بات من الواضح أن القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي أصبح متجاوزا، بعد مرور أكثر من 15 سنة على تنفيذه، وأن الاستمرار في تطبيق بعض بنوده أصبح عائقا حقيقيا أمام إقرار حكامة جيدة بالجامعة العمومية، خاصة المواد المتعلقة بفتح باب الترشيح لشغل منصب رئيس الجامعة (المادة 15) وعميد أو مدير مؤسسة جامعية (المادة 20). ولعلّ حجم الاختلالات الجسيمة والفضائح الصادمة التي كشفت عنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات في جامعة القاضي عياض بمراكش سنة 2008، وكذا جامعات أخرى (الرباط، البيضاء..)، والمشاكل التي تعيشها معظم المؤسسات الجامعية بالمغرب بسبب سوء التسيير، لخير دليل على أن الجامعة المغربية تعيش فعلا أزمة حكامة، مردّها ضعف أو جهل المسؤولين لقواعد وأسس التسيير الاداري والتدبير المالي، وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة. وقد كان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي واضحا في هذا الباب، حيث جاء في الجزء الخامس من ملخص التقرير التحليلي حول تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013، الصادر في دجنبر 2014، ما يلي : "لهذا، فهي (أي القوانين) تتطلب بعض التعديلات بعد مرور أكثر من عشرية على إصدارها، وذلك بسبب الاشكاليات الناجمة عن تطبيقها، مثل التنافر الحاصل في نمط تعيين رؤساء الجامعات والعمداء". في جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، لا يختلف اثنان في أن كلية الآداب والعلوم الانسانية تشكل نموذجا متفرّدا في سوء التسيير والتدبير، نتج عنه إصدار ثلاث بيانات نارية في أقل من سنة على تعيين العميد، من طرف المكتب المحلي للنقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية(ك د ش)، ونشر عدد كبير من المقالات الصحفية التي تفضح وترصد مجموعة من الاختلالات الجسيمة التي يرتكبها العميد وطاقمه، وخلق جو من الاحتقان والتوتر داخل الوسط الجامعي يؤثر سلبا على السير العادي للمؤسسة. وإذا عدنا قليلا إلى الوراء، أي بالضبط إلى تاريخ حفل تنصيبه عميدا، نفهم أن همّ الرجل الذي جاء من أجله طواعية هو الاستفادة من الامتيازات وخدمة مصالحه وليس تسيير الكلية وخدمة المصلحة العامة، حيث كانت له الجرأة، حتى لا نقول شيئا آخر، ليقول في خطابه أمام الملأ أن التعويضات التي يحصل عليها المسؤولون بالجامعة ضعيفة جدّا وأنه يجب الرّفع منها. ومن بين المهام التي يقوم بها العميد، والتي من أجلها يتقاضى تعويضات مهمة، هي إمضاء جلّ وقته داخل مكتبه، يتسلّى في مشاهدة شاشة التلفاز التي تنقل له ما ترصده كاميرات المراقبة المثبتة هنا وهناك، يحسب أنفاس الموظفين وتحركاتهم، عوض الانكباب على حلّ مشاكلهم التي لا تعدّ ولا تحصى. تخيلوا معي، عميد مؤسسة جامعية تتخبّط في المشاكل، وهو يشاهد شاشة التلفاز، يهاتف كاتبه العام .. فيخرج هذا الأخير من مكتبه مُهرْولا في اتجاه بهو العمادة، ليطلب من موظفات النظافة أن يتحرّكن من مكانهن لأن سعادة العميد لاحظ على الشاشة أنهن "يُقرْقبْن النّاب" منذ مدة طويلة، ولا يمكنه أن يتفرّغ لعمله، قبل أن "يفرّقن الجوقة"، وكأن مهمة العميد وكاتبه العام هي "حَضْيان" الموظفين وليس حل مشاكلهم. أما باقي وقته فيقسّمه بين سفره إلى خارج الوطن، وترؤسّه أو حضوره اجتماعات المجالس، والتي طالب بشأنها تخصيص تعويضات مالية لأعضاء المجلس عندما كان ممثلا لأساتذة التعليم العالي بمجلس الجامعة، خلال ولاية 2003-2005، ما يُبيّن أن همّ التعويضات المالية ليس وليد اليوم. وعلى ذكر السفر إلى الخارج، ما يثير الدهشة ويدعو إلى الاستغراب، هو تهافت بعض المسؤولين بجامعة شعيب الدكالي على السفر إلى خارج الوطن، ربما لأن حجم التعويضات عن السفر التي يحصلون عليها جد مهمّة، حيث تصل بالنسبة لرؤساء المؤسسات إلى 1500 درهم عن كل يوم، ولست أدري حجم التعويضات التي يحصل عليها رئيس الجامعة، علما أنهم يسافرون على حساب ميزانية الجامعة، وقد يتم استقبالهم هناك معزّزين مكرّمين من حيث الأكل والشرب والنوم (أي كُلْشي فابور). ويُحكى والله أعلم أن بعض هؤلاء المسؤولين "يطيرون" إلى فرنسا لا لشيء، إلاّ لأنهم اشتاقوا لرؤية أبنائهم هناك (كان الله في عونهم)، حيث يضربون عصفورين بحجر واحد : زيارة البنات "فابور" والحصول على تعويضات مالية جد مُغْرية. وإلى حدود الآن، لم يسبق لأي مسؤول سافر خارج الوطن أن قدّم تقريرا أمام مجلس الجامعة، لتنوير أعضاء المجلس بأهداف الرحلة التي قام بها على حساب ميزانية الجامعة، آخرهم رئيس الجامعة الذي سافر إلى فرنسا من 09 إلى 13 دجنبر 2015، وعاد والحمد لله سالما غانما، دون أن يعرف أحد المهمة التي قام بها هناك، والكلفة المالية لهذه الرحلة. إننا نستغرب هذا الصمت غير المفهوم، الذي تنهجه الوزارة الوصية اتجاه كل هذه الخروقات والتجاوزات التي تعرفها جامعة شعيب الدكالي في هذه السنوات الأخيرة، والذي يعتبره بعض المسؤولين بالجامعة بمثابة الضوء الأخضر ليعيثوا فسادا، ونؤكد مجدّدا أن إقرار وتعزيز مبادئ الحكامة الجيدة في التدبير، لن يتأتّى إلاّ بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي جاء النص عليه في الفقرة الثانية من الفصل الأول للدستور، مع ما يعنيه هذا الترتيب التشريعي المقصود في الوثيقة الدستورية، وتعديل المادتين 15 و20 من القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي.