود المادية والمعنوية،اليسار يعني الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية،اليسار التفكير العقلاني والعلمي بعيدا عن أدلجة الدين وتوظيفه في الصراع السياسي والانتخابي. "...لقد تعبنا من ديمقراطية الواجهة..." تقول نبيلة منيب وتتابع منتقدة الحكومة الحالية"....الحكومة مستمرة في تنفيذ سياسات الدوائر العليا والبلاد تسير برأسين،الفوارق الاجتماعية تزداد اتساعا يوما عن يوم نتيجة سياسة التقشف التي تنهك الفئات الاجتماعية،تراجع المدرسة العمومية أمام تهديدات الخوصصة،انتشار البطالة في صفوف الجامعيين وخريجي معاهد التكوين،ترسيخ ثقافة الريع...". الحل تقول منيب يكمن في تبني دستور ديمقراطي يسود فيه الملك وتحكم فيه الحكومة، دستور يعطي للمرأة كامل حقوقها،في نفس السياق وبخصوص مشكل الوحدة الترابية فقد أكدت أمينة الحزب الاشتراكي الموحد على العلاقة الجدلية بين ترسيخ الديمقراطية والحفاظ على الوحدة الترابية للبلاد،وضرورة خلق جبهة وطنية ديمقراطية لترسيخ قيم المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية ومواجهة قوى الاستبداد والتحكم. في الختام تجدر الإشارة إلى محاولات بعض الأشخاص نسف اللقاء من خلال إثارة الفوضى من داخل القاعة وافتعال بعض المشاجرات،لكن التجربة التنظيمية لمناضلي اليسار ودقة الإجراءات الاستباقية التي اتخذها منظمو اللقاء كانت وراء إحباط كل هذه المحاولات،حيث تم التعامل بذكاء وهدوء مع العناصر المدسوسة داخل القاعة،فكلما ظهرت محاولة من محاولات النسف إلا وانطلقت الشعارات القوية وتدخلت اللجان التنظيمية بالسرعة اللازمة لتهدئة الأوضاع والعودة لاستئناف فعاليات اللقاء التواصلي.