الجديدة، عاصمة دكالة.. تحولت خلال الصيف الجاري من قبلة مفضلة، يقصدها السياح والزوار من داخل وخارج أرض الوطن، إلى مدينة أصبح اسمها مقترنا بالجريمة، التي بات الشارع العام مسرحا له. وهذا ما تطالعنا به على أعمدة صفحاتها الجرائد الوطنية، الحزبية منها والمستقلة، وصفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. وضع أمني مثير للقلق وللجدل، أخذ يأخذ حيزا مهما، حسب مصدر مسؤول، في نشرة الصحافة''la synthèse de presse". هذا، واهتزت الجديدة، في الساعات الأولى من صبيحة وصباح أمس الجمعة، على وقع 3 نازلات إجرامية، خلفت رعبا لدى المواطنين.
فبعد منتصف ليلة الخميس-الجمعة الماضية، هاجمت عصابة إجرامية من 4 أفراد مدججين بالسيوف، حسب شهود عيان، شخصين ، في شارع محمد السادس، على مقربة من المركز التجاري "مرحبا". ما حدا بالمعتدى عليهما إلى الفرار عبر زنقة كائنة خلف المقر السابق لابتدائية الجديدة. وقد تفاجأ أفراد العصابة الإجرامية بمهاجمتهم من قبل أشخاص، رشقوهم بالحجارة. ورجحت المصادر أن تكون هذه الأفعال الإجرامية بدافع الانتقام وتصفية حسابات.
وخلفت هذه الأفعال هلعا لدى المواطنين، سيما أن فصولها وقعت في شارع محمد السادس، أهم شارع في المدينة، يعتبر متنزها للمصطافين والسياح والزوار. إذ من المفترض والمفروض أن يعرف تحديدا هذا الشارع العام انتشارا أمنيا، وتواجدا دائما للدوريات الراكبة والراجلة والثابتة، على غرار ما كان العمل جاريا به ومألوفا لدى المواطنين، في عهد المسؤولين الأمنيين السابقين.
وفي حدود الساعة الثالثة من صبيحة أمس الجمعة، هاجمت عصابة، أفرادها تحت تأثير الكحول والمخدرات، محلبة كائنة في شارع محمد الريفي، وسط مدينة الجديدة. حيث خربوا تجهيزاتها، وغادروا بأمن وأمان مسرح الجريمة.
وصباح أمس الجمعة، وجه شاب طعنات بسكين إلى والدته وشقيقه، في شارع فرنسا، على بعد بضعة أمتار من مركز مدينة الجديدة. الأم وقد وصفت حالة الضحيتين بالحرجة، جراء إصابتهما بجروح بليغة، الأم في الثدي، والشقيق في القلب والبطن. وقد نجا المعتدى عليهما بأعجوبة من موت محقق.. وإلا لكانا انضافا إلى عدد القتلى الذين لقوا حتفهم في ظروف مأساوية بالجديدةوأزمور.
هذا، وعرفت عاصمة دكالة، في أقل من أسبوعين، تسجيل 3 جرائم قتل بشعة، على الشاطئ وسط المصطافين، وفي الشارع العام، وداخل شقة فرنسي، عمد 3 أفارقة من ساحل العاج والسنغال، إلى تصفيته على خلفية علاقة جنسية شاذة. ناهيك عن جريمتي قتل اهتزت على وقعهما مدينة أزمور، في ظرف 5 أيام، كان آخرها قتل ضابط شرطة سابق، عثر على جثته في الشارع العام. وهذا رقم قياسي لم تشهده قطعا الجديدة في عهد المسؤولين الأمنيين السابقين.
ومن جهة أخرى، كان مسجد بالجديدة، أمس الجمعة، مسرحا للتدنيس. حيث قام مختل عقليا، وفي غياب حراسة أمنية على بيوت الله، بقضاء حاجاته داخل المسجد، تزامنا مع إقامة صلاة الجمعة. ما خلف استياء واحتجاجا عارمين لدى المصلين.
وغير بعيد من مقر الدائرة الأمنية الثانية، هاجمت مؤخرا عصابة من 4 أفراد، شابا في مقتبل العمر. وسددوا له طعنة بسكين، استقر في جسده. اعتداء كاد أن يكون قاتلا لولا تدخل الدكتور حمدان، الطبيب المداوم لدى قسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة، في الوقت المناسب، وبالسرعة والنجاعة المطلوبتين.
هذا، فإن استشراء الجريمة بعاصمة دكالة، لم يسلم من ويلاتها حتى أفراد القوة العمومية. حيث كان "بلطجي" هاجم، في شارع جمال الدين الأفغاني بحي السعادة، دورية راجلة، ضمت في صفوفها 3 رجال الشرطة من الهيئة الحضرية، و4 أفراد من القوات المساعدة، أمطرهم ب"3 كيلوات"، وبوابل من العبارات والإشارات الاأخلاقية، قبل أن يلوذ بالفرار إلى وجهة مجهولة.
كما أن 4 منحرفين، 3 منهم على متن "سكوتر" وواحد بمفرده على "سكوتر" اقتحموا، الاثنين 27 يوليوز 2015، المركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة. حيث دخل أحدهم في مشادة مع شرطي الحراسة، استل على إثرها سكينا من تحت ملابسه، وأشهره في وجهه. وقد لاذ المنحرفون بالفرار.
وعليه، فإذا كانت الأماكن العمومية وهم شوارع عاصمة دكالة (شارع محمد السادس، وشارع فرنسا، وجوار الدائرة الأمنية الثانية، وشاطئ الجديدة، والمركز الاستشفائي الإقليمي ...)، والتي من المفترض والمفروض أن تكون مؤمنة، وتعرف انتشارا وتواجدا للدوريات الأمنية .. مسارح للجريمة، فماذا عسى القول عن النقاط السوداء والأحياء والتجمعات السكنية المترامية الأطراف، والدواوير المتاخمة للجديدة، والتي أصبحت خاضعة لنفوذها الترابي ومدارها الحضري، والتي لا تشملها بشكل جزئي أو لا تشملها التغطية الأمنية ؟!
هذا، ويرى المتتبعون للشأنين العام والأمني بالجديدة أن عملية استتباب الأمن والنظام العامين، تكون أساسا بشكل قبلي، يبسق ويستبق وقوع الجريمة في الشارع العام وفي الأماكن العمومية. الشيء الذي لا ولن يتأتى إلا بتكثيف الدوريات الأمنية، الراكبة والراجلة والثابتة، وإعادة الانتشار والتغطية المعقلنة لجميع القطاعات، وكذا، من خلال التواجد الأمني في الشارع العام، في إطار "شرطة القرب" و"الشرطة في خدمة المواكن"، والتصدي بشكل استباقي للجريمة، قبل حدوثها، على غرار ما كانت تعتمده الاستراتيجيات والتدابير الأمنية المعتمدة في عهد المسؤولين الأمنيين السابقين.
هذا، وبات استشراء الإجرام بالجديدة يحتم إعادة النظر في التدابير الأمنية المتخذة، والتي لم تعد تجدي نفعا في التصدي بشكل استباقي أو حتى بعدي للجريمة، بعد أن أصبحت معدلاتها في ارتفاع. إذ تكون إعادة النظر بالرجوع إلى اعتماد المقاربة والاستراتيجية الأمنية التي كان العمل ساريا بها في عهد رئيس الأمن الإقليمي السابق، والتي جرى التراجع عنها، حيث تم تقليص عدد الدوريات الراكبة والرجلة (بالصدريات) في الشارع العام، وكذا، الدوريات الراكبة التي كانت تركن في نقاط مراقبة ثابتة. كما أن التغطية الأمنية لم تعد تشمل جميع القطاعات، سيما النقاط السوداء، والأحياء والتجمعات السكنية المترامية الأطراف، والدواوير (حوالي 20 دوار)، المتاخمة لعاصمة دكالة، والتي أصبحت خاضعة لنفوذ مدارها الترابي والحضري.
وقد أضحى ضروريا كذلك إعادة النظر في طريقة اشتغال الدوائر الأمنية الخمس، وهيكلة وتنظيم الفرقة السياحية، التي تضم في صفوفها زهاء 30 عنصرا شرطيا من مختلف الرتب والهيئات (حصيص يشكل حوالي 3 ضعاف العاملين لدى كل دائرة بالجديدة)، مع تحديد اختصاصاتها ومهامها التي تشوبها الارتجالية، سيما أنها لا تتوفر، منذ سنتين، على رئيس، بعد أن جرى تنقيل رئيسها السابق (برتبة عميد)، إلى مدينة الرشيدية. وبالمناسبة، فإن تدخلات الفرقة السياحية تتركز وتتمركز أساسا وسط المدينة، حيث تكثر محلات بيع الخمور. في وقت من المفترض والمفروض أن يكونوا خلاله منتشرين بشكل معقلن في الشارع العام، وفي مختلف القطاعات الترابية.
وهذه التدابير التي تعيق استتباب الأمن والنظام العامين، وضمان سلامة المواطنين وممتلكاتهم في عاصمة دكالة، هي من بقايا تدبير الشأن الأمني، الذي مازال يحمل بصمات العميد المركزي السابق، والذي جرى تنقيله مؤخرا إلى عاصمة الفوسفاط.