قديما كان المعلم يملك كامل الحق في رفع العصا وشهرها في وجه التلاميذ من أجل تأديبهم 'وفرض احترامه وهيبته .. يشجعه في ذالك مؤازرة أولياء الأمور له رغبة منهم في أن يكون أبناؤهم أوفر حظا 'وأحسن حالا.. بل أكثر من هذا أن عصبية المعلم وقسوته وشدته يومها إنما كانت بدافع الحب للتلاميذ والتفكير في مصلحتهم, والفهم العميق لمعنى المسؤولية الملقاة على عاتقه' حتى اعتُبر الأب الثاني لهم .. لقد كانوا بحق رجالا صادقوا ما عاهدوا الله عليه. مازلت أتذكر في مرحلتي الابتدائية' مدى خطورة أن يشاهدك المعلم تتسكع في الشارع من دون أي هدف.. والويل ثم الويل لك' بل ثكلتك أمك' إن سألك في حصته عن شيء ولم تجب أو استظهرك فلم تسعفك الذاكرة.. ليأتيك الإسعاف من خلال صفعة على الخد أو ضربة بقضيب من سلالة شجرة الزيتون أو مسطرة حديدية ' مرفقة بوابل من الشتائم .. تجعلك تسخط على يوم وتاريخ لقائك بمعلمك خارج الفصل . يا حسرة على زمن التعليم الجميل ..!! أيام كانت ديكتاتورية المعلم تعطي ثمارها ' ولم يتذوق حلاوتها ويدرك أهميتها ' إلا من أصبح لهم شأن وقيمة وصيت داخل المجتمع فيما بعد ' من قضاة ومهندسين وصحافيين وأطباء وغيرهم .. أليس كذالك ؟؟. إن للمعلم بعد الأب فضل كبير علينا.. فهو من علمنا النطق والكتابة بالحروف الأبجدية الأولى' وحارب بكل قوة دون تسلل فيروس الأمية إلى عقولنا.. إنه شمس مشرقة ' وبدر في كبد السماء منير .. وجنة في الأرض عذب ماؤها.. وهواؤها يسري عليلا.. ولربما من أجل هذا ومن أجل أدوار عظيمة أخرى' جاز تصنيفه في المرتبة الأولى كإنسان يمارس أخطر وأصعب مهنة.. وحسبنا أن نعلم كمثال بسيط آخر' أنه يحاول دائما الحصول على نتائج إيجابية من خلال خلق توازن فكري بين ما لا يقل عن أربعين تلميذا أو عقلا إن صح التعبير. أما اليوم فقد تغيرت الأمور' ولم يعد للمعلم- ربما- من دور سوى إلقاء الدرس 'والالتزام بالمقرر السنوي 'وأوامر الوزارة' وعدم التدخل فيما لا يعنيه ' ولا حتى أن يرفع صوته في وجه التلميذ ' وإلا دخل في شباك سين وجيم إدارة المؤسسة التعليمية ' أو إدارات أخرى ..لأن تعليمات حقوق الإنسان اخترقت كل الجدران بما فيها الأسرة.. فإذا عادت ابنتك إلى البيت من الشارع في منتصف الليل أو لم تعد حتى الصباح ' فلا تسألها: أين كنت.. ؟ وتحية محبة وتقدير واحترام لكل معلمينا وأساتذتنا الأجلاء عبر نسمات هذه الأبيات الشعرية ' ورحمة الله الواسعة على أيام زمان .. وعلى من غادرونا منهم إلى دارا لخلد والبقاء، وعيدكم مبارك سعيد . سار المعلم يُشعل القنديلا حرق الفؤاد لكي ينير طويلا أفنى الشباب وظل في تدريسه ومضى يعاني بكرة وأصيلا أحببت شوقي حين قال مجاهرا “ قم للمعلم وفه التبجلا ” إني خبرت الناجحين فلم أر مثل المعلم في الحياة جليلا حمل المتاعب جمة لم يشتك من يحمل الهم الثقيل أصيلا اْنظر إلى عينيه كيف تراهما تعب يظل برمشه موصولا وأذاب جسما ما درى بنحوله عيناك إن نظرت إليه تراه نحيلا مهما يعاني لا يقل عطاؤه يعطي ويعطي لن تراه بخيلا هو في جبين الدهر نور ساطع من ذاك يرضى بالظلام بديلا الصبر يبقى خصلة يزهو بها والخُلق يبقى رائدا ودليلا يعطي الصغير حنانه بأبوة ويصير للطفل اليتيم خليلا يرعى العقول بحكمة ودراية لا.. ليس سهلا من يدير عقولا إعط الوفاء لمن شربتَ رحيقه يا ابن العلوم فلا أراك بخيلا إن جاءك الأستاذ فارفع شأنه ليرى وفاء العلم فيك أصيلا حاولت أن أوفيه بعض حقوقه ولقد بحث فما وجدت سبيلا يبقى المعلم في القلوب مكانه والقلب لن يرضى سواه نزيلا قولوا معي ما قال شوقي وانشدوا ”كاد المعلم أن يكون رسولا