في العقود الأخيرة يصنف المغاربة الأحزاب السياسية إلى كبيرة وصغيرة معتمدين في تصنيفهم على عدد النواب والمستشارين الجماعيين وعلى شكل المقرات وفخامتها وحجم الؤتمرات بل وعلى قائمة الطعام بتلك المؤتمرات. أصبح تقييم الحزب حسابياً ومادياً وإحصائياً، لكن هل هذا التصنيف صحيح أو على الأقل عادل على أي حال فقدرة الحزب على تنزيل مشروعه والوفاء بوعوده الانتخابية، نوعاً ما، مرهون بعدد نوابه و مستشاريه. لكن هذه المرحلة تفترض أولاً إمتلاك الحزب لمشروع سياسي ورؤية واضحة للمستقبل، لكن هل هذا هو حال الأحزاب التي امتلكت وتمتلك عدد كبير من النواب على الأقل في الثلاث ولايات التشريعيات الأخيرة؟ لا أعتقد ذلك فهو أولاً يظهر في برامجها الإنتخابية الإنشائية المتشابهة حتى في أبسط التفاصيل ما يجعل المناظرات الإنتخابية، كما يحدث في باقي الديمقريطيات، أشبه بحوار الببغاوات. ويظهر واضح فاضح عندما تشكل هذه الأحزاب الحكومة ويتم توزيع القباعات على التيكنوقراط ولتخرج للوجود حكومة أقرب لحكومة تصريف الأعمال، أو في أحسن الأحوال حكومة رد الفعل أو "الموقف" تدبر اليوم باليوم، ولا تستطيع التفكير خارج الصندوق، وتختار الحلول السهلة والمملاة من طرف الصندوق، ولا ينقدها سوى المشاريع الملكية برؤيتها المستقبلية. وحتى بالرجوع إلى الدور الأساسي في تأطير المواطن، فنجد عدد من الأحزاب ذات الميزانيات الضخمة تواصلها مع المواطن موسمي مرتبط بشكل مباشر بالانتخابات مع التحفظ على كلمة "التواصل". تقييم المغاربة للأحزاب بين كبيرة وصغيرة تقييم صحيح، لكن مع وجود تغيير المعايير. فالحزب كبير بديمقراطيته الداخلية، بتقديره لمناضليه ومناضلاته، كبير في بناء مشروع سياسي اجتماعي حقيقي واقعي واضح وطموح قريب وبعيد المدى، كبير بقربه للمواطن وتواصله الدائم معه، كبير بتباثه في مواقفه والالتزام بعهوده الانتخابية، كبير بتقديمه للكفاءة على "الشكارة". إن الإعتماد على المنطق الحسابي أظهر جيداً قصوره، هذه حقيقة يجب على المغاربة إدراكها وقبلهم كل فاعل سياسي على رأسهم الأحزاب السياسية.