أكد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، السيد ادريس جطو، اليوم الأربعاء بالرباط، أنه، على الرغم من التحسن الملحوظ على مستوى تدبير الدين العمومي، يتعين التزام الحيطة والحذر إزاء المنحى التصاعدي الذي يعرفه هذا الدين، سواء بالنسبة للدين المباشر للخزينة، او ديون القطاع العام، وكذا الدين المضمون من طرف الخزينة. وأكد السيد جطو، في عرض قدمه خلال جلسة مشتركة للبرلمان بمجلسيه حول أشغال المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات ، أن نفقات الدين العمومي للخزينة عرفت زيادة ملحوظة خلال سنة 2014، إذ من أجل تمويل عجز الميزانية لجأت الحكومة إلى الاقتراض على المستويين الداخلي والخارجي، حيث أدى هذا الاقتراض إلى الرفع من حجم مديونية الخزينة إلى 586 مليار درهم عند نهاية سنة 2014، يشكل منها الدين الداخلي نسبة 76 في المائة، ويمثل حجم مديونية الخزينة نسبة 9ر63 في المائة من الناتج الداخلي الخام. واضاف أن الدين العمومي في مجمله قد انتقل من 678 مليار درهم سنة 2013 إلى 743 مليار درهم سنة 2014، بما يعادل نسبة 81 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وأشار إلى أن تحسين مؤشرات المالية العمومية يقتضي التحكم في النفقات العادية والرفع من المداخيل ومتابعة الإصلاحات الضرورية، ومن بينها إصلاح جبائي يتوخى توسيع الوعاء الضريبي، كما يتعين إيلاء الأهمية لعنصر النفقات الجبائية، والتي تعبر في حد ذاتها موارد ضمنية لا تستفيد منها الخزينة. وابرز أنه تم بدل مجهودات هامة لتحسين الدين، على عدة مستويات تتمثل في توسيع المدى الزمني، حيث ارتفع متوسط أمد الدين الداخلي من اربع سنوات وخمسة اشهر سنة 2013 إلى خمس سنوات وتسعة أشهر عند نهاية سنة 2014، وكذا في تحسيتن شروط تمويل الخزينة، حيث تراجع سعر الفائدة المرجح عند الإصدار من 54ر4 في المائة سنة 2013 إلى 27ر4 في المائة سنة 2014، فضلا عن التدبير الفعال للدين الداخلي والخارجي، ما أدى إلى انخفاض خدمة دين الخزينة بنسبة تقارب 12 في المائة مقارنة مع سنة 2013. وقال الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إن التوازنات الماكرواقتصادية، وفضلا عن مؤشر عجز الخزينة، ترتبط بمؤشر ثان، يتعلق بالعجز الذي يسجله الحساب الجاري لميزان الأداءات، الذي عرف بعض التحسن بالمقارنة مع سنة 2013، حيث تراجع ليستقر في نسبة تناهز 8ر5 في المائة، مشيرا إلى أن هذا التطور الإيجابي يرجع إلى تراجع العجز التجاري، بارتباط مع تراجع الفاتورة النفطية والتحسن الذي عرفته التحويلات الصافية والاستثمارات الأجنبية، وكذا إلى الأداء الجيد للصادرات، وفي مقدمتها تلك المتصلة بقطاع المهن العالمية للمغرب والصناعات الغذائية، بالإضافة إلى ارتفاع رقم المعاملات الموجه للتصدير للمكتب الشريف للفوسفاط. وبعد ان تطرق للصعوبات التي عرفتها سنة 2012 من قبيل ارتفاع كتلة الأجور وتفاقم عجز الميزانية ونفقات المقاصة التي بلغت 87ر54 مليار درهم أشار السيد جطو إلى أنه، أمام هذه الوضعية، تم اتخاذ إجراءات استعجالية خلال سنة 2013 استهدفت أساسا التحكم في حجم النفقات العمومية، وتمثلت على الخصوص، في الحد من ارتفاع وتيرة الإنفاق العمومي، وإيقاف الالتزام بالنفقات العمومية خلال الشهرين الأخيرين من السنة وكذا شروع الحكومة في نهج نظام المقايسة التدريجية لأسعار بعض المواد النفطية، قصد تقليص النفقات الموجهة للمقاصة. وأضاف ،أنه من خلال تحليل وضعية سنة 2014، وبالرجوع إلى المعطيات التي أعلنت عنها وزارة الاقتصاد والمالية، يلاحظ أن نسبة عجز الميزانية تراجعت من 4ر7 في المائة سنة 2012، إلى 5ر5 في المائة سنة 2013، ثم 9ر4 في المائة سنة 2014. ويرجع هذا التحسن، حسب السيد جطو، إلى الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة والتي أدت إلى الزيادة في الموارد والاستقرار النسبي للنفقات، كما ساهمت فيه عدة عوامل ذات طبيعة ظرفية وغير بنيوية منها مداخيل غير اعتيادية من المؤسسات والشركات الكبرى، وكذا استخلاص مبالغ ضريبية إثر بعض العمليات الاستثنائية، وذلك برسم الضريبة على الشركات وحقوق التسجيل، ومداخيل غير ضريبية على شكل دعم من طرف بعض الدول الصديقة، انضافت إليها مداخيل الخوصصة، وعائدات المساهمة الإبرائية برسم الممتلكات والموجودات المنشأة بالخارج بمبلغ إجمالي يقدر ب3ر2 مليار درهم تم رصده لصندوق دعم التماسك الاجتماعي طبقا لمقتضيات قانون المالية لسنة 2014. من جهة أخرى، أشار العرض إلى أن العمل بنظام المقايسة الجزئية للمواد البترولية منذ 16 أكتوبر 2013، وكذا رفع الدعم التدريجي عن المواد البترولية السائلة ابتداء من يناير 2014، قد ساهم في تراجع نفقات المقاصة لتصل إلى مستوى 6ر32 مليار درهم، مثمنا المجهود الذي تبذلها الحكومة، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، بهدف تفعيل مختلف مشاريع الطاقات المتجددة سواء منها الشمسية أو الريحية أو الكهرومائية. من جانب آخر، أبرز السيد جطو أن الدراسة الموضوعاتية الشاملة التي برمجها حول الترويج الاقتصادي للمغرب، أظهرت نتائجها الأولية اهمية الموارد المالية والبشرية المرصودة من طرف الدولة لفائدة الأجهزة المعنية مباشرة بالترويج الاقتصادي، حيث تستأثر العشرة الأولى منها بموارد بشرية تقدر ب 1.150 فردا، أغلبهم من الأطر العليا، وبميزانية إجمالية تفوق 3 مليارات درهم سنويا. وأضاف أن هذه الدراسة الموضوعاتية أظهرت أيضا غياب الانشغالات المرتبطة بالتقييم البعدي لنتائج عمليات الترويج المختلفة، علما انها تستهلك مبالغ مالية مهمة، وذلك بهدف قياس أثرها وفعاليتها وتصحيح المسار، عند الاقتضاء، وفق مقاربة تسويقية علمية وحديثة، وبإشراف موارد بشرية متخصصة. وكشفت الدراسة الموضوعاتية أيضا تعدد المتدخلين المؤسساتيين (في السياحة والاستثمار والتصدير)، مع غياب مقاربة شاملة ومندمجة ومنسجمة لدعم الترويج الاقتصادي للمغرب وللمنتوج المغربي، فضلا عن استمرار بعض المؤسسات العمومية في مواصلة أنشطتها بالرغم من التغير الجذري للسياق الاقتصادي الذي صاحب نشأتها، والاستغلال غير الكافي للفرص الجديدة المتاحة من قبيل استغلال خدمات الأنترنيت والمواقع الإلكترونية التجارية، وكذا غياب سياسة تسويقية قوية قصد ولوج الأسواق الواعدة، عوض الاقتصار على الأسواق التقليدية، لاسيما الأوروبية. من جهة أخرى، أكد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن المنافسة التي يواجهها الاقتصاد الوطني في مجالات التصدير أو السياحة أو استقطاب الاستثمار قد صارت اكثر احتداما، ولم تعد تقتصر على المنافسين التقليديين للمغرب، بل تشمل دولا من آسيا وإفريقيا، وحتى من أوروبا، مما يستدعي مجهودا مضاعفا من أجل تعزيز تنافسية المنتوج المغربي وجعله اكثر جاذبية. واشار، في هذا الصدد، إلى أن الدراسات المقارنة التي قام بها المجلس حول مجموعة من الدول الرائدة كسنغافورة وإسبانيا وبريطانيا وفنلندا وتركيا والإمارات العربية المتحدة بينت أنها انخرطت، منذ سنين، في سياسة ما يصطلح عليه ب"الدولة كعلامة تجارية"، أخذا بعين الاعتبار مقومات التجارة الخارجية والاستثمار والسياحة ودعم الصادرات، واعتمادا على الدور الحيوي المنوط بشبكة التمثيليات الدبلوماسية في الخارج.