راهنت الحكومة على أن لن يتبع عشرين فبراير غير الواحد والعشرين من فبراير مع باقي أيام السنة في تعاقبها المطمئن ورتابتها المريحة، بعد أن تبرد حرارة الجماهير المستعرة مع مرور الوقت. فيعود الغافلون من ظرفية ربيع الثورات وسرابها إلى واقع سباتهم الشتوي العميق والخالد. وحتى لا يضل المواطنون المسطولون طريقهم إلى التيه والهذيان، سيعينهم المسؤولون بتنظيم المهرجانات والحفلات لتعلم آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا الرقص وفنون قلة الأدب. ويدلونهم على معالم الطريق بترتيب مواسم الأساطير والخرافات للتبرك بكرامات سيدي بوخبزة وخزعبلات مولاي بوتاغاز. وفي انتظار أن تعود المياه العكرة إلى مستنقعاتها والأذمغة المغسولة إلى جماجمها، تم وضع حركة عشرين فبراير تحت المجهر. وبعد تسليط الكشافات على أعضاء الحركة وتعقب عيوبهم الواحد تلو الآخر، ما ظهر منها وما أُضمر، خلصت الجهات المسؤولة إلى أنهم كلهم من الشواذ والملاحدة والعملاء والإسلاميين السلفيين والماركسيين الراديكاليين والفوضويين العدميين. وبعد النجاح الباهر الذي حققه مجهر المسؤولين، لاشك في أنهم سيوجهون هذا السلاح الفتاك ضد المغاربة فردا فردا، ليعمموا خصلات الحركة على عموم الشعب، فهم يدركون أكثر من غيرهم أن كشف العورات واكتشاف العيوب مسألة عدسات وضوء وقضية تكبير وتهويل. لكن المخزن تناسى في انغماسه في أبجديات البصريات ومبادئ الحفريات أن فساده ظاهر للعيان من مجرات أخرى ومن دون ما حاجة لتلسكوب، وهو الطاهر العفيف النظيف والولي من أولياء الله الصالحين... ارتعدت فرائص المخزن من سعير حرارة الجماهير. ولجأ إلى تبريد أعصابه بحفنة من الوصفات القديمة والتقنيات المترهلة. اختزل دعاة الإصلاح والتغيير في شرذمة من الشخصيات الكارتونية والأقلام الانتهازية والأحزاب البالية. و رفع فزاعة التفرقة والإلحاد والرجعية والفساد والفوضى، في بلاد عمت فيها وحدة الكلمة وصدق الإيمان وريح التقدمية وروح النزاهة وأمن السوط والرصاص. سلمنا بوصاية الدولة الحكيمة والمستعمر الجديد القديم المتحضر على المواطن الجاهل المتخلف. وفرضنا أن عقل المواطن الزاحفي بخليته العصبية الوحيدة لم يرق بعد للديموقراطية، وأن قدره الانتقال بين محطات الدساتير المتوالية من ديموقراطية إلى ديموقراطية أكثر دمقرطة، في انتظار سحر التطور ومعجزات الارتقاء... ولندع جانبا مشروعية الملكية التاريخية والسياسية والدينية التي تطفو قهريا على السطح، ليقحمها المقحمون في دائرة النقاش بمبرر حينا وبدون مبرر أحيانا كلما ارتفعت حناجر المواطنين مطالبة بمحاربة الفساد. ندع جانبا حوار الطرشان بردوده العجيبة على دعوات الإصلاح بشرعية الملكية، كأنها مفاهيم متعارضة تدور في مسارات متوازية. ونبتعد قليلا عن فانتازيا التحاليل الفرويدية الفولكلورية في تفسير التصرفات الغريبة، لنقترب كثيرا من مسؤولية المواطن... إلى متى سيتباكى المواطن مع (مسقط الطائرات) على يتمه وتشرده بعد رحيل الملك الحسن الثاني، ليتبنى بعدها بأيام مع ببغاوات السياسة والإعلام عبارات فصامية من قبيل (سنوات رصاص حبيب الجماهير) ؟ إلى متى سيلهث المواطن وراء أوهام الإنصاف والمصالحة عوض أن يتصالح مع تاريخه وينصف نفسه بنفسه ؟ إلى متى سيلوم المواطن الأنظمة المتعاقبة على أفعالها بدلا من أن يحاسب نفسه على اكتفائه الميكانيكي بردود الأفعال بعد وفاة الفاعلين وفوات الأوان؟ ألم يحن وقت المبادرة والفعل بعد عقود تلقفت فيها صدور الجماهير العارية طلقات الرصاص، ومُنَّ عليها في أحسن الحالات بالدساتير والركلات؟ ليس في كل مرة تسلم الجرة. ولن تنفع النظام وأصحاب المصالح على الدوام وصفات تدبير المخاطر وتقليص الأضرار بالترقب والتربص والانتظار... لأن عيونا أخرى عليهم رقيبة... تمهلهم إلى حين علمه عند الله وعند شعب مناضل لن يكون لبروباغندا الإعلام بتطبيلها دور في توعيته، ولا للمثقفين بنفاقهم فضل في تربيته، ولا للأحزاب بانتهازيتها حساب في مستقبله. شعب بدون وصاية، لايدين بكفاحه لمخلوق. شعب يختار مصيره بنفسه. http://gibraltarblues.blogspot.com