يسبح العالم حاليا في أوضاع مؤسفة من الصراعات والنزاعات,وتنتابه حالات مفزعة من الاضطرابات وأشكال الإرهاب الدموي المدمر وتمزق الأهواء . إن الوجود الإنساني كله يحتاج في هذا العصر الذي تقاربت فيه المسافات وتلاقحت فيه الثقافات واتصلت فيه القنوات إلى صيغة وفاق دولي يهنأ فيه الأفراد وتطمئن الأمم . صيغة وفاق تقضي على التوتر والقلق ,وتسود الحياة الإنسانية بكل ما فيها من وحدة وتنوع ,وتطرح أسس التعايش السلمي . صيغة وفاق تبني وحدة الإنسانية وتعمل على توجيه البشرية نحو التآلف والسعي الدؤوب لما فيه خير الجميع,آخذة بعين الاعتبار خصوصيات كل أمة في نمائها وثقافتها وأعرافها . أعتقد أن ديننا الحنيف نحن- معشر المسلمين- يملك صيغة الوفاق الإنساني هذه منهجا وسيرة وتاريخا وحضارة , من خلال ما جاء به من مبادئ توضح سعته ورحابته واحتواءه لأسس التعايش السلمي العالمي لجميع أمم الأرض مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية والثقافية. وحين يقف هذا الموقف العظيم, فإنما يشارك في ضبط المسار وترشيد الوجهة الصحيحة لتفادي صراع الحضارات. يجب التفكير في إيجاد السبل الناجعة لتجفيف منابع الحقد والكراهية والتمييز العنصري وتسميم العقول. لابد من إلجام الأبواق التي تستبطن الخطابات العنصرية وتضع مستقبل الإنسانية في كف عفريت وهي تتبنى هذه الأفكار الشنيعة. يجب حفظ حقوق الإنسان والناس والشعوب والتزام المعايير الثابتة والضوابط الأخلاقية. أمام العالم الآن فرصة حقيقية لإقامة نظام عالمي قوامه العدل والنزاهة واحترام الحريات العامة للشعوب وخصوصياتهم وحسن الإصغاء إلى الرأي الآخر. لقد نال بلدان المسلمين حظ وافر من الظلم والعدوان والإرهاب,وما يحصل الآن في العراق وفلسطين المحتلتين خير دليل على ذالك. إنه أخطر مستويات الإرهاب لأنه إرهاب دولة منظم تمارس فيه أبشع الجرائم وتنتهك فيه أبسط الحقوق وفي مقدمتها حق الحياة , علاوة على التدمير والتشريد وإهلاك الحرث والنسل . إن التعيش والتحاور والتعارف بين الأمم والشعوب هو السبيل الوحيد والأوحد إلى بقاء التعددية واستمرارها,و ديننا العظيم يرى في تعدد الشرائع والملل والثقافات والحضارات سنة من سنن الخالق عز وجل.