المرأة الريفية في العراق تخوض صراعاً مريراً للحصول على بضع لترات من الماء عطاشى الأهوار: لم نر المسؤولين منذ الانتخابات ووعودهم بتوفير الماء ذهبت أدراج الرياح أحمد عبد الكريم محسن الربيعي/ العراق-الموصل عانت قرى وقصبات العراق وعلى مدى سنين -رغم تعاقب وتنوع الحكومات- من انعدام الخدمات وغياب ابسط مقومات الحياة من ماء صالح للشرب وكهرباء وتوفير فرص عمل مناسبة لساكني تلك المناطق، إلى جانب ضعف المجالات التربوية والتعليمية فيها. وهذا بمجمله جعل من عملية السكن في تلك المناطق تصبح شبه مستحيلة على غير أهلها، بيد أن ساكني تلك القصبات استطاعوا التكييف والتعايش مع جميع تلك المعضلات والمشاكل. كانت وما تزال مشكلة توفير المياه الصالحة للشرب الشغل الشاغل لقاطني تلك القصبات، فأضافت للمرأة الريفية عبئاً كبيراً على أعبائها المتراكمة من احتطاب وزراعة ورعي للمواشي في بعض الأحيان، ناهيك عن واجباتها المنزلية الملقات على عاتقها. ولتسليط الضوء على جزء من معاناة نساء تلك المناطق، أجرينا جولة سريعة في إحدى القرى الصغيرة التابعة لهور الجبايش في محافظة الناصرية، حيث تحدثت (أم عباس-55 عاما) عن طبيعة المرأة في تلك المنطقة وأهم المشاق التي تتحملها فقالت :”النساء هنا يختلفن بشكل كلي عن نساء المدينة، فنحن نتحمل الجزء الأكبر من أعباء المنزل فيما تتوفر أغلب مستلزمات العيش لنساء المدينة، ولو تطرقنا إلى أبسط هذه المستلزمات التي تحتاجها المرأة في البيت ألا وهو الماء، فأننا لا نملك في مناطقنا هذه مياه صالحة للشرب، هذا ما اضطرنا إلى قطع مسافات طويلة جداً لغرض نقل تلك المياه بواسطة أواني بسيطة وعلى أكتافنا، وهذه العملية ترهق غالبية النساء هنا خصوصاً كبار السن منهن”. موضحة :”إن المياه التي نجلبها تكون إما من مياه الهور أو الجداول المتفرعة منه، أو من بعض القرى القريبة التي قد من الله عليها بوجود مجمع مائي-محطة مياه صالحة للشرب- رغم بساطته وضعف أداءه” مشيرة إلى إن أبناء تلك القرى “لم نرى المسؤولين الحكوميين سوى في أيام انتخابات مجالس المحافظات، والذين وعدونا بتوفير مياه صالح للشرب في حال ترشيحنا وانتخابنا لتلك الشخصيات، وعند تسلمه للمنصب الحكومي فإن الوضع يبقى على ما هو عليه”. أما (خضر جاسب-42 عاما) فكان له اقتراحا لتحسين واقعهم المآساوي فيما يخص المياه الصالحة للشرب :”إن هذه المشكلة لازمتنا منذ عقود عديدة، المنطقة لم تشهد لحد الآن أي تطور رغم أهميتها اقتصاديا، خصوصاً فيما يخص زراعة قصب السكر والرز وغيرها من المحاصيل، أعتقد أن على الحكومة المحلية والمركزية على حد سواء أن تضع حلولا آنية في الوقت الحالي لحل هذه المشكلة والتفكير والسعي في المستقبل لحلها نهائياً وبشكل قطعي، ويتحقق ذلك من خلال توفير المياه بواسطة الناقلات (التنكرات) التابعة لمجمعات الماء القريبة من كل منطقة لا تتواجد فيها المياه الصالحة للشرب إلى حين تزويدنا بشبكة إسالة”. بينما دعت (كميلة جلوب-37 عاما-معلمة) :”الحكومة المحلية في المحافظة إلى الالتفات إلى أهالي هذه المناطق والنظر في حالهم ومعاناتهم على الصعيد الخدمي والاقتصادي، أليس من المفروض على الإدارة المحلية أن تغطي في أعمالها كافة قصبات المحافظة وخصوصاً القرى الصغيرة والنائية، حيث يعاني أبناء هذه القرى من انعدام الخدمات بشكل كبير، فلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء حتى أن مدارس بعض منها مبنية من مادة الحجر والطين” مشيرة إلى “إنه يجب على الحكومة الإدارية الاستغناء في الوقت الحاضر عن تنفيذ مشاريع لاتهم المواطن البسيط لا من قريب ولا بعيد، مثلما نسمع عن مشاريع استثمارية كبرى لإنشاء مولات تجارية أو مدن ملاهي أو فنادق خمس نجوم، وفي نفس الوقت هناك أناس لا يملكون حتى قطرة ماء صالح للشرب يستخدمونها، أم هل أن هناك فوارق طبقية تأخذها تلك الإدارات في احتسابها لتقديم الخدمات بين المدن الكبرى وأبناء القرى والأرياف الصغيرة؟؟؟”. وفيما يخص كيفية معالجة تلك المياه من قبل الأهالي لجعلها شبه صالحة للاستعمال تحدثت (فضيلة كامل-29 عاما-موظفة) :”بعد تمكني من إكمال دراستي الجامعية وتخصصي في علوم الحياة، عملت على إرشاد أهلي وساكني قريتنا إلى إتباع بعض التعليمات لغرض التقليل من خطورة هذه المياه ولو بشكل بسيط، رغم درايتي بأنها طرق بدائية ولا تجدي نفعاً، فنحن نعالج تلك المياه بواسطة الغلي أو بواسطة إضافة مادة الشب إليها للقضاء بصورة جزئية على بعض أنواع البكتريا والطفيليات المتواجدة فيها، لأن اغلب تلك المياه نحصل عليها من الجداول والبرك الراكدة التي تنمو فيها كثير من البكتريا والفايروسات والطفيليات وخصوصاً الديدان” مناشدة “المنظمات الإنسانية المتخصصة بهذه القضايا على زيارة هذه القرى والإطلاع بشكل مباشر على صلاحية تلك المياه التي سببت ظهور أمراض خطيرة لنا”. وعن مدى صلاحية تلك المياه للاستعمال في الشرب والطهو وحتى الغسيل تحدث أحد المتخصصين في علوم البيئة :”إن مياه الأهوار والجداول وحتى الآبار غير صالحة للشرب، وتحتاج إلى معالجات علمية وعملية كبيرة لغرض تطهيرها من البكتريا والطفيليات العالقة بها، يجب إضافة مادة الشب والكلورين وغيرها من المواد المعقمة بهدف معالجتها، أما الغلي والتقطير وغيرها من الطرق فهي لا تجدي نفعاً، سيما أن مياه هذه المنطقة تتمتع بالملوحة نتيجة تجمع مياه البزل من الأراضي الزراعية فيها”. مشيراً إلى :”إن حجم هذه المشكلة يصعب على مجالس الأقضية والنواحي حلها، وتحتاج إلى دعم مباشر من الإدارة المحلية والحكومة المركزية لحلها، خصوصاً بعد تشخيصنا لآلاف الطفيليات في تلك المياه بعد سحب عينات من مناطق مختلفة وتحليلها في مختبرات متخصصة وإخضاعها للفحوصات البكترولوجية والكيميائية”. رغم كل هذه المعوقات والمشاكل، إلا أن الكثير من نسوة هذه القصبات بتن ينصهرن مع طبيعة بيئتهن وحالها، وأحلامهن بدت بسيطة، فهن لا يحلمن بصالونات الحلاقة والقصور ولا يهمهن قانون الكوتا واتفاقية سيداو ولكن كل أمنيتهن صنبور ماء يملئن منه (جدر) الطعام بشكل مباشر.