قالوا عن كتاب “الهجمة المضادة للحملة الصليبية: جذور وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر”، وعن نسخته المترجمة إلى اللغة العربية: *** “هذه المادة العلمية القيمة من المهم إطلاع عليها أكبر عدد من القراء والمثقفين العرب” *** “يمكن القول دون مجازفة إن هذا الكتاب من أثمن ما صدر حتى الآن عن أحداث 11 سبتمبر، وتفسير مغزاها الإستراتيجي والثقافي...” موقع الجزيرة نت http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2F3161A5-9827-41F3-B081-6D7F22E3709B.htm?GoogleStatID=29 **** “الكتاب يُعَد من أثرى المؤلفات التي كتبتْ في تفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر” “جدير بالإشارة أن الكتاب أُلِّف باللغة الفرنسية، وأسهمت الترجمة الرصينة المتْقَنة من جانب الباحث الموريتاني – المقيم في نيويورك – الأستاذ أحمد صالح احميِّد في تعزيز قيمة الكتاب، وإتاحته لجمهور القارئين في الوطن العربي، المفتقد لِمثْل هذه الدراسات الجادة في سوق دور النشر العربية” موقع الألوكة http://www.alukah.net/Culture/0/27786/ *** ترجمة عربية ممتازة جدا لكتابه “الهجمة المضادة للحملة الصليبية: جذور وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر” محمد السالك ولد إبراهيم (موريتاني) خبير استشاري دولي وباحث مرموق *** “تهنئة على العمل الذي أنجزته” منير العكش (سوري-فلسطيني) أكاديمي مرموق أستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك/بوسطن (بالولايات المتحدةالأمريكية) وهو من أبرز الباحثين العرب في الدراسات الأمريكية *** مادة مذهلة جدًا ومثيرة الدكتور فاروق المواسي أكاديمي، باحث، وشاعر فلسطيني *** “الكتاب مهم للغاية” يحيا اليحياوي أكاديمي وباحث مغربي مرموق *** “الكتاب قيم للغاية يستحق الجهد الذي بذل فيه” محمد بن المختار الشنقيطي مفكر إسلامي *** “هذا الكتاب مهم جدا جدا” فيصل القاسم معد ومقدم برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة الفضائية *** “الكتاب مفيد للقارئ العربي” صلاح الدين الزين مدير مركز الجزيرة للدراسات عرض موقع الجزيرة نت لكتاب الهجمة المضادة الحملة الصليبية http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2F3161A5-9827-41F3-B081-6D7F22E3709B.htm?GoogleStatID=29 كتاب “الهجمة المضادة للحملة الصليبية ” عرض/محمد بن المختار الشنقيطي يمكن القول دون مجازفة إن هذا الكتاب من أثمن ما صدر حتى الآن عن أحداث 11 سبتمبر، وتفسير مغزاها الإستراتيجي والثقافي. يتألف الكتاب من أربعة فصول سردية، وثلاثة فصول تحليلية، مع مسرد بأهم الأحداث، وآخر بأهم الأشخاص ذوي الصلة. وقد حدد الكاتب غاية الكتاب في مدخله بأنها توفير مصدر للمعلومات حول تلك الأحداث “ووسيلة للتفكير في أسبابها وآثارها.. وفهم مدلولاتها، والتفكير في تبعاتها” (ص 8). ونجح المؤلف في سرد القصة، وفي استنطاق مدلولها، فامتاز سرده بحسن السبك والتماسك المنطقي وثراء المعلومات والتفاصيل ورفض الخرافات التآمرية التي تم تداولها حول هذا الأمر. بيد أن نجاحه في تفسير هجمات 11 سبتمبر كان أكبر، وهو الأهم، خصوصا بالنسبة لكتاب مكتوب في الأصل بلغة أوروبية. ذلك أن المؤلف واجه المسكوت عنه في الأدبيات الغربية حول هذا الموضوع، واتسم بشجاعة فكرية قل نظيرها بين المفكرين والكتاب المقيمين في الغرب، وهو يشرح الدوافع السياسية المفعمة بمرارة الظلم وراء تلك الهجمات الدامية. - الكتاب: الهجمة المضادة للحملة الصليبية - المؤلف: محمد محمود ولد محمدو - ترجمه عن الفرنسية: أحمد صالح احميِّد - عدد الصفحات: 290 - الناشر: عالم الكتب الحديث، إربدْ، الأردن - الطبعة: الأولى 2010 مؤلف هذا الكتاب هو المفكر الإستراتيجي، ووزير الخارجية الموريتاني السابق، محمد محمود ولد محمدو، الذي يعمل الآن أستاذا زائرا بمعهد الدراسات الدولية ودراسات التنمية في جنيف، وباحثا بمعهد جنيف للدراسات الأمنية. وقد عمل من قبل بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، وبمعهد “رالف بونش” التابع للأمم المتحدة في نيويورك. ويعتبر المؤلف مرجعا في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، وخبيرا في منظمة القاعدة وأخواتها. وقد صدر له من قبل كتابان بالإنجليزية هما كتاب “فهم تنظيم القاعدة: التحولات في طبيعة الحرب” (لندن 2007)، وكتاب “العراق وحرب الخليج الثانية” (سان فرانسيسكو 1988). وقد ترجم هذا الكتابَ من اللغة الفرنسية بأسلوب عربي رصين الباحث الموريتاني المقيم في نيويورك أحمد صالح احميِّد. إستراتيجيات التهرب كشف مؤلف الكتاب ما دعاه “إستراتيجيات التهرب” التي تنتهجها النخبة السياسية في الغرب عموما، وفي الولايات المتحدة خصوصا، في تفسير هجمات 11 سبتمبر، محاولة تجاهل الدوافع وراء تلك الهجمات، وأوضح أن “السؤال [عن هذه الدوافع] بحد ذاته ظل على الدوام بدون إجابة في الولايات المتحدة، إذ يتم عن قصد إبعاده عن دائرة النقاش المسموح به، مما جعله في الغرب موضع إبعاد وكبت جماعي. هكذا غدا الاهتمام الكبير بدوافع الهجمات مما يصنَّف في عداد الثقافية المثيرة للريبة” (ص 6)، والسبب في هذه الريبة هو أن الغربيين “يفضلون قتل الإرهابيين بدل أن يسألوهم لماذا هم إرهابيون... إنهم لا يقومون بالحفر إلى الأعماق في التربة الخصبة للإرهاب خشية الوصول إلى جذور الشر” (ص 192). لكن المؤلف لم يعبأ بتلك العوائق النفسية والفكرية المسيطرة في الغرب، وقرر أن يحفر في الأعماق، وأن يتحدث عن جذور الشر غير متلعثم، وهي جذور ضاربة في الظلم والإصرار على الظلم. فقدم تفسيرا لتلك الهجمات لا يتقيد “بمألوف المعجم، ومعتاد القيم، ومطروق الآراء” في الغرب (ص 10)، بل ينطلق من الحقيقة الصلبة، وهي أن هجمات 11 سبتمبر الدامية “إنما تعود في المقام الأول إلى الشعور بالظلم، والتعطش إلى المعاملة العادلة المنصفة” وإلى “الرغبة الجماعية في الثأر” (ص 6-7). “الأمر الذي لا يريد الأميركيون الاعتراف به -لأنه اعتراف ضمني بالمظالم المزمنة التي يرتكبونها في العالم الإسلامي- هو أن تلك الهجمات كانت مدفوعة بدافع الثأر وعزة النفس” وبين أن تلك الهجمات “ما هي إلا رد فعل على تصرفات الولايات المتحدة الأميركية الجائرة” (ص 10). ومما يزكي هذا الطرح عند المؤلف أن من يقفون وراء هجمات 11 سبتمبر “عناصر بورجوازية متعلمة، لا مساكين أعماهم التعصب” (ص 149). وقد عاد المؤلف إلى تقرير هذا الأمر أكثر من مرة في ثنايا الكتاب، وأوضح أن الأمر الذي لا يريد الأميركيون الاعتراف به -لأنه اعتراف ضمني بالمظالم المزمنة التي يرتكبونها في العالم الإسلامي- هو أن تلك الهجمات كانت مدفوعة بدافع الثأر وعزة النفس، إذ “من غير المتصور إقدام ملياردير سعودي على التخلي عن نمط عيش الباشوات من أجل تحقيق العدالة، ليعيش في ظروف شظف ومخاطر تحفّ من كل جانب، إلا عندما يتم النيل من الشرف نيلا كبيرا، وأن يكون على قدر من عزة النفس” (ص 145). لكن “الغرب أصم عما لا يريد سماعه” (ص 147) كما يقول المؤلف. يقدم الكتاب في شقه السردي معلومات مفصلة عن شخصيات منفذي الهجمات، وتنسيقهم مع قيادة القاعدة في أفغانستان، ومفاتيح نجاح خطتهم. وقد أوجز هذه المفاتيح في أن الخطة اتسمت ب”بساطة مذهلة” و”شفافية مضللة” (ص 46). كما أن قوة الروابط بين المنفذين أعانتهم على مبتغاهم: فأربعة منهم ينتمون إلى نفس القبيلة (غُمَّد)، وثمانية منهم ينتمون لنفس المنطقة (عسير)، ومن بينهم ثنائيان من الأشقاء. ثم كان ل”رباطة الجأش” التي اتسموا بها (ص 48) دور في نجاح تلك العملية المركبة، التي ولدت فكرتها في ماليزيا، والإشراف عليها من أفغانستان، وصيغت خطتها في ألمانيا، وجاء تمويلها من الإمارات، وتم تنفيذها في أميركا. ويشرح المؤلف مسارات الإعداد للهجمات بعد أن وصل جميع المنفذين إلى الأرض الأميركية، وهو يميل إلى أن تحضيرات الأيام الأخيرة تنم عن استعجالٍ خوف الانكشاف، ربما بسبب اعتقال زكريا الموسوي الذي كان يفترض أن يلحق بالفريق. ثم يقدم وصفا دقيقا لاختطاف الطائرات الأربع ومساراتها، وما آلت إليه كل منها. بيد أن المؤلف يشكك في صيغة القصة الأميركية الرسمية عن سقوط الطائرة الرابعة في أحد حقول ولاية بنسلفينيا، بعد عراك بين الركاب وبين المختطفين. ويرى ذلك السيناريو “موغلا في الأسلوب الهوليوودي” (ص 85). وهو يرجح أن الطائرة تم إسقاطها من قِبل طائرتين عسكريتين كانتا في المنطقة حينها. ويرى أن الرواية الرسمية سادت وترسخت في الذاكرة الجماعية بسبب الحاجة إليها في تدعيم المعنويات الأميركية. ويتتبع المؤلف رد الفعل الأميركي المباشر بعد الهجمات، واستيقاظ الروح الإمبراطورية المتجبرة، كما عبر عنها وزير الدفاع الأميركي حينها دونالد رمسفيلد الذي صرح بأن “على الولايات المتحدة أن تستخدم قوتها لتأديب العالم” (ص 106). وبيّن المؤلف أن رد الفعل الأميركي ينم في سرعته ومداه عن أن هجمات 11 سبتمبر “لم تكن سوى إشارة مؤذنة بالانطلاق في تنفيذ سياسة كانت مبيتة من قبل” (ص 107). ولم يكن رد الفعل ذلك مجرّد سعي للثأر ممن خططوا لتلك الهجمات، فقد أباد الأميركيون عشرات الآلاف من الأفغان في الشهور التالية للهجمات، وبدؤوا فور الهجمات في التحضير لغزو العراق، فانكشف الواقع عن “شرعية دولية تحولت إلى مهزلة، واستعمار يتم تقبله، وحكومة فاشية تشن حربا ضد دكتاتورية شائخة، لفرض الفوضى العارمة عن طريق القوة... ومسح عار الإهانة عن جبينها، هذا العار الذي لحق بها جراء عملية الحادي عشر من سبتمبر” (ص 121-122). “المقاومة الإسلامية للهجمة الحضارية الغربية الساعية إلى ضرب المسلمين في مكامن قوتهم، بدأت تتجه وجهة المركز الأميركي بالذات، وتعبر عن نفسها في صيغة مناقَضة متحدِّية لمطامع الأميركيين ومطامحهم” صراع حضارات ثم ينتقل المؤلف في الفصول الثلاثة الأخيرة من الكتاب من سرد القصة إلى شرح مدلولها، ووضعها في سياق ثقافي وإستراتيجي أوسع، فيتبنَّى نظرية صمويل هانتنغتون، ويرى أن “صراع الحضارات هو بالفعل أمر واقعي” وأن “الصراع الدولي القائم اليوم... ذو طبيعة ثقافية” (ص 134). بيد أن طرح المؤلف هنا يبدو أقل تماسكا من ذي قبلُ، لأنه يلح في الوقت ذاته على أن هجمات 11 سبتمبر “ذات بعد سياسي بامتياز” (ص 142) وأن “دوافع محمد عطا، شأنها شأن دوافع بن لادن، إنما كانت بامتياز ذات طابع سياسي” (ص 143) ولم تكن بدافع ديني أو ثقافي. فهل قصد المؤلف أن هنالك حربا حضارية من جانب واحد، من الغرب ضد العالم الإسلامي؟ ذاك هو فحوى خطابه، وإن لم يصرح به بشكل سافر. فالصراع الحضاري بين القوى الغربية والعالم الإسلامي قائم، لكن جوهره اليوم هو أن “الغرب يمثل الحضارة التي سعت أكثر من غيرها، وبطريقة ممنهجة، إلى السيطرة على العالم، والحضارة الإسلامية تمثل في هذا السياق منافسها الأكثر صلابة” (ص 139). وهذا فهم دقيق للمعادلة سبق إليه أدوارد سعيد في كتابه عن “الاستشراق”. ويتجلى هذا الصراع الحضاري اليوم أكثر ما يتجلى في العلاقات الإسلامية الأميركية، ذلك أن “أكثر ضحايا الإمبريالية الأميركية، بغض النظر عن العرق الذي ينتمون إليه، أو الموقع الجغرافي لمناطقهم، يدينون بالإسلام” (ص 142). وبحسب إحصائيات وزارة الدفاع الأميركية التي يوردها المؤلف، فإن الولايات المتحدة نفذت 19 تدخلا عسكريا في الأعوام الثمانية عشر الفاصلة بين 1980 و1998 في الشرق الأوسط، وكانت كلها موجهة ضد المسلمين، “ولم تكن أي حضارة أخرى عرضة لمثل هذا النوع من التعرض المتكرر للأعمال العدوانية ضدها من جانب الولايات المتحدة الأميركية” (ص 232). كما أن المقاومة الإسلامية للهجمة الحضارية الغربية الساعية إلى ضرب المسلمين في مكامن قوتهم، بدأت تتجه وجهة المركز الأميركي بالذات، وتعبر عن نفسها في صيغة مناقَضة متحدِّية لمطامع الأميركيين ومطامحهم: ف”في الوقت الذي تصدر فيه الأوامر إلى بقية العالم بالاصطفاف خلف (فاعلة الخير) في العاصمة الإمبريالية الجديدةواشنطن، هناك مقاومة عربية إسلامية تذكرها على الدوام بمحدودية قوتها الأيديولوجية، ثم –خلافا لكل التوقعات- تباغتها بضربة موجعة” (ص 167). دمقرطة النضال ومن الملاحظات الثمينة في الكتاب التأكيد على أن ظاهرة القاعدة ثمرة من ثمار عجز الأنظمة العربية وفشلها في حماية شعوبها، ووقوفها -ومن ورائها الغرب- في وجه أي تحول ديمقراطي، فتحررت قوة الشعوب جراء ذلك بطريقة فوضوية خارج أطر السلطة المتصلبة، بعد أن يئست من التحرر بطريقة شرعية. والمفارقة هنا أن القاعدة -ذات الخطاب السلفي المعادي لمسمى الديمقراطية- هي في جوهرها ظاهرة ديمقراطية، ولكنها جزء مما دعاه المؤلف “دمقرطة النضال ضد الغرب المتسلط” (ص 144). يعتقد مؤلف الكتاب أن النفاق الذي يجسده “ما للغرب من قدرة لا حد لها على إحداث قطيعة بين الأقوال والأفعال” (ص 162) والإفلاس الأخلاقي المتمثل في “اللجوء الانتقائي إلى القيم الأخلاقية” (ص 154) سمات جوهرية تكوينية في الثقافة الغربية. وهو يرى أن “الحرب على الإرهاب التي تخاض في العراق وأفغانستان... ما هي إلا حرب ضد الإسلام” (ص 155) لكن “الطبيعة الحقيقية للغرب المشحونة في الصميم بالحقد على الإسلام والخوف منه” (ص 160) تتم التغطية عليها بزخرف القول والمجاملات الباردة. ومما ضاعف الموقف الغربي السلبي تجاه الإسلام أن الإسلام دين يعلم أتباعه القيام بالقسط، وعدم الخنوع للذلة أو القبول بالضيم: “فالإسلام دين يرتكز في الأساس على العدل، وكل مبادئه تقريبا تستند على إعطاء الأولوية لهذا البعد” (ص 160). “بدلا من الاعتراف بالخطأ ورفع الظلم، توسعت دائرة الصراع وتكثفت حينما أعلنت الولايات المتحدة حربا ضد الإسلام دون أن تسميها -لحد الآن- باسمها الحقيقي” كفى ظلما يقدم هذا الكتاب هجمات 11 سبتمبر في شكل رسالة عنيفة، مكتوبة بالأحمر القاني وبالخط العريض، تقول: “كفى ظلما”. وقد نجح منفذوها في “أن يجعلوا من موتهم سلاحا مطلقا ضد نظام يحيا بالحرص على الحياة” (ص 194-195). وكانت تلك الهجمات “فرصة فريدة بالنسبة للولايات المتحدة لاستخلاص العبر والسعي لتعديل توجهات سياستها الخارجية” (ص 227). لكن قراءة الرسالة تستلزم الاعتراف بالخطأ ورفع الظلم، وهو ما لا ترضى به حتى الآن القوى الأميركية والغربية، بل هي تجترح كل يوم ظلما جديدا تهربا من مواجهة الظلم القديم. وبدلا من الاعتراف بالخطأ ورفع الظلم، توسعت دائرة الصراع وتكثفت حينما “أعلنت الولايات المتحدة حربا ضد الإسلام دون أن تسميها -لحد الآن- باسمها الحقيقي” (ص 230). وقد قدم مؤلف هذا الكتاب خدمة جليلة للمهتمين بهجمات 11 سبتمبر، وبالعلاقات الإسلامية الأميركية، حينما بيَّن أن الدول الغربية -وأولها الولايات المتحدة- لا تعاني من الجهل النزيه المبني على ضعف الإدراك لجذور وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر، بل من جهل متعمد و”رفض واع ومتعمد لتغيير السياسيات” (ص 194) وإصرار على الظلم وإدامته. وبرهن الكاتب على أن الانشغال بالتفسيرات الغربية والأميركية لهجمات 11 سبتمبر وما تلاها مضيعة للوقت وتبديد للجهد. أما بالنسبة للقوى المتحفزة لحرب كونية ضد العالم الإسلامي فإن المؤلف اكتفى بتساؤل ذي دلالة: “هل يجب علينا تذكير هؤلاء الذين ينادون بالنزال أن أسلافهم قد خسروا المعركة إبان الحروب الصليبية”؟ (ص 237). وإذا كان الكتاب استحثاثا للغرب على “بذل جهد ذهني يطبعه التجرد من المؤثرات التي تُغلِّب المصالح الذاتية على المكاشفة الصادقة” (ص 230) فهو أيضا استحثاث للمثقفين المسلمين على “المحاجة المتحلِّلة من عُقد النقص” (ص 223) حول هذه الأمور الكبيرة والخطيرة، وإلى التحرر من اجترار التفسيرات الغربية التي يطبعها التضليل والتطفيف. وقد ضرب المؤلف مثالا ناصعا للشجاعة الفكرية في تناوله لهذه الأحداث الشائكة ومدلولها، وهذا موقف جدير بالاحترام والإكبار، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع نتائج صياغاته وتحليلاته. ويبقى أثمن ما في الكتاب أنه برهن على أن جذور الشر كامنة في السياسات الأميركية، لا في العقيدة الإسلامية، وفي أفعال الظالم المنهجية، لا في ردود أفعال المظلوم الفوضوية. فهل نتشجع جميعا -مسلمين وأميركيين- على تسمية جذور الشر بأسمائها كما فعل مؤلف الكتاب، أملا في اقتلاعها من طريقنا إلى العدل والحرية؟ المصدر: الجزيرة نت عرض موقع الألوكة لكتاب الهجمة المضادة للحملة الصليبية http://www.alukah.net/Culture/0/27786/ الكتاب: الهجمة المضادة للحملة الصليبية: جذور وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر. المؤلف: محمد محمود ولد محمدو. ترجمه عن الفرنسية: أحمد صالح أحميِّد. عدد الصفحات: 290. الناشر: عالم الكتب الحديث، إربدْ، الأردن. الطبعة الأولى: 2010. • • • • • صبيحة يوم الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، اصطدمتْ طائرتان جوِّيَّتان مدنيَّتان مخطوفتان ببُرْجَي مَبنى مركز التجارة العالَمي؛ لينهارَ المبنى في مشهد هوليودي دراماتيكي من الطراز الأول الثقيل، في غضون ساعات معدودة، ولتستيقظ “أمريكا” التي كانتْ غَارقة في “الصناعات الترفيهيَّة”، وحالة من “اللامبالاة” على وقْعِ هجمات – وُصفتْ ب”الحدث الجَلَل” – لتتوالى الأحداث بسرعة غير طبيعيَّة، أُعلن عن طائرة ثالثة هاجمتْ مَقرَّ وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، ثلاثة آلاف من الضحايا والمصابين من جرَّاء الإنفجارات؛ ليعلن الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش” عن الحرب ضد الإرهاب و”القاعدة”، تَحت مُسَمَّى “الحرب الصليبية الجديدة” – حسب تعبير بوش بعد ذلك – مع مباركة أغلب أنظمة الدول العربية الإسلامية لهذه الحرب بعد أن طالتْها أصابعُ الاتهام المباشر، ليبدأ عصر “الهيمنة الأمريكية” الجديد. يحاول الكاتب محمد محمود ولد محمدو – في كتابه الثري بالتفاصيل “الهجمة المضادة للحملة الصليبية: جذور وتداعيات الحادي عشر من سبتمبر” – تفسير: “لماذا تَمَّ ارتكاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ لماذا وقَع حادث من هذا القبيل؟ ما الذي بلغ بشباب مُتعلِّمين من أوساط برجوازية عربية، ويعيشون حياة عَصْريَّة، ما الذي جعلَهم يأخذون في التحضير الدقيق لهجمات انتحارية من هذا النوع؟”؛ (ص: 5). ويدلِّل الكاتب أنَّ كتابه “مصدر للمعلومات المتعلِّقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ووسيلة للتفكير في أسبابها وآثارها، وفَهم مدلولاتها، والتفكير في تبعاتها”؛ (ص: 8). وساعد على التدليل على أهميَّة الكتاب كمُّ المعلومات التي يزْخَر بها الكتاب في أسلوب سَردي طيِّب من الكاتب، إلى جانب أنَّ الكاتب نفسَه ضليعٌ في العمل السياسي، فصاحِب الكتاب باحثٌ، وحاصِل على الدكتوراه في العلوم السياسية، وسَبَق له أنْ تقلَّد مناصب أكاديميَّة مرموقة، فقد شَغل منصب المدير المساعد لبرنامج السياسات الإنسانية والبحث في النزاعات بجامعة “هارفرد”، وكذلك مدير البحث بالمجلس الدولي لسياسات حقوق الإنسان “بجنيف”، وعمل باحثًا بمعهد “رالف بنتش” للأمم المتحدة بمدينة “نيويورك”، إلى جانب كونه وزيرَ خارجية دولة “موريتانيا” الأَسْبق. صدرتْ للكاتب كتب عديدة، من ضمنها: “فَهم تنظيم القاعدة: التحولات في طبيعة الحرب”، (لندن، 2007)، “العراق وحرب الخليج الثانية – بناء الدولة وأمن النظام”، (سان فرانسيسكو، 1988). كما نُشِرَت له كذلك أبحاث وكتابات في صحف عَريقة، من بينها: “نيويورك تايمز”، “شيكاغو هرلد تربيون”، وصحيفة “لوموند دبلوماتيك” الفرنسية، ودورية الأبحاث القانونيَّة بجامعة هارفارد. فالمؤلف يُعدُّ من طليعة الباحثين في الغرب، إلى جانب أنه يجيد التحدُّث بأربع لغات: الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، والعربية. صدّرَ الكاتب مؤلَّفه بمدخل تمهيدي بعنوان “الحدث الْجَلل”، يتحدَّث فيه عن الدافع لكتابة هذا الكتاب: “فلئن ظلَّ الغموض يَلفُّ العمليَّات المنفَّذة ضد الولايات المتحدة، فإنه قد أصبحَ من الممكن الاعتماد على بعض العناصر؛ لإعادة بناء الكيفيَّة التي تَمَّ عليها تخطيط العملية وتنفيذها، (أين؟ ومتى؟ وإلى حد ما: كيف؟)، حتى وإن كان ذلك بشكلٍ غير مكتمل”؛ (ص: 9)، وعليه فقد أتْبَع الكاتب تمهيده بأربعة فصول تحضيرية تقديميَّة عن أهم ملابسات تلك العمليات، وتعريف بالأشخاص ذوي الصِّلَة بالهجوم، وكيف تَمَّت الهجمات؟ ثم أنهى كتابه بثلاثة فصول تحليليَّة متماسكة، تعضدها شهادات هامَّة ومباشرة من الغربيين أنفسهم عن تبايُن النظرة الغربيَّة للعالم العربي الإسلامي، وعن كون تلك الهجمات كانتْ بمثابة “الثمن” الذي “دفعتْه” الولايات المتحدة جرَّاء سياساتها الجائرة في حقِّ العالم العربي – الإسلامي. الكوماندوز: العقول المدبرة: يبدأ الكاتب فصول كتابه بتعريف بأهم شخوص مُنفِّذي الهجمات، وماهيتهم، وكيفيَّة ارتباطهم بتنظيم القاعدة، وبدايات الفكرة وتبلورها؛ من خلال “خلية هامبورج” بألمانيا، “تشكَّلتْ في مدينة “هامبورج” خلال الفترة 1996 – 1998 نواة صُلبة لهذه المجموعة تضمُّ (6) شُبَّان مسلمين بريادة محمد عطا، أحد طلاب قسم الهندسة العمرانيَّة، والقائد المزعوم للكوماندوز الذي نفَّذ الهجمات، لقد اكتسبَ الفريق تدريجيًّا سِمَة التجانُس؛ من خلال الْتِفَافِه حول هذا المصري البالغ من العمر سبعة وعشرين عامًا، والذي انضمَّ إليه الإماراتي مروان الشحي، واللبناني زياد الجرَّاح، واليمني رمزي بن شيبة”؛ (ص: 13). واختيار الكاتب نفسه لتعبير “الكوماندوز” جاء موفَّقًا لحدٍّ كبير؛ للتأكيد على أنَّ هؤلاء التسعة عشر من الفريق هم بمثابة النخبة الذين تَمَّ انتقاؤهم بعناية؛ لتكون أرواحهم فداءً لمعتقدهم، أو حسب تعبير “روبر بليرز” – القسم المختص بشؤون مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي – الذي صدَّرَ به الكاتب فصله الأول “تسعة عشر تقدَّموا لقَتْل أنفسهم! وما خارتْ عزيمة أيٍّ منهم، لقد قاموا كلُّهم بذلك، وهو ما يفيد حقيقةً بأنَّ طريقة انتقائهم كانت ممتازة”؛ (ص: 13). ويؤكِّد الكاتب على أنَّ أعضاء الكوماندوز برهنوا بصفة خاصة على رباطة الجأْش؛ لأن دوريات الشرطة قامتْ أربع مرات باعتقال أحد أعضاء الفريق – عطا والجراح، فكلاهما اعْتُقِل مرتين – وفي كل مرة يتمُّ فيها التوقيف، “أَبْدى الانتحاريون قُدرة على التحلِّي بضبط النفس حالتْ دون وقوعهم في الارتباك، متجنِّبين بذلك أن يتمَّ الكَشْف عنهم أو أن يفتضحَ أمرهم”؛ (ص: 48)، وهذا كان بدوره أحد “مفاتيح النجاح” للعمليَّة؛ (ص: 46). يركِّز الكاتب على حقيقة أنَّ التسعة عشر من مُنفِّذي العمليات أغلبهم من منطقة الشرق الأوسط، ومن بلدان عربيَّة إسلاميَّة، وسَبَق لبعضهم أن خَرَج في مطلع التسعينيَّات للجهاد في أفغانستان والشيشان ضدَّ هجمات الاتحاد السوفييتي السابق، ورُبَّما كان هذا أحد الأسباب الرئيسة للتواصُل مع تنظيم القاعدة فيما بعد، والْتِقَاء الأفكار معًا على أرضيَّة عمل مشتركة، وأغلبهم “إخوة أو أولاد عمومة”؛ (ص: 41). جمعتْ بينهم قوَّةُ الروابط، وساعدتْ على تماسُك الهيكل العام لشخوص العمليَّة، ويؤكِّد الكاتب أنَّ الفقر والجهل لَم يَعُودا سببًا لتلك العمليات (الإرهابية) حسب ما يروِّج له الإعلام الداخلي الموجَّه، “وكما يروق للإعلام الأمريكي أن يقدِّم الإرهابيين”؛ (ص: 149)، فأغلب أعضاء منفِّذي الهجمات شخصيَّات برجوازيَّة تنتمي لعوائل محترمة، وبعضهم حَازَ أعلى الشهادات العلميَّة، فالظواهري – منظر تنظيم القاعدة، والأب الرُّوحي لهجمات 11 سبتمبر – “طبيب جرَّاح ينتمي إلى أسرة برجوازيَّة عريقة بالقاهرة، فخالُه كان أوَّل من تقلَّد منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية”، (ص: 149)، ومحمد عطا أبرز الأعضاء وقائد المجموعة “ولِد في كنف أسرة برجوازيَّة من القاهرة، وحَصَل على دبلوم في الهندسة المعمارية، ووَصَل إلى “هامبورغ” بألمانيا؛ لاستكمال دراساته العُليا”؛ (ص: 22)، و”كل مَن عرفوا “عطا” يشهدون لهذا الشاب بسَعْيه الدؤوب؛ لتحقيق الامتياز في جميع أنشطته”؛ (ص: 23)، و”زياد سامر” الجرَّاح اللبناني كان طبيبًا جرَّاحًا، أو حسب وصْف “روزماري كانل” – صاحبة البيت الذي استأجرَ الجرَّاح اللبناني إحدى غُرفه حال إقامته بهامبورغ -: “لقد كان طيبًا جدًّا، وذكيًّا جدًّا، وإنه أوروبي بالكامل”؛ (ص: 25)، و”مروان الشحي” الإماراتي كان “ابنًا لأحد الأئمة”؛ (ص: 24)، و”نوَّاف الحازمي”، “ابن تاجر سعودي يمتلك متْجرًا كبيرًا بمكة”؛ (ص: 35). لذا؛ فهم – على حدِّ تعبير الكاتب نفسه – “عناصر بورجوازية مُتعلِّمة، لا مساكين أعماهم التعصُّب”؛ (ص: 149). يقدِّم الكاتب خلال الفصل وصفًا سَرديًّا لكيفيَّة اندماج عناصر المجموعة وتبلور الفكرة العامَّة لتلك العملية المركَّبة، والتي وُلِدتْ فكرتُها في ماليزيا، والإشراف عليها من أفغانستان، وصِيغت خُطتها في ألمانيا، وجاء تمويلها من الإمارات، وتَمَّ تنفيذُها في الولايات المتحدة الأمريكيَّة. التحضيرات – الإعداد للعملية: يضع الكاتب في فصله الثاني تصوُّرًا محتملاً لكيفيَّة الإعداد للتحضيرات الأخيرة الخاصة بالعمليَّة، والتي جاءتْ أثناء لقاء أعضاء الفريق في “تاراغونس” بإسبانيا؛ حيث: “تمخض عنه اتفاق الفريق على أنَّ المصري “محمد عطا” هو من سيقرِّر تاريخ العمليَّة والمواقع المستهْدَفة بها، وأنه سيُبلغ رفاقه بذلك، وبالطرق التي يختارها”؛ (ص: 54)، وعليه، فإنه “بقَدْر ما كان اعتبار اجتماع “كوالالمبور” بماليزيا بمثابة نقطة البَدء لانطلاقة عمليَّات الحادي عشر من سبتمبر، فإن لقاء “تاراغونس” يبدو كما لو كان بمثابة الاجتماع الخاص بالتحضيرات الأخيرة، وهذان اللقاءان رُبَّما يكونان المرتين الوحيدتين اللتين تتقابَل فيهما الخليَّة التي يديرها “عطا” وجْهًا لوجْه مع رُعاتها من القاعدة، أو – على الأقل – ممثِّليهم بأوروبا وأسيا”، (ص: 55). ويشرح المؤلِّف مسارات الإعداد للهجمات بعد أن وصَلَ جميع المنفِّذين إلى الأرض الأمريكيَّة، وهو يَميل إلى أن تحضيرات الأيام الأخيرة كانتْ تنمُّ عن استعجالٍ؛ خوف كَشْف وافتضاح أمرهم، خاصةً بعد اعتقال زكريا الموسوي – العضو الفرنسي العشرين – الذي كان يُفترض أن يَلحق بالفريق، هذا الخبر الذي “ربما يكون عطا ومساعده قد أَخْفَياه عن باقي أعضاء المجموعة؛ حِرصًا على السِّريَّة، وهو ما أَلْقَى بظلاله على عملية كان يمكن في هذه المرحلة – أكثر من أي وقتٍ مَضَى – أن تنكشفَ في أيِّ لحظة، كما أن نجاحَها مُعتمد على التصرُّفات المتعددة لهؤلاء النفر التسعة عشر؟”؛ (ص: 61). يركز الكاتب في نهاية فصله على بساطة العملية ماليًّا، رغم صعوبتها من الناحية التكتيكيَّة، في مقابل كمِّ الخسائر الهائلة على الجانب الأمريكي التي كان يعوِّل عليها “محمد عطا” ورفاقه كأحدِ المهام المنوط تحقيقها من جَرَّاء العملية، فيقول: “كُلِّفتِ العملية في النهاية ما يُناهز ثلاثمائة ألف دولار، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن تداعيات العملية ستكلِّف الولايات المتحدة خسارة قَدرها عشرون مليار دولار، منها: ثلاثة مليارات ومائتي ألف دولار في ولاية نيويورك كأضرار مادية وخَسائر في المداخيل (البشرية)”؛ (ص: 62). العملية – اختطاف طائرات الهجوم: يقدِّم الكاتب وصفًا دقيقًا لعملية اختطاف الطائرات الأربع، ومساراتها، وتوجيهها بعد ذلك نحو الأهداف التي كان “محمد عطا” ورفاقه ينوون الهجوم عليها في وقتٍ واحدٍ مُتَّفَق عليه، وما آلتْ إليه كلٌّ منها. يصِف الكاتب أن العمليَّة تَمَّتْ “ببساطة مذهلة”، و”شفافية مُضللة”؛ (ص: 46)، وأنَّ “الواقع تفوَّق على الخيال” أثناء تنفيذ عملية اختطاف الطائرات الأربع، فقد قَسَّم “عطا” رفاقه أربعة فِرَق ترأَّس هو بنفسه إحدى تلك الفِرَق، بينما كان “الشطي” و”الجرَّاح” و”هاني حنجور” على رأْس الفِرَق الثلاث الأخرى، وقامتْ كلُّ فِرقة باختطاف طائرة مَدَنيَّة بعد إقلاعها في الجو؛ لتوجيهها لمناطق الهجوم المستهْدَفة. يقدِّم الكاتب جَدَلاً حول مصير الطائرة الرابعة التي كان يقودُها “زياد الجرَّاح” الطبيب اللبناني، والتي فشلتْ في تحقيق هَدَفِها، وسقطتْ في أحد حقول ولاية “بنسلفانيا”، بعد عِراك بين الرُّكَّاب وبين المختطفين. ويرى ذلك السيناريو “مُوغلاً في الأسلوب الهوليودي”؛ (ص: 85)، ويرجِّح أن “الحكومة الأمريكيَّة، لعلَّها هي مَن قامتْ بكتابة هذا السيناريو المتضمِّن تحديدًا لانفراج بطولي”؛ (ص: 83)، ويرجِّح الكاتب نفسه أن “تكون طائرات حربيَّة قامتْ بتعقُّب الطائرة إلى أن آلَ الأمر بها إلى إطلاق صاروخ على أَحَد مُحَرِّكاتها، فالانفجار وليس التحطُّم هو ما يُفَسِّر تناثُر حُطام الطائرة بموضعين مختلفين، امتدَّتْ مساحتهما على مدى اثني عشر كيلو مترًا إلى مشارف بحيرة إينديان ليك”، (ص: 86). يبيِّن الكاتب أنَّ إخفاء الحكومة الأمريكيَّة لأغلب تفاصيل تلك العمليَّات، وتكتُّمها على الصناديق السوداء للطائرات المختطفة ومحتواها، “كل ذلك فتَحَ الباب أمام ما لا مَناص منه من شيوع للأساطير الحضريَّة (الخرافيَّة)، مثل: الفرضيَّة التي تزعمُ أنَّ الطائرتين اللتين ضَرَبَتَا البُرْجين التَّوْءَمين كانتا موجَّهتين عن بُعد، وأنَّ أسامة بن لادن عميل لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيَّة”؛ (ص: 92). يستبعد الكاتب كذلك المحاولة المغلوطة؛ لتقرير صِلة إسرائيل بالهجوم، على أَثَر خلفيَّة حادثة “رؤية خمسة احتياطيين من الجيش الإسرائيلي يعملون موظَّفين لدى شركة عاملة في مَيدان نقْل الأمتعة والتجهيزات بنيويورك وهم يرقصون في مُنتزه الحريَّة “ليبرتي استيت بارك”، كما لو كانوا يحتفلون بتدمير مركز التجارة العالمي”؛ (ص: 93)، ولكنه يرجِّح أنه رُبَّما كون ” أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد تمكَّنتْ من الحصول على معلومات ذات صِلة بكوماندوز الحادي عشر من سبتمبر، ولَم تقمْ بنَقْلها إلى وكالات الاستخبارات الأمريكيَّة الحليفة لها”؛ (ص: 96). وهو ما يبدو واضحًا عقب تحليل تلك الأحداث المترابطة؛ حيث إنَّ ضلوع “الموساد” في هجمات الحادي عشر من سبتمبر يبقى ببساطة أمرًا مستبعدًا”؛ (ص: 97). التأهُّب لخوض الحرب: ويتتبَّع المؤلِّف ردَّ الفعل الأمريكي المباشر بعد الهجمات، واستيقاظ الرُّوح الإمبراطوريَّة المتجبِّرة، كما عَبَّر عنها وزير الدفاع الأمريكي حينها “دونالد رمسفيلد” الذي صرَّح بأنَّ “على الولايات المتحدة أن تستخدم قوَّتها لتأديب العالَم”؛ (ص: 106). حيث سارَعَ جميع السياسيين الأمريكيين باتِّهام تنظيم “القاعدة” كالمحرِّك الأساسي لهذه الهجمات، مما يُثير قدرًا كبيرًا من الشك والريبة؛ “فالواقع أنَّ الولايات المتحدة بدأتْ في الترتيب لردِّ “شامل” بسرعة لَم يسبق لها مثيل، بحيث بدا كما لو أنَّ الأحداث التي وقعتْ عَشيَّة اليوم السابق لَم تكنْ سوى إشارة مؤذنة بالانطلاق في تنفيذ سياسة كانتْ مبيَّتة من قبل”؛ (ص: 107)، وسارعتِ الإدارة الأمريكيَّة وسط تأييد جيرانها الأوروبيين بغزو أفغانستان في غضون شهور قليلة، “وفي نهاية المطاف قرَّرت الولايات المتحدة – مُتذرِّعة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر – شنَّ حَربٍ ستمكِّنها من التخلُّص العسكري من طالبان، وإحكام السيطرة المباشرة على أفغانستان”؛ (ص: 112)، وهو ما يؤكِّد أنَّ “وراء الدفاع المشروع عن النفْس – الذي تذرَّعتْ به إدارة “بوش”؛ لتبرير غزو أفغانستان – تتخفَّى بالأساس الرغبة الأمريكيَّة الجامِحة والمبيَّتة منذ أَمَد بعيد للسيطرة على أسيا الوسطى ومصادر الطاقة الموجودة بها”؛ (ص: 110). ويؤكِّد الكاتب مرة ثانية أنَّ سرعة الردِّ الأمريكي على هجمات الحادي عشر من سبتمبر وطبيعة هذا الردِّ، يُمكن اعتبارهما تنفيذًا عمليًّا لسياسة رُتِّبَ لها منذ أَمَد بعيد؛ (ص: 111). ويرى الكاتب أنَّ الربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق بعد ذلك، كان مقحمًا بصورة فَجَّة من جانب إدارة “بوش”؛ لتوسيع هَيمنة أمريكا على مصادر الطاقة، وأن الولايات المتحدة قد “خَسِرتْ سياسيًّا”؛ (ص: 119) في تلك الحرب غير المبرَّرة، والتي وَصَفَتْها بأنَّها “حرب وقائيَّة ضدَّ عراق صدام حسين”؛ (ص: 118)، وخاصةً بعد كَشْف كمِّ جرائم الحرب، والانتهاكات الدوليَّة التي ارتكبتْها أمريكا خلال غزو العراق، أو في سجونها التي أقامتْها على أرض العراق كسجن “أبو غريب”، وغيرها ك”جوانتانامو” جنوب شرق “كوبا”، بحيث لَم يَعُدْ لها أن تتفاخَر ب “النموذج الديموقراطي الذي كان يُمثِّل خلال جزءٍ كبير من القرن العشرين مصدرَ إلهامٍ بالنسبة للكثيرين”؛ (ص: 122). ونجد أنَّ الولايات المتحدة بنظام استخباراتها القوي قد فَشِل فشلاً ذريعًا في التنبُّؤ بهجمات الحادي عشر، رغم العديد من التحذيرات والمؤشِّرات التي كانتْ تفيد بأن من المحتمل “توجيه ضربات هجوميَّة ضد الولايات المتحدةالأمريكية”؛ (ص: 112)، ويظهر ذلك جَليًّا في “ضخامة الردِّ الأمني والعسكري الأمريكي على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والذي يُعبِّر عن الرغبة في تعويض عجز المخابرات الأمريكيَّة عن التنبؤ بهجمات الحادي عشر من سبتمبر أو التمكُّن من إجهاضها”؛ (ص: 112). صدام الحضارات – مناقشة مع هنتجتون: يبدأ الكاتب فصوله الثلاث التحليليَّة الأخيرة بمناقشة نظريَّة “صراع الحضارات”، التي نادى بها “صمويل هنتجتون” عام 1993 كتفسير لماهيَّة تلك الأحداث؛ حيث سَبَق للكاتب محاورة “هنتجتون” بصفة شخصيَّة بشأْن آرائه المتعلِّقة بالنظام السياسي والديموقراطي، وخاصة نظريته الأكثر جَدلاً بخصوص تصادُم الحضارات على أساس ثقافي لا أيديولوجي أو اقتصادي، ونرى الكاتب يتبنَّى هذه النظرية في تفسيره، ويرفض تفسير الصراع بين الشرق والغرب على أنه صراع بين الأديان، أو ذو طابع اقتصادي بَحْت، وإنما “الأمر يتعلَّق بداهة بصراع بين الحضارات والثقافات”؛ (ص: 136)، و”الصدام الثقافي هو واقعٌ لا يُمكن إنكارُه، على اعتبار أنَّ العلاقات بين الغرب والعالَم الإسلامي كانتْ على الدوام تصادُميَّة، لدرجة أنه يُمكن التحدُّث – دون مبالغة – عن عداءات حضارية”؛ (ص: 139)، ومِن ثَمَّ “فإن المشكل يتلخَّص ببساطة في أن الغرب يمثِّل الحضارة التي سَعَتْ أكثر من غيرها، وبطريقة ممنهجة إلى السيطرة على العالَم، والحضارة العربية الإسلامية تمثِّل في هذا السياق منافسها الأكثر صلابة”؛ (ص: 139). ويجانِبُ الكاتب الصواب في تفسير هجمات الحادي عشر من سبتمبر على أساس نظرية أستاذه “هنتجتون” التي ينادي بها؛ حيث يؤكِّد على أنَّ هجمات 11 سبتمبر “ذات بُعد سياسي بامتياز”؛ (ص: 142)، وأن “دوافع “محمد عطا” شأْنها شأْن دوافع ابن لادن، إنما كانتْ بامتياز ذات طابع سياسي، فهذه الدوافع تنبعُ – في الواقع – من مسألة عدم التناظُر في القوة أكثر مما تعود إلى صِراعات محليَّة أو مسارات تتعلَّق بليبراليَّة العالَم السياسي”؛ (ص: 143)، ولَم تَكنْ بدافع ديني أو ثقافي؛ أي: كأن الكاتب يريد أن يؤكِّد أنَّ الشرق والعرب عامَّة غير قادرين على مُجاراة نَهْج الحضارة الغربيَّة ذات النظرة الاستعلائية الاستعمارية، ومِن ثَمَّ حَدَث التصادُم حضاريًّا، ووقعتْ أحداث الحادي عشر، “فالولايات المتحدة تستعمر بلدين مسلمين – أفغانستان والعراق – وتدعم بشكلٍ نَشِط استعمار بلد ثالث (فلسطين)، وهي تُهَدِّد عَلنًا دولتين أُخْرَيين – إيران وسوريا – كما فرضتْ عُزلة دبلوماسيَّة على اثنتين أخريين – السودان وليبيا – إلى أن انصاع “القذافي” لمطالبها، وتتسامح إزاء قمع المسلمين في الشيشان وكشمير، فهل يُمكن أن نتفاجَأ بما يشعر به النشطاء الإسلاميون – والحالة كهذه – من رغبة جامِحة في الثأْر من الأمريكيين، يشاطرهم فيها الكثير من المسلمين المعتدلين، أكثر ممن يقرون بذلك علنًا؟”؛ (ص: 143). ويعتبر الكاتب أنَّ ظهور تلك الجماعات النشطة سياسيًّا نابعٌ من “فشل الأنظمة العربية في حماية مصالحها، وتضافُر ذلك مع واقع هَيمنة القُوَى الغربية على هذه الدول؛ مما أدَّى إلى ظهور فاعلين من خارج المؤسَّسات الرسميَّة على المسرح – مثل القاعدة – أخذوا على عاتقهم سدَّ الفراغ في السلطة الملاحَظ لدى الأنظمة العربيَّة والإسلامية”؛ (ص: 144)، وأنَّ هؤلاء الشباب المتحمِّس للاستشهاد في سبيل تلك القضية “نمط جديد من المعارضة تجاه الغرب يمثِّل ديمقراطيَّة النِّضَال ضدَّ الغرب المتسلِّط”؛ (ص: 144). ويرى الكاتب أنَّ تلك الجماعات الأصوليَّة هي إفراز طبيعي “ناجم بالأساس عن السياسات الغربيَّة الاستعماريَّة الجديدة والإمبرياليَّة، فالظاهرة الجديدة للحادي عشر من سبتمبر هي أن مجموعة مُعَيَّنة من النخب العربيَّة ذات التوجُّه الإسلامي قرَّرتْ – وهي متسلِّحة بعزيمة نادرة – أن تترجِمَ في أفعال متجسِّدة ما كان يَجيش في صَدْرها من امتعاض لتلك السياسات”؛ (ص: 149). ومنه يظهر بشكلٍ واضحٍ أنَّ سياسة “النفاق تمثِّل إحدى القِيَم البنَّاءة ضمن الجوهر اللازم لنَمَط النهج السياسي الغربي”، وأنَّ “التوسع الاستثنائي والتفوق الذي أحْرَزَه الغرب يعود جزئيًّا إلى ممارساته الشَّرِسَة، والطابع المنظَّم لهذه الممارسات، كما يعود إلى أنَّ الغربيين يقتلون بطريقة أكثر فاعلية من الثقافات الأخرى”؛ (ص: 154). وإنه تبعًا لهذه الغَطرسة الغربية، والأسلوب الاستعلائي المتسلِّط “يبلغ نفاق الغرب ذِروته حينما يرفض الإقرار بمهاجمته للإسلام، فالحرب التي تُخَاض فِعليًّا في أفغانستان والعراق ما هي إلا حرب ضدَّ الإسلام”، وإنَّ تلك الحروب والمواقف العدائيَّة “تَكْشف ببساطة، وبِما لا يدع مجالاً للشكِّ، عن الطبيعة الحقيقيَّة للغرب المشحونة في الصميم بالْحِقْد على الإسلام والخوف منه”؛ (ص: 160). “في الوقت الذي تَصدر فيه الأوامر إلى بقيَّة العالَم بالاصطفاف خلف (فاعلة الخير) في العاصمة الإمبرياليَّة الجديدة“واشنطن”، هناك مقاومة عربيَّة إسلاميَّة تُذَكِّرها على الدوام بمحدوديَّة قُوَّتها الأيديولوجيَّة، ثم – خلافًا لكل التوقُّعات – تُبَاغِتها بضَرْبة مُوجِعة”؛ (ص: 167). ويرى الكاتب كمحصلة للأمر مع أستاذه هنتجتون “أن انحطاط الغرب بحسب اعترافات بعض الغربيين أنفسهم قد بدأ بالفعل؟”؛ (ص: 156). محصلة كل المخاوف: بماذا غيَّر الحادي عشر من سبتمبر الولايات المتحدةالأمريكية والعالَم؟ • بروز نَمَط من الفاشيَّة في الولايات المتحدةالأمريكية، أو دولة الجيش التي تعيش حالة استنفار حَربي دائمة. • ظهور محاولة لفَرْض “الإمبراطورية الأمريكيَّة” على العالَم، وما ترتَّب عليه من غزو أفغانستان والعراق، والتهديد باحتلال سوريا وإيران، ووضْع بعض الدول مصدر التهديد تحت مُسَمَّى “محور الشر” (إيران وكوريا الشمالية وكوبا). • تصدير النموذج الأمريكي إلى الخارج للدول المتحالفة قَسرًا، عن طريق تطويع القانون الدولي لِخِدمة مصالحها، وتجريد المنظَّمات الدولية من الصبغة الشرعية التي تتمتَّع بها، مثل: تعزيز الأنظمة السلطوية التي تضمن هَيمنة الإمبريالية الأمريكية في باكستان والعراق وإسرائيل، التهديد بقَطْع المساعدات الاقتصادية عن الدول التي لا تتعاون في ملاحقة “الإرهابيين”، إضفاء الشرعيةَّ على جرائم الحرب التي ارتكبتْها في حروبها بعد الحادي عشر من سبتمبر بحجة ملاحقة الإرهابيين. • التحلُّل من حقوق الإنسان، ودولة القانون التي كانتْ تتشدَّق بها أمريكا دومًا، فعلى إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضاعفتِ السلطات الأمريكية انتهاكاتها للحُريَّات العامَّة، مثل: القيام بعمليات التجسُّس على المنازل، الرقابة على المواطنين، اعتقال الرعايا الأجانب لآجال زمنيَّة غير مُحددة دون محاكمتهم طبقًا لقانون الاشتباه، عسكرة القَضاء الجنائي، خَرْق نصوص معاهدة “جنيف” بشأن معاملة المحتجزين أمنيًّا وأسْرَى الحروب، وتحييد المدنيين أثناء الحروب. • حسب إحصائيَّات السلطات الأمريكية نفسها، تَمَّ في الفترة ما بين ربيع عام 2001 وصيف 2003، توقيف ما يناهز ثلاثة آلاف شخص بحجة أنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وبحسب إحصائيَّات مستقلة، فإنَّ عددَ المعتقلين قد وصَل إلى خمسة آلاف شخص، وسُلِّم مائة شخصٍ من المعتقلين إلى سلطات البلدان الصديقة – وبالأخص الأردن وسوريا ومصر – وألزمتِ الأجهزة الأمنيَّة السريَّة باستنطاقهم. • التعامُل مع العدو الوهْمي الجديد كما لو كان حقيقة، بحيث أضحت “القاعدة” أداة وهميَّة، يُراد لها أن تكون مصدر الشرور في كلِّ مكان حسب التصور الأمريكي، ومنه ترسيخ فكرة “الإسلام الراديكالي” – عالَميًّا – كعنوان رئيس للإرهاب. • منذ الحادي عشر من سبتمبر قامت الولايات المتحدة بإنشاء ثلاث عشرة قاعدة عسكريَّة في ثماني دول – المجر، رومانيا، بلغاريا، العراق، أوزبكستان، قيرغيزستان، أفغانستان، باكستان – من أجْل تدعيم سياسة “الدفاع عن النفس” التي وضعتْها كسبيل لتدعيم مفهوم التدابير الاستباقيَّة ضد البلدان المعادية والتنظيمات الإرهابيَّة، وذلك من جانب أحادي من ناحيتها. • المسعى العنيف والأعمى من جانب الولايات المتحدة؛ لكَبْح حريَّات الآخرين بما فيهم مواطنوها أنفسهم، كذلك جَعل أمريكا – حسب تعبير الروائي “نورمان ميلر” – بصَدد التحوُّل إلى “دولة ضخمة ذات %D