هؤلاء الرجال لم يجدوا من شيء يدفعون به ظلم الظالمين سوى أن يتقدموا بأجسادهم هامات قائمة، متسلحين بهمم عالية في موكب احتجاجي يسمعون به أصواتهم بعدما أريد لهم ولعدالة قضيتهم النسيان والتناسي، هم في كل يوم يعلمونا درسا جديدا من دروس المقاومة، أذرعهم أجسادهم ، ولسان حالهم يدندن بمطلب البراءة، وتصحيح هذا الاختلال العميق للعدالة وللقضاء في بلدهم، والذي بسببه انتهكت الحقوق و حرمات الأشخاص والمنازل والإرادة العامة للمجتمع والمال العام والحق في التنظيم والتعبير، بل انتهك الحق في حلم جميل بوطن جميل يعز فيه المواطن وأهله ويذل فيه الظالم وأهله، لم تعد القضية قضية محاكمة عادلة لأنها أيضا انتهكت، ودبر أمرها بليل فجاءنا هذا التدبير برواية سخيفة تبين تهافت مستنداتها مع أطوار المحاكمة ودفاع الأعلام من المحامين والمرافعات التاريخية للمعتقلين،لم تعد القضية قضية خلية حبكت خيوط قصتها في الظلام، إنها قضية وطن بأكمله سرق من كل شرفاءه، وأراد سارقوه منه أن يكون ضيعة خاصة بهم ينتفعون بها ومن خلالها، ويتهمون ويسجنون من شاءوا ومتى شاءوا، ويهللون بإنجازاتهم فيه متى شاءوا، ويحرمون من شاءوا فيه من التعبير والتنظيم متى شاءوا، وينهبون ماله العام متى شاءوا وكيفما شاءوا، ويقيمون فيه البهرجات الرخيصة متى شاءوا، ويستدعون لها من شاءوا ومتى شاءوا. نعم لقد قالها الأستاذ محمد المرواني وقد تسلط عليه سيف الظلم وانتهكت قرينة برائته منذ اعتقاله هو ومن معه من المعتقلين المظلومين الشرفاء: “نعم.. الإصلاح الديمقراطي ممكن مغربي”، والاقتناع بذلك هو درس لنا جميعا ولهؤلاء المدبرين الأمنيين الذين رتبوا هذا الترتيب الأمني البئيس، وسجنوا هؤلاء الشرفاء ظلما وعدوانا، هو درس لهم لأنهم أرادوها “فوكوياما مغربية” حيث نهاية التاريخ السياسي المغربي بانتصار معسكر الارتداد الديمقراطي، وهو درس لنا جميعا لأن القول باستحالة الإصلاح هو إعلان عن سد كل الآفاق وكل الآمال وتأبيد الاستبداد والتخلف والظلم وكل الكوابيس المجتمعية التي لا نريدها لهذا الوطن، هكذا هي رسالة محمد المرواني فرج الله عليه هو ومن معه من المظلومين، في بلاغ إعلانه عن الإضراب: “إننا بهذا الاستئناف لا ندافع عن أنفسنا وعن حريتنا وكرامتنا فقط بل ندافع عن المغرب والمغاربة ضد العبثية السياسية وخرق القانون وفقر الحكمة ومصادرة العقل وتوسل القوة واستبعاد الحوار، من أجل مغرب الحريات لا مغرب الاستبداد، من أجل مغرب الصلاح لا مغرب الفساد، من أجل مغرب التقدم والتنمية والنهضة لا مغرب التخلف”. رسالة واضحة في عناوينها، ناصعة في خطابها، شامخة في آفاقها، حكيمة في متنها ومطالبها، هؤلاء البؤساء، أصحاب هذا التدبير الأمني المقيت، لا يعلمون أن الأفكار المتنورة لا تموت بالسجون ولا تنقضي بالمحاكمات الظالمة، بل تدب فيها الحياة وتسري في عروق الشرفاء. أيها الشرفاء المظلومون، أمعائنا تتقطع لأمعائكم الفارغة، وقلبي معكم في معركة الكرامة والشرف والحرية والحياة، نعم حق لكم أن تسموها معركة الموت، لأن ثمنها أجسادكم المتآكلة يوما بعد يوم كي تحيي الكرامة والعزة، وكي يزول الظلم وكي تنتهي قصة الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات والحرمات والمال العام والإرادة الشعبية وقرينة البراءة، لأن هذه القصة طال أمدها وسئمنا من رواياتها وحان الوقت كي نلفظها إلى مزبلة التاريخ مع الظالمين والمستبدين وبأس أولئك رفيقا، لكم أن تسموها معركة الموت لكنها هي معركة الحياة والحرية والتوزيع العادل للثروة والسلطة. ف”سجل يا تاريخ لن نخلي الساحة السياسية لكم وسنواصل عملنا السياسي على أرضية سلمية مدنية، وسنستمر ما بقي فينا عرق ينبض في العطاء لبلدنا وشعبنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا سلميا لأننا نحب بلدنا وشعبنا وأمتنا، ولأن السياسة هي الوسيلة اليوم للرقي بأوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أولا، وثانيا، لأنكم إذا أردتم من متابعتنا السياسية هاته أن نتوقف عن العمل السياسي وننسحب منه لتأمين سلامتنا، فأنتم واهمون واهمون واهمون، ولن نمنحكم هذا النصر. سجل يا تاريخ لن نستجيب لتطرفكم وغلوكم وعنفكم السياسي، بل سنظل أوفياء لقناعتنا الفكرية والسياسية الوسطية والسلمية لأنه لا يمكن أن نشارككم في ذلك ولن نمنحكم مبررا لمقاربتكم السياسية الأمنية، ولئن بسطتم إلينا ألسنتكم وأيديكم بالسوء، فما نحن بباسطي ألسنتنا وأيدينا إليكم بالسوء. سجل يا تاريخ لن نصغي لتعليماتكم بل سنستمر في الاستماع إلى نبض شعبنا وأمتنا وتحديات بلادنا وما يخدم المصلحة العامة في إطار احترام القانون، لأننا بالإصغاء لتعليماتكم لا نسيء فقط إلى مفهوم الحزب باعتباره إطارا مستقلا عن السلطة ومتعاقدا مع المجتمع، بل نكون شركاء في الإساءة إلى المؤسسات وفي خرق مقتضيات القانون. سجل يا تاريخ لن نقبل بلعب دور الكومبارس السياسي لأننا ببساطة اخترنا أن نمارس السياسة العليا ومن ممارسة السياسة العليا أن نستند إلى أسئلة توزيع السلطة والثروة وكل ما يصب في رقي بلدنا وشعبنا وأمتنا، فلا مكان ولا وقت عندنا لنضيعه في سفاسف الأمور وفي النقاش السياسي على الهامش وفي خصومات لعبة التوازنات السياسية النسبية وفي تصفية الحسابات”. (من كلمة الأستاذ محمد المرواني الأخيرة التي منع من إلقائها في المحكمة في المرحلة الاستئنافية). تحية لكم أيها الشرفاء المسجونين، التحية كل التحية لصمودكم، التحية كل التحية لمقاومتكم، والله أسأل الفرج القريب القريب لكم جميعا، وحفظكم الله من كل مكروه وقواكم الله على معركة الأمعاء الفارغة التي تخوضون، إنه ولي المومنين وقاصم الجبارين وهو نعم المولى ونعم النصير. “والله ولي المؤمنين” آية 68 سورة آل عمران. كتبت يوم السبت 14 ذو القعدة 1431 الموافق 23 أكتوبر 2010. بقلم أحمد بوعشرين الأنصاري مكناس