[email protected] من الأقوال الطريفة عند الشعب المصري الشقيق مقولة : إيه لخلاك تتفرعن يا فرعون ؟ قال ” ملقيتش حد يوقفني عند حدي ” كثرهم فراعنة هذا الزمن ممن ظل سعيهم غير مشكورا , واعتقادهم عبر عقود أنهم سيخلدون على عروشهم . فقاموا بما برئ منه إبليس وذريته , وأقسموا جهد أيمانهم ليذبحن شعوبهم ويبيدونهم إن اقتضى الأمر, مادامت شهوة السلطة لا تعادلها شهوة أخرى . لقد حكم الرئيس التونسي الهارب البلد بقبضة حديدية ثلاثة وعشرين سنة , وكان من سخرية القدر أن سقط من برجه العنكبوتي في ثلاثة وعشرين يوما . واستعصى عليه الفهم طيلة عقدين ونيف , إلى أن سلمه الشهيد محمد البوعزيزي دبلوم دراسة الفهم المعمق بامتياز, في محاضرة ” أنا فهمت , فهمت , فهمت ” درس آخر وهذه المرة من ميدان التحرير بالقاهرة , يقوم بدور البطولة فيه شعب ظل يردد ” كفاية ” أزيد من ثلاثة عقود , ذاق فيها كل أصناف العذاب . لكن العرش المريح والسد العالي , الذي كان يقبع فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك , حالا دون وصول الصوت المبحوح لأزيد من ثمانين مليون مصري” دوخهم الفول وداخ “على حد تعبير أحمد فؤاد نجم. نفس المسلك يسلكه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قبل أن يصبح طالحا , برفضه التنحي عن السلطة , والتوقف عن قمع اليمنيين وتقتيلهم , والرضوخ لمطالبهم العادلة . لكن الفراعنة لا يفهمون , ولا يؤمنون بخيار شعوبهم حتى يأتيهم الغرق , والغرق قادم لا محالة. هكذا هي الأنظمة الفاسدة .. وجهان لعملة واحدة : قمع وفساد واستيلاء الأسرة الحاكمة على الثروات والمناصب والسلطة ، ومليارات متراكمة في بنوك سويسرية ودولية , وشعوب تئن تحت وطأة الفقر , وتسبح في براثن التعفن بكل أشكاله . لقد أصبح لزاما على الشعوب العربية أن تعي خطورة الموقف , وتبدأ في مناقشة مرحلة ما بعد الثورات , و تتهيأ بالوعي الكامل لأولويات ومتطلبات المرحلة القادمة , التي لن تكون الأحزاب أهم مرتكزاتها, وإنما المواطن العربي , عبر منظمات المجتمع المدني التي من خلالها ينبغي إعطاء تصور خاص لمنظومة الدولة المدنية الحديثة ، ومن خلالها يجب مراقبة التحول الجديد نحو الديمقراطية الحقيقية , و تعلم آليات التداول السلمي للسلطة , والأهم من كل ذلك الحفاظ على المال العام والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه سرقة ونهب ممتلكات وثروات البلاد والعباد. أما الثورات العربية القادمة , فعليها أن تقدم شكلاً جديداً من الثورات , لا يطالب فقط بسقوط النظام , وإنما بمحاكمته أيضاً . وعليها امتلاك أدواتها الخاصة بها , لتحريك الشارع العربي , لا مجرد تقليد الشعارات نفسها للثورات السابقة تحت ظل انفعالات. فلا شيء يخيف في أن نفيق من كابوس طويل , على حلم جميل نصنعه جميعا بأيدينا , ليتحول إلى حقيقة كاملة وواضحة .