محمد البطراوي (أبو خالد) مثقف ومبدع فلسطيني ومناضل وطني وتقدمي صلب وعنيد ، انه قمر رام الله وقبلة الكتاب والمثقفين والمبدعين والمناضلين الفلسطينيين في الاراضي المحتلة ، وعميد الوعي الفلسطيني الطبقي الثوري وأحد قابلاته التاريخية والمعرفية ، وله احترامه الخاص ومنزلته الكبيرة وحضوره الواسع الرحب في الفضاء الثقافي الفلسطيني ، ويعتبر من القامات الادبية والثقافية والنضالية الفلسطينية ،التي لها اثر وفضل كبيرين على نمو وتطور الحركتين الوطنية والثقافية الفلسطينية تحت الاحتلال . قدم ابو خالد البطراوي الى الحياة في (اسدود) المهجرّة والممتدة على الساحل الفلسطيني ، وفي عام النكبة خرج منها الى غزة هاشم، ومنها تسلل الى الضفة الغربية ليقيم ويستقر في رام الله في بيت، اصبح فيما بعد من المعالم التاريخية والحضارية الفلسطينية في مدينتي رام الله والبيرة. جال البطراوي في عالم البحث والمعرفة والاغتراف من بحور الثقافات الانسانية،انحاز للجموع والقطاعات الشعبية المسحوقة، واختار عن وعي ثاقب وقناعة تامة وايمان راسخ فكر الفقراء الثوري وخندق الكفاح الطبقي والدفاع عن العمال والكادحين والمضطهدين من خلال الانخراط في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني، حاملاً راية الفكر التقدمي والايديولوجي النظري الاشتراكي ، ومؤمناً بالثقافة الشعبية والنقدية التنويرية وبرسالتها الحضارية في صقل وتطور الهوية القومية واشاعة الوعي القومي والعمالي التحرري. والبطراوي من الرعيل الاول والجيل المؤسس لثقافة الالتزام الوطني والسياسي ولأدب الحياة والعدالة والحرية في الحركة الادبية الفلسطينية ، عرف بنشاطه السياسي والادبي المتشعب ، وتعرض للاعتقال أكثر من مرّة ، وتتبع النهضة الثقافية الفلسطينية وواكب ارهاصاتها الاولى في التصدي للانتداب والاستيطان الصهيوني. بدأ البطراوي الكتابة على صفحات (الاتحاد) حين كانت تصدر في يافا،وفي مجلة (الغد) التي كانت تصدرها رابطة المثقفين العرب في فلسطين ، وفي مجلة (الثقافة الوطنية اللبنانية)، وكان من المشاركين والمشرفين على مجلة (الأفق الجديد) التي صدرت في القدس في ستينات القرن الماضي.وبعد احتلال الضفة والقطاع في العام 1967 ساهم البطراوي في رعاية الاجيال الجديدة من الكتاب والاقلام الواعدة ،من خلال المشاركة في انشاء وتحرير المجلات الأدبية كمجلتي (البيادر)و(الكاتب) وصحيفة (الطليعة) وعمل على نشر نتاجاتهم واعمالهم الأدبية الابداعية، كونه مشرفاً على الملاحق الأدبية والثقافية فيها. رغم الكهولة وتعب الحياة وكدها ، لا يزال ابو خالد البطراوي متقد العقل والفكر، قوي الذاكرة، حاضر الذهن ، يذود عن وطنه وقضية شعبه المقدسة العادلة. واليوم يقف حائراً ، مهموماً، وينزف دمعاً ودماً ويتجرّع الماً ووجعاً في قلبه المرهف، بعد التهديد بطرده واقتلاعه من منزله العريق ، جرّاء القرار الورقي الصادر عن المحكمة،والقاضي باخلاء بيته المتأخم لمقر السلطة الوطنية الفلسطينية في المقاطعة برام الله ،واعادته الى اصحابه الأصليين المقيمين خارج الوطن منذ 60 عاماً ، بناءً على دعوة قضائية أقاموها لاعتبارات استثمارية. وهذا البيت العامر بأهله ليس مجرد بيت ، فهو جزء حي من الذاكرة الفلسطينية والتاريخ الثقافي والوطني والنضالي الفلسطيني ، وله دور تاريخي ومهم في احتضان الحركتين الثقافية والفلسطينية في الوطن المحتل ، وفيه تخفى مناضلون شيوعيون ووطنيون كثر مناهضون ومقاومون للاحتلال ، وفي باحاته عقدت الاجتماعات الحزبية والوطنية السرية ، ومنه خرجت بيانات الحركة الوطنية بفصائلها المختلفة ومذاهبها الفكرية والعقائدية المتنوعة ، ومنه ايضاً انطلقت شرارة الجبهة الوطنية لمقاومة الاحتلال ، التي تشكلت في سبعينات القرن المنصرم، وفيه اقيمت مختلف النشاطات الثقافية والسياسية والوطنية الفلسطينية ، وشكل قابلة لميلاد شعراء وأدباء ومناضلين وسياسيين طيلة خمسة عقود ونيف. وهو أول بيت يفتح أبوابه أمام المثقفين القادمين من الداخل الفلسطيني الى رام الله بعيد الاحتلال ، ومن اوائل الوافدين والقارعين على ابواب هذا البيت الكاتب والأديب والسياسي الراحل اميل حبيبي (ابو سلام). لا شك ان طرد محمد البطراوي واقتلاعه من بيته ، الذي قضى عمره الطويل والعريض فيه ، وشاركه همومه وهواجسه واحلامه الثقافية، وشهد ابداعاته وعطاءاته المعرفية والثقافية والفكرية والابداعية والنضالية ، هو جريمة لا تغتفر ، وبمثابة اغتيال ونسف للذاكرة الفلسطينية الحية ولذاكرة رام الله بشكل خاص ، وتغييب لقمرها الساطع ولمنارتها الثقافية الباقية،واسدال الستار على تاريخ نظيف وشريف لمبدع حقيقي متميز ، وانسان مبدئي اصيل دمث الاخلاق، وقامة ثقافية قدمت خدمات جلية لحركة الابداع الثقافي وللمشهد السياسي والفكري الفلسطيني ،وأحد حراس الثقافة ومبدعيها المخلصين ، الذي كان له على الدوام دور طليعي فاعل في حماية التراث الوطني الفلسطيني وصيانة الثقافة الوطنية والنقدية التقدمية وتطويرها ، من خلال نشاطه الدؤوب وعطائه الذي لا ينضب ولا يجف، وبفضل مداخلاته وكتاباته ومواقفه الجذرية الثورية المغايرة والواقعية. ان المطلوب الآن ، وليس غداً ، ايجاد حل سريع وعاجل لمشكلة بيت المناضل والأديب الفلسطيني الكبير محمد البطراوي ، فليس بالطرد والاقتلاع يكرّم هذا الانسان الطاعن في السن ، ابن الثمانين حولاً، الذي اعطى شبابه الوردي ووهب حياته للوطن والثقافة والتنوير والوعي والابداع ، وكان ينبوع عطاء غزير دائم ، ومساهم في صياغة سفر الحرية والعدالة واستشراف المستقبل الوضاء والمشرق لشعبه.