أولا وقبل كل شيء نرحب بضيفنا الدكتور أحمد أبو مطر في هذا الحوار الخاص بجريدة دنيا بريس شكرا لكم على إتاحة هذه الفرصة لي مع قراء موقع دنيا برس الذي انطلق حديثا، بتميز ونوعية تدلل على أنه سيكون له شأن مهم في الإعلام الإليكتروني العربي. 1* في البداية نريد أن نعرف من هو الدكتور أحمد أبو مطر ؟ أنا مواطن لاجىء فلسطيني، إليكم سيرتي الذاتية كما عشتها بمرها الكثير وحلوها القليل، وربما تلخص هذه السيرة الشخصية صورة عامة للاجىء الفلسطيني الذي من النادر أن لا تجده قد حطّ به الترحال في بقعة من العالم أينما كانت. أنا من مواليد عام 1944 في مدينة بير السبع الفلسطينية أي قبل أربع سنوات من قيام دولة إسرائيل المحتلة على أنقاض بيوتنا ومدننا وقرانا. هاجرت عام 1948 مع عائلتي وألاف العائلات الفلسطينية إلى مخيم رفح للاجئين الذي اقامته وكالة الغوث الدولية في قطاع غزة. درست المرحلة الإبتدائية في مدينة رفح والثانوية في مدينة خان يونس. ذقت مرارة العيش وبؤس الجوع في المخيم. كنّا نعتمد فقط على المواد التموينية التي تقدمها وكالة الغوث مرة كل إسبوعين، والملابس المستعملة التي تقدمها مرتين في السنة. من يتصور أنني عملت خادما في مقهى وأنا عمري 13 عامل كي أكسب يوميا أربعة قروش مصرية في اليوم، تساهم في مصاريف عائلتي. ورغم الفقر والبؤس تمكنت عائلتي من إرسالي للدراسة الجامعية في جامعة القاهرة عام 1961 ، حيث كانت مصروفاتي الشهرية أقل من أربعة جنيهات مصرية شهريا. تخرجت ليسانس آداب قسم اللغة العربية عام 1965 حيث عاصرت مشاهير أساتذة مصر ومفكريها. ثم عملت مدرسا في الأردن والكويت، ثم صحفيا في الكويت حتى عام 1974 حيث عدت للقاهرة لأكمال دراستي لدرجة الدكتوراة التي حصلت عليها في عام 1979 في موضوع ( الرواية في الأدب الفلسطيني ). عملت بعد ذلك مدرسا في جامعة الفاتح بليبيا وجامعة البصرة في العراق، وتركت البلدين لأسباب سياسية، ثم عملت في بيروتودمشق، وطردت لأسباب سياسية، فاين أذهب وقد ضاقت بي بلاد العرب أوطاني، التي جعلها المستبدون العرب ( بلاد العرب أكفاني). خرجت إلى المملكة النرويجية التي أكرمتني ومنحتني جنسيتها، وها انذا أقيم في عاصمتها أوسلو منذ عام 1992 ، ولم أشعر بكرامتي وحريتي في الكتابة إلا في النرويج التي أصفها ( المباركة بإذن الله ). 2* حبذا لو حدثنا الأستاذ أبو مطر عن إصداراته ومجال اشتغاله الفكري ؟ صدر لي العديد من الكتب والدراسات طوال حياتي الأكاديمية والصحفية منها: دراسات في الأدب الفلسطيني ، دار الطليعة – الكويت 1978 . عرار...الشاعر اللامنتمي ، طبعتان : الإسكندرية 1978 ، و دمشق 1986 . تنويعات غير قانونية ( قصص قصيرة ) ، طبعتان : الإسكندرية 1978 ، و دمشق 1986 . الرواية في الأدب الفلسطيني من عام 1950 و حتى عام 1975 ، طبعتان : وزارة الإعلام العراقية عام 1980 ، و المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت 1981. بيروت...وعي الذات، الأمانة العامة لإتحاد الكتاب الفلسطينيين، دمشق 1983 الرواية و الحرب ‘ المؤسسة العامة للدراسات و النشر ، بيروت 1996 . الثقافة المصرية في زمن التطبيع ، الأمانة العامة لإتحاد الكتاب العرب ، عمان 1996 . سقوط ديكتاتور ، دار الأنصار الإسلامية ، بيروت 2003 . فلسطينيون في سجون صدام ، دار الأنصار الإسلامية ، بيروت 2004 . مقالات كويتية..عن الكويت و الديكتاتور أيضا، دار الأنصار الإسلامية- بيروت 2005 الإسلام والعنف، بالاشتراك مع د. خالص جلبي و د. زهير المخ، دار الكرمل ، عمان ، طبعتان: 2005 و 2006 أحداث الحادي عشر من سبتمبر كما يراها كتاب و مقكرون عرب (إعداد و تقديم ) ، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمّان – الأردن، 2007 حزب الله الوجه الاخر (إعداد و تقديم ) ، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمّان – الأردن، 2008 الخطر الايراني وهم ام حقيقة (إعداد وتقديم)،المصرية للنشر والتوزيع ،القاهرة 2010 بالإضافة للمشاركة في العديد من المؤتمرات الأدبية والسياسية، والبرامج التلفزيونية خاصة برنامج (الإتجاه المعاكس ) بقناة الجزيرة. 3* أنت تعتبر القدس قضية عربية وليست قضية إسلامية...لماذا ؟ أنا أعتبر القضية الفلسطينية ذات طبيعة خاصة عند سؤال علاقتها العربية والإسلامية. هي عربية عندما نتذكر ما يسمى الوطن العربي، الذي هو بالنسبة لي أقطار عربية مختلفة وليست وطنا واحدا. اللغة والدين وحدهما ليسا عوامل توحد، بدليل أن 29 دولة أوربية لا تجمعها لغة أو دين على أبواب الوحدة الكاملة، بينما 22 دولة عربية تتشدق بالوحدة واللغة الواحدة على أبواب الفرقة والتشتت. بالنسبة لهذه الأقطار العربية القضية الفلسطينية مجرد شماعة لستر فسادها وديكتاتورية حكامها. لا صوت يعلو على صوت المعركة، بينما معركة هذه الأنظمة مع شعوبها أولا. وبالتالي فالقضية الفلسطينية ليست قضية عربية، اي لا إجماع عليها بين الدول العربية المتحاربة فيما بينها أكثر من حرب كل دولة منها مع الإحتلال الإسرائيلي. أما بالنسبة للدول الإسلامية فالقضية الفلسطينية أيضا مجرد شعارات وإشادة بالمسجد الأقصى. تركيا دولة إسلامية صفق لها العرب بعد المجزرة الإسرائيلية البشعة التي وقعت لأسطول الحرية، واعتبر العرب أردوغان هو البطل المحرر، متناسين أن بلده تركيا تحتل لواء الإسكندرونة السوري منذ عام 1938 ، وتركيا تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية مع دولة إسرائيل أقوى من علاقات أية دولة أوربية معها، وتركيا عضو أساسي في حلف الناتو، ورغم ذلك بعض العرب العاطفيين ينتظرون التحرير من تركيا. وأخيرا جاء صلاح الدين الجديد المدعو أحمدي نجاد، ولاقى من التصفيق والتطبيل والهتافات أضعاف ما لا قاه جمال عبد الناصر، وتناسى المصفقون أن الأنظمة الإيرانية المتعاقبة حتى اليوم تحتل لواء الأحواز العربي منذ عام 1925 ، والجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ، ومع ذلك ينتظر العرب التحرير من النظام الإيراني، الذي أمدته إسرائيل بالسلاح طوال حربه مع نظام صدام حسين، وفضيحة ذلك معروفة بإسم ( إيران جيت ). ولم يبق أمام العرب سوى التطلع للتحرير من أسبانيا محتلة مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين. هذا تخبط عربي يقود للفشل المتواصل والغياب عن المسرح الدولي تدريجيا. 4* ما هو تقييمك لإشغال القمة العربية الاستثنائية المنعقدة في سرت؟ هذه القمة مثل باقي البقمم العربية منذ عام 1964 مجرد اجتماعات لرؤساء وملوك وسلاطين لإلتقاط صور تذكارية، لا يفتخر واحد منهم بتعليقها في قصره أو غرفة نومه. لقاءات لا تساوي ثمن الورق والحبر الذي كتبت به وعليه، بدليل أنه بعد ما يزيد على عشرين قمة عربية، ما زالت الدول العربية متفرقة بين بعضها حروب مستعرة، والحدود مقفة، وغالبية الدول تطلب من المواطن العربي فيزا للدخول بينما الأمريكي والبريطاني والفرنسي وغيرهم يدخل بدون تأشيرة دخول مرحبا به بصوت عال وابتسامات عريضة في كل المطارات العربية. 5* طيب ، ما قراءتك للأوضاع السياسية العربية ؟ أوضاع بائسة، حيث غالبية الأنظمة مستبدة في الكرسي من المهد إلى اللحد، وقل اللحد التوريث قائم وقادم. غياب شبه كامل للديمقراطية وحرية التعبير، وتفشي للفساد بشكل يندر مثيله. 6*أين تتجه في رأيك الأوضاع السياسية والأمنية في هذه البلاد العربية ؟ الأوضاع الساسية في العالم العربي تسير بسرعة ضوئية نحو أن تسجل غالبية هذه الدول في قائمة الدول الفاشلة. نسبة الأمية حسب تقرير التنمية البشرية العربي الأخير تزيد في متوسطها عن 60 بالمائة. تعتمد هذه الدول على الدول الأوربية والولايات المتحدة في كل أمور حياتها من الغذاء إلى الدواء وكل أمور الصناعات الكهربائية والإليكترونية. الصناعة الوحيدة التي يجيدها العرب هي صناعة الديكتاتور والمفسدين. أما الأوضاع الأمنية فتتجه نحو التشرذم والتقسيم. أنظروا ما يجري في السودان واليمن وغيرها. احوال العرب لا ترضي صديقا ولا تغيظ عدوا إن وجد. 7*هل تتوقع حدوث تحولات كبرى في الدول العربية على غرار الثورات التي عرفتها أوربا وأوربا الشرقية بالنظر لدقة الأوضاع الاجتماعية ؟ لا أتوقع ذلك، لأن الشعوب العربية تعودت على الظلم وهي التي تصنع الديكتاتور والمستبد. الصراخ الوحيد الذي يتفق عليه العرب هو ( بالروح بالدم نفديك يا....). كيف ستثور الشعوب العربية، وغالبية كتابها ومثقفيها أبواق لأنظمة بلادهم. قارن ما يكتبه الكتاب العرب مديحا للمستبدين وما كتبه الأمريكي مايكل مور ضد الأدارات الأمريكية. الديمقراطية لا تمنح من الأنظمة بل تنتزعها الشعوب بنضالها السلمي ونزولها الحاشد للشوارع. من سينزل الجماهير للشوارع احتجاجا، وما لا يقل عن ربع مليون خطيب مسجد كل يوم جمعة يدعون في كل الأقطار العربية دعاءا موحدا ( اللهم أنصر حاكم البلاد على أعدائه ) ، وهم يعرفون أن الشعوب هي أعداؤه. أي أنهم يدعون الله أن ينصره على شعوبه. وهولاء الشيوخ يكررون دوما ( طاعة ولي الأمر طالما لم يعلن كفره ). هل هناك مهزلة أكثر من استعمال الدين لترسيخ الظلم والإستبداد والفساد؟. 8*ألا ترى أن النخب العربية اليوم أما أنها نخب متغربة ، أو نخب باعت أنفسها للأنظمة ؟ النخب العربية كما قلت في بعض تصنيفاتها، لكن النخب هذه لا يمكن تحميلها مسؤولية ما يجري في الأقطار العربية على ضوء الحقائق التي طرحتها سابقا،. هناك رجال الدين والقمع وفضائيات اللهو والعبث لدرجة استغلال الدين لبث الفرقة والفتنة التي تكاد تعصف بالأقطار العريبة. عوامل كثيرة منها تخلي غالبية النخبة عن دورها. 9*ألا ترى أن التاريخ اليوم يتحرك في اتجاه المشروع الإسلامي ؟ شكليا وخطابيا وعاطفيا نعم. ولكن في الواقع لا، لأن الدول الإسلامية أيضا بينها من التناقضات والمشاكل تماما مثل الأقطار العربية. أنظر ما يجري في باكستان وأفغانستان. انظر للعلاقة المتوترة بين إيران وأكثر دول العالم بما فيها العربية. تمعن في الفتنة العلينة بين السنّة والشيعة، متناسين كلهم أنه في زمن الرسول لم يكن هناك سنّي أو شيعي بل دين إسلامي واحد، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتنبأ بهذه الفرقة والانقسامات عندما قال حديثه ( الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ). لذلك ما تسمى ( منظمة المؤتمر الإسلامي ) هي مجرد ديكور مثل شقيقتها (جامعة الدول العربية )، بينما هي في واقع حالها ( مفرّقة الدول العربية ). *10ما هي أفاق الصراع العربي الصهيوني في ظل التلويح بحر ب كبرى في المنطقة ؟ لا أعتقد أنّ هناك حرب كبرى تلوح في الأفق، لأن موازين القوى تميل بفارق هائل لصالح الإحتلال الإسرائيلي، وغالبية الدول العربية تطلب وده والتقرب منه. والمقاومة المسلحة لا تجد العوامل الداعمة لها، خاصة في ضوء الإنقسان الفلسطيني بين ما أسميه دويلة عباس في الضفة وإمارة حماس في القطاع. وكذلك الإنقسام البشكلي في البرامج في حين انهم جميعا في خانة واحدة. فكلهم بما فيهم حماس يريد دولة ضمن حدود عام 1967 ، لكن سلطة عباس تقول ذلك علنا، بينما حماس تريد ذلك من خلال هدنة لستين عاما، اي أنه ضحك على الذقون. للآسف منذ الأربعينات مشكلة الفلسطيني في قياداته الإنتهازية في الغالب . يبحثون عن جيوبهم وأرصدتهم، أما القضية بالنسبة لغالبيتهم مجرد تجارة وموضة للخطابات والبيانات ، هل تتخيل في الساحة الفلسطينية حوالي عشرين تنظيما وفصيلا. واغلبها كما اسميه تمارس نضال الإنترنت فقط، عبر بيانان وخطابات تكاد تكون بمعدل بيان كل يوم . ودولة إسرائيل تبني بيتا في المستوطنات كل يوم. ولا سلام في الأفق لأن الخطوط الحمراء الفلسطينية هي نفس الخطوط الحمراء التي ترفض الدولة الإسرائيلية التنازل عنها والإعتراف بها للشعب الفلسطيني وهي” حق العودة وتفكيك المستوطنات والقدسالشرقية”. لذلك لا سلام قادم والصراع مفتوح على كل الإحتمالات. 10* ماذا تعني لك هذه ...الكلمات ؟ -صدام حسين: ديكتاتور بإمتياز يدخل به موسوعة جينس، يكفي أنه بدأ حياته بقتل 18 من أعضاء قيادته القطرية بتهمة التخابر لصالح البعث السوري. تخيل بعثي يتجسس على بعثي. ثم أدخل المنطقة في حربين مع إيران واحتلال الكويت. لقد قدّم الذرائع والمبررات لوصول العراق لهذه الحالة المأساوية التي يعيشها اليوم. -المغرب: دولة عربية شقيقة، أرفض افتعال مشكلة الصحراء معها كمبرر لتقسيمها، فلا يوجد شعب اسمه الشعب الصحراوي، كلهم مغاربة أيا كانت أصولهم. مشكلة الصحراء افتعال جزائري تنتهي بكبسة زر من النظام الجزائري. -السلام: أتمنى أنّ يعم العالم ولكن بشكل قائم على العدل والمساواة وعدم احتلال أراضي الغير، لكنه في الحاالة الفلسطينية طويل وصعب المنال كما أوضحت سابقا. -نصر الله : قائد أحترم نضالاته ونضالات حزبه ضد الإحتلال، واختلف معه سياسيا في تبعيته لإيران التي يؤكدها في البيان الداخلي لتأسيس حزب الله عام 1985 وعاد وأكّدها في أكثر من خطاب له. أحترم سلاحه عندما يواجه الإحتلال، ولكن أرفض توجيه هذا ىالسلاح للداخل اللبناني كما حدث في اجتياح الحزب لبيروت في مايو 2008 ، والتلويح به نحو الداخل من حين إلى آخر. -الشيعة: مسلمون أحترمهم و أرفض الإساءة إليهم وأيضا أرفض الإساءة للسنّة، ولكن قناعاتي انّ كل خلافاتهم وفتنهم خلفيتها سياسية. في عقلي وقلبي لا أعترف بوجود إسلامي لسنّة وشيعة، هناك الدين الإسلامي الذي كان في زمن الرسول وعدة خلفاء من بعده اسمه الإسلام فقط. ثم جاءت السياسة والصراع على الحكم ، فقسموا المسلمين إلى شيع وطوائف. * كلمة أخيرة أتمنى لدنيا برس أن تتمكن من القيام بدور مضيء وسط هذا الظلام الذي يعمّ الأقطار العربية، ويهددها بالفشل والتقسيم والحروب الأهلية. أجرى معه الحوار : عبدالجليل ادريوش [email protected] الدكتور أحمد أبو مطر ضيف برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة ( فيديو )